[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]مرحباً بالجميع /
أردت أن يكون حديث الثلاثاء هذا منوعاً ،مادته عفو قلمي الخالص ، لا أستند في كتابته على مرجع مرقوم أو بحث موسوم ، فمن هذا الحديث ما يحكي موقفاً مررت به فآثرت أن أخبركم به، أو فكرة تأملتها فأردت أن أشرككم معي هذا التأمل ، فمثلي يا سادة مثل السائح الذي يجوب البلدان فحيناً تلتقط كامرته صورة تخلب الألباب ،و أحياناً تلتقط صورة باهتة الألوان ، فهذا هو حديث الثلاثاء ، على أني أسأل الله أن يوقفني لتمام القول و أحسنه و أن يجعل مكتوبي في ميزان الحسنات في الآخرة، ويعيذني و إياكم من فتنة القول ..
ما رأيكم أن أحدثكم عن زيارتي لمستشفى النقاهة ، حسناً دعونا نبدأ:
في ذات مساء من أماسي رمضان المباركة، رن هاتفي النقال ، أجبت إذ بأحد الأخوة الأفاضل ممن يحرصون على زكاء قلوبهم أشد من حرص صاحب المال على ماله، فلا ينفك يزوره إلى محلات ترق لها الحجارة، فمرة تراه في مقبرة تسف ريحها المفزعة وجهه، و أخرى في مشفى يدور بين المرضى لتسرية عنهم و جلب الحزن إلى قلبه، و ثالثة في دور الفقراء و المعوزين هذا هو ديدنه – يا سادة - إذا شعر بأكسيد القسوة يتسرب إلى قلبه ، لم يكن لي بد من إجابته بالموافقة ...
ركبت سيارته و قصدنا مستشفى النقاهة جنوب مدينة الرياض، و راح بدوره يحدثني عن مستشفى النقاهة هذا، و كيف أن هناك شاباً يدرس الدراسات العليا وهو الآن يحظر الدكتوراه و لا يتحرك فيه غير رأسه ، و في المقابل هناك شاب لا ينفك يدخن السيجارة وهو مستلقي على ظهره وقد انقطعت عنه حبال الرجاء بالشفاء ، إنها لمفارقة عجيبة حقاً ، ما إن انتهى من حديثه الشيق حتى توقفنا في مواقف المشفى ، و ما أثارني أن مجموعة من الشبيبة الخيرة قد سبقتنا إلى هناك قوامهم عشرة ، انضممنا إليهم ، و أخبرونا أنهم أعدوا برنامجاً ترفيهياً ثقافياً يريدون به الترويح عن نزلاء هذا المستشفى من المرضى..
دخلنا المستشفى وكان في استقبالنا أحد موظفيه ، رحب فأجزل ثم طلب منا أن نسير بهذا الاتجاه، و أشار إلى غرفة في أقصى المشفى مضاءة الأنوار، و قال هناك ستجدون المرضى في استقبالكم ، بدأنا المسير و تفاجئنا بكرسي كهربائي يتجه إلينا و بأقصى سرعة عليه مريض يترنح دون ثبات ، وقف عندنا و بدا كأنه يرحب انثنى إليه أحد الأخوة وقبل رأسه فانسابت دموع من عينيه، و بعد حشرجة طويلة قال إننا اليوم في عيدين الأول لأننا في رمضان و الأخر لأنكم زرتمونا ، كان لكلامه الوقع الأليم في نفوسنا، وحمدنا الله أكانت زيارتنا لهم بشرى يتباشرون بها ..
توقفنا عند الباب وطلب مني الأخوة أن أتقدم قبلهم ، دخلت فرأيت شباباً في عمر الورود على كراسي كهربائية و لا يتحرك فيهم غير رؤوسهم ، وبينهم شاب بدا أن إحدى يديه تتحرك و يحمل في حجره مسجلاً ، تقدم إلي و رحب ، انحنيت له وقبلت جبينه !!
أخوتي و أخواتي .. إن نوراً يشع من وجهه.. حسناً حسناً!!لكم أن تقولوا مبالغة ، ولكني أقسم أن شيء غريبا يتوهج من وجهه ولكل كلمة يقولها أثر حتى و هو يسلم ،بعد السلام توزعنا على كراسي قد أعدها لنا القائمين على المستشفى ، و شعرت حينها بانفصال غريب عن المكان و الزمان ، شعرت بذلك الشعور الغريب الذي ينتابنا لما نشاهد موقفاً مؤثراً ، فلم أعد أسمع أصوات الحاضرين ، و لا أسمع إلا صوتاً مجلجلاً من داخلي نفسي ، أتأمل وجوههم و أبتسم لهم و لكني لا أميز نظراتهم أو أهتدي لإشاراتهم ، كنت أقول / يالله كم نحن في غفلة عن هؤلاء ، فأنا لسنوات عدة لم أزرهم و لا أدري حالهم ، إنهم بشر مثلنا يحلمون كما نحلم ، يؤملون كما نأمل ، فلما كل هذه الأنانية التي تخيم على قلوبنا ..
وأنا في هذا الحال حتى نغزني صاحبي الذي بجانبي ، قائلاً / هيه!! جاء دورك أجب على السؤال ؟!!
تلعثمت ثم قلت / عفواً هلا أعدتم السؤال إذ لم أنتبه له ؟!
ضحك الجميع من هيأتي ، ثم تنحنح الشاب – الذي أخبرتكم عنه قبل قليل – وقال / ما اسمك ؟ فلم يبق أحد أخبرنا باسمه غيرك !
أجبته على الفور / أنا بندر ..
بدأ الحفل الذي أعده الشباب – بوركوا – ، وكانت هناك فقرة تفاعلية ، نسيت طريقتها تماماً ،ولكن المثير في الأمر هو الانبساط و الفرح الشديد بهذه اللعبة، إنهم يا سادة ليضحكون حتى ليخيل لمن يراهم أنهم من أشد الناس سعادة، وفي الحقيقة هم كذلك ، لأن الإعاقة الحقيقة هي إعاقة الروح ، أما إعاقة الجسد فلا أثر لها مادمت الروح سليمة بالله متصلة، و سلامة الجسد مع إعاقة الروح ببعدها عن الله لهي الإعاقة التي تستحق أن يفتح لها دور للنقاهة!!
وبعد انتهاء فقرات الحفل ، طلب مقدم الحفل من قاطني المستشفى أن يشاركوا بفقرة ، بدأت المفاوضات بينهم ، وكانت مثيرة و مضحكة ، ثم انتدبوا بالاتفاق ، ذلك الشاب و اسمه ( خالد ) للحديث /
حمد الله و أثنى عليه ، و رحب بمقدمنا ، ثم قال كلمت جزيلة ، لم تترك دمعة واحدة في محجرها، قال أتعملون أعظم أماني هو أن أكون مثلكم ، نعم أريد أن أسير على قدمي و أرفع يدي إلى السماء ، و أتمايل بخصري يميناً و شمالاً ، لا لأني أشعر بالنقص و الأسف على هذه الحال ، و لكني أريد كل هذه النعم لأقف منتصباً أمام الله في الصلاة ثم أخر له ساجداً ، ياه! مضى عشرون عاماً و أنا لم أضع جبهتي على الأرض، كل ما أسطعه هو التمايل على هذا الكرسي ، أريد أن أشكره على نعمه التي لا تحص ، فالله تعالى أنعم علينا فها هي رؤوسنا تتحرك و نستطيع التحدث و السماع و الذوق ، ولكن انظروا إلى حال إخواننا في الأعلى ، إنهم لا يستطيعون الحديث و لا الفهم ، يقضي أحدهم عشرات السنين على ظهره ، و الممرضون يقلبونه على جنبيه لألا يدب الدود في جسده الميت !!
كان موقفاً مؤثراً و حديثاً محزناً ، لم يجلس أحد من الحضور إلا وبكى له ، إنكن تقرؤون هذه الأحرف و تشعرون بالأسى أليس كذلك ، فكيف بكم إذا رأيتم هذا الشاب و هو يتحدث ، وبنبرة صوت محزنة !!
يا سادة و يا سيدات .. احمدوا الله على نعمة الصحة فهي و الله غالية لا يعدلها ثمن ، و اشكروا الله عليها بالفعل و القول ، ولن تعرفوا قدر العافية إلا إذا رأيتم من يفقدها ، فزوروا المستشفيات و صدقوني ستتغير الكثير من أخلاقكم ...[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
تعليق