أبجديات الكتابه
حينما يمسك الكاتب بيراعه ليخط به ما يشاء ، قد يقف حائرا أمام توارد الأفكار وتهافت الكلمات
فلا يدري من أين يبدأ وبماذا يبدأ، فترتيب الأفكار وانتقاء الكلمات ليس أمرا سهلا، لأن الكاتب في النهاية يعرض عقله على الناس ، بإختلاف درجاتهم المعرفيه وتعدد مشاربهم وتنوع ثقافاتهم ، والقلم
في النهاية مترجم عن فكر حامله ، ومن هنا كانت الكتابة حرفة لا يتقنها كل حامل قلم .
وهذا ما دفعني لأكتب عن هذا الموضوع ، الذي أحاول فيه إيضاح بعض الأساسيات التي لا غنى للكاتب
عنها ، خاصة بعد تسور الكثير من الناس إلى ميدان الكتابه ، دون أدنى علم بأبجديات هذا الفن .
قبل أن أدلف إلى صلب الموضوع أأكد على أنني لا أصادر بعض التجارب والمحاولات
ممن لا يجد سبيلا للتعبير عما في نفسه إلا بالكتابة ... لا إنما قصدت أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى ما لا
يسع الكاتب جهله مما يتعلق بفكر الكاتب وأسلوبه ،،
سيكون حديثي لكم من خلال عنصرين .
العنصر الاول ما يتعلق بالخلفية الثقافية للكاتب ، إذ أن من المعلوم أنه لا غنى للكاتب عن القراءة والمطالعة
والتعلم ، وهو أمر لا يجهله كل من له صلة بالكتابة والبحث
لأن ثقافة الكاتب ووعيه وسعة إطلاعه هي الأمور التي تمثل القيمة الحقيقيه له ككاتب ، فلا يتصور وجود
كاتب مبدع وناجح دون أن تكون له ثقافة واسعه ووعي جيد ، وهذا هو المحك الرئيس في هذه القضيه ،
فكل أحد يستطيع أن يكتب ، لكن ليست كل الكتابات تحمل قيمة متميزه ، لأن الثقافة الضحله لا تصنع
فكرا ولا إبداعا .
فمن أراد أن يخوض هذا المضمارفعليه أن يسلح نفسه بالقراءة والمطالعة المستمره ، والبحث الدؤب
وبشكل يومي ، حتى تتوسع مداركه ، ويكون فكره ناضجا وذهنه متوقدا وقلمه سيالا
لأن من لا صلة له بالقراءة والتعلم هو والجاهل سيان ، كما قال أحد المفكرين ( ما الفرق بين رجل أمي لا
يقرأ ولا يكتب ، ورجل يجيد القراءة والكتابة ولكنه منذ سبع سنوات لم يقرأ كتابا واحدا ولم يكتب شيئا من
فكره ) الجواب لا فرق .
وفي هذا الشأن أحب أن أعرج على قضية مهمة للغايه ، وهي كيف تستطيع بأسهل الطرق أن تجني ثمار
المطالعة ، وكيف تصل إلى ما تنشد في هذا الجانب بيسر وسهولة ؟
الجواب يتمثل في كلمة واحده وهي التخصص .. نعم التخصص .
فهو كما قيل طريق الإبداع... إقرأ في تخصص معين ، وأحرص على ما يوافق ميولك ورغبتك ..إجتهد في
تلمس الجوانب التي ترى أنك ستبدع فيها .. فقد يكون في داخلك طاقة إبداعيه أنت لا تدري عنها ... أوأنك
تدري عنها ولكنك أهملتها .. إقرأ في تخصصك أكثر ، ولا تهمل غيره من الموارد العلمية والأدبيه
فالتخصص هو كما يقال ( أن تعرف كل شئ عن شئ ، وتعرف شيئا عن كل شئ) وهذا إلى حد ما .
أما العنصر الثاني فهو الأسلوب الذي يعرض به الكاتب أفكاره وأطروحاته ..
بأي صورة سيخرج المفكر والعالم والأديب نصه ، فالثقافة والعلم والفكر وحدها لا تكفي لإخراج نص جيد فالفكرة تحتاج إلى صياغة جميلة متماسكة ومترابطة ، توصل المعلومة بأحسن وجه وأكمل بيان وألطف
عبارة ، فكم من أفكار ضلت حبيسة أصحابها ولم ترى النور لأن أصحابها لايملكون الطريقة لإيصالها.
وهذه الصياغة هي علم الآلة والمهارات المكتسبه و المواهب الشخصيه للكاتب نفسه ، فعلم الآلة كالنحو
والبلاغة وغيرها ، والمهارات المكتسبة هي البراعة التي يجدها الكاتب مع كثرة ممارسة الكتابه كإبتكار
أساليب جديدة ونحوها ، أما المواهب الشخصيه فهي التي تحدد تميز الكاتب المبدع عن الكاتب العادي كتوقيع الكاتب، وهو نفسه وأسلوبه الخاص في الكتابه ، بحيث إذا قرأت نصا تعرف أنه لفلان دون غيره
ولو لم تقرأ إسم كاتبه ، هذا مع مراعاة تسلسل الأفكار وتماسك النص ..
فرب كتاب أو مقال لا يحمل قيمة علمية أو فكرية بالغه ، ولكنك لا تمل قراءته لبراعة الأسلوب الذي كتب به
فالنص الحي هو الذي تقرأه للمرة العاشره وكأنك تقرأه لأول مره.
وأجل مثال على هذا هو كلام رب العزة قال تعالى ( كتاب أحكمت آيآته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)
وقال الشاعر في وصف القرآن الكريم
وخير جليس لايمل حديثه ........... وترداده يزداد فيه تجملا
وأما بالنسبة لأصحاب الكتابه فإني لم أقرأ في كتب المعاصرين أفضل كتابة وأجمل أسلوبا من الأديب الفقيه علي الطنطاوي رحمه الله الذي كان يكتب بأسلوب لا تكاد تجد مثله... يأخذك بكتابته إلى عالم آخر
عالم مليئ بالحلم والحقيقه... عالم عجيب ترى فيه كل شئ ، وتشعر فيه بالحدث وتعايش فيه الوقائع ...
كان يجيد التنقل بين السطور بخفة وبراعة ..
وقد كنت أقرأ له الساعات الطوال دون توقف أو ملل ..
ولا أنسى كذلك اللغوي الكبير الذي يعد من أساطين اللغة في العصر الحديث محمود محمد شاكر رحمه الله الذي كان يستطيع أن يجعلك تنفجر ضاحكا بجملة واحده وتنفجر باكيا بجملة أخرى، وكان ينتقي الكلمات
كما ينتقي أطايب الثمر ، ومن قرأكتابية ( رسالة إلى ثقافتنا الذي أصبح مقدمة لكتابة القيم المتنبي، و أباطيل وأسمار ) علم ذلك جيدا ، وأنا إنما ذكرت هؤلاء فقط كمثال وإلا المبدعون كثر مثل طه حسين
ومصطفى الرافعي وغيرهم من المعاصرين والمتقدمين، وعالميا كشكسبير وأغاثا كريستي وهيمنجواي
وتولستوي ولويس جارسيا وبرنارد شو وهذا له كتاب أسمه محمد يذكر فيه عظمة نبينا صلى الله عليه وسلم
ولكن الله لم يكتب له الإسلام ، ومع ذلك فهو يعد من المنصفين ، كمايل هارت وكتابه المئة الأوائل و الذي
جعل أول وأعظم شخصيه في التاريخ هو نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومن المفكرين نذكر جان جاك روسو
وفولتير وغيرهم مع تحفظي على الكثير من أفكارهم وخاصة الأثنين الأخيرين .
هذه بإختصار شديد هي أبجديات الكتابه ، فإذا توفرت للكاتب لم يبق له إلى أن يتقي الله جل وعلا فيما
يكتب ، ويعلم أنه مسؤول أمام الله عن كل ما خطت يمينه .
وما من كاتب إلا سيفنى ............... وبيقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شئ............... يسرك في القيامة أن تراه
الموضوع إنتهى ، وأنا أرحب بكل مقترحاتكم وانتقاداتكم ، وأنتظر بكل شوق مشاركاتكم
ولكم مني أصدق التحايا ....
التعديل الأخير تم بواسطة أبو فايز ; 20 / 08 / 2008 الساعة 36 : 10 PM
|