العودة   منتديات بوابة جاش > المنتديات العامه > العــــــــــــام
   
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : [1]  
قديم 03 / 05 / 2007, 58 : 01 PM
أبو ياسر
 


Lightbulb يا للإنسان !!




بقلم / د.سلمان بن فهد العودة


لم يكن الناس قبل الإسلام يصفون الإنسان أو يعرفونه بإنسانيته، فكل قيمته هي في نسبه، أو أهله، أو شجاعته، أو أي وصف يعرفونه به، ولما جاء الإسلام كان عجيباً أن يتحدث القرآن "هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا"[الإنسان:1].


ولأول مرة في تاريخ البشرية يسمع الإنسان عن نفسه، ولأول مرة يتحدث عنه خطاب مبين بهذا الشكل على أنه إنسان فقط، فمجرد الإنسانية كافية لتوجيه خطاب رباني مبين؛ لتحميله المسؤولية، ومطالبته بحماية نفسه من أدوائها وأمراضها وظلمها، يقول الله سبحانه وتعالى: "فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ"[التوبة:36]، والقرآن في سورة (الإنسان) يتحدث عن تاريخ الإنسان، ليس تاريخاً لأمة ولا لشعب ولا لدولة، بل لميلاد هذا الكائن الحي، يقول الله سبحانه: "هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا".


لقد تحدث القرآن عن "الإنسان" وعن "الناس" وعن "بني آدم" بخطاب عظيم يصف به تكريمه لآدم أبي البشر: "إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ"، وتكريمه لبنيه: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً"[الإسراء:70], وشكله: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ"[التين:4], وعن أحاسيسه: "إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ"، ويتحدث عن طبعه: "إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ"[إبراهيم:34]، وأخيراً .. عن مصيره, وعلاقته بربه, ودينه: "إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ".


لقد جاء الإسلام ديناً جديداً متجدداً نشطاً متأججاً، وهو يحمل مبدأ ومدونات واضحة لحقوق الإنسان؛ حقوق الرعية والراعي، وحقوق الصغير والكبير، وحقوق العالم والمتعلم، وحقوق المرأة والطفل والمراهق، وحقوق العامل والأجير، ولما انبثق هذا الدين، وصرح بالحق ونادى به؛ صادف أمماً قد تآكلت فيها هذه الحقوق، وتم الاعتداء عليها، وسحقها، فوجد الناس كلهم في الإسلام إنقاذاً لهم، وخروجاً بهم من القرار العميق الذي يعيشون فيه، ولما جاء الفتح الإسلامي وانساح بسرعة، وامتد إلى شرق الأرض وغربها، استقبله الناس بقلوبهم وأرواحهم وعقولهم، وتحمست الأمم المفتوحة للإسلام، ومرد ذلك كله إلى وجود الخصائص والمنظومات التي تحفظ حقوق الناس وترعاها حق رعايتها.


لقد تحدث الإسلام عن حق الله على عباده، وحق العباد على الله، ويا للعجب! يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: « يَا مُعَاذُ ، هَلْ تَدْرِى حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ » . قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ: « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِه شَيْئاً ، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ». وفقهاء الإسلام يتحدثون عن حقوق الله، وحقوق المخلوقين، وكثيراً ما كانوا يقولون إن حقوق الله مبنية على المسامحة، وحقوق المخلوقين مبنية على المشاحّة.


إن نظرية "الحقوق" في الإسلام نظرية روحية؛ تجعل العبد مسئولاً مسئولية مباشرة أمام الله عز وجل، وليس أمام القانون، ويجعل من حقوق الناس مجالاً لرفعة العبد عند الله أو نزول منزلته، ومجالاً لدخول الجنة والنار؛ بل وتحدث الإسلام عن ذلك العابد التقي الذي لا يحفظ حقوق الناس بأنه لم يعمل شيئاً، وأهدر عبادته ليصبح (مفلساً)، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه- يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ » . قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ . فَقَالَ: « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ »، وفي الصحيحين: « إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً » وحسن الخلق حفظ لحقوق الناس وأعراضهم.


لقد علمنا الإسلام أن نقدّر حقوق الآخرين بما نستحق من حقوق، فالإنسان يعرف حقوق نفسه، ولكنه قد يغالط في حقوق الآخرين، فجاء النص النبوي بجلاء تام؛ ليوضح هذا المعنى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » رواه البخاري ومسلم ، وقال-كما في صحيح مسلم: « وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ »، وبهذا المستوى يرفع الإسلام أتباعه عن أن يكونوا أنانيين متمحورين حول ذواتهم, لا يراعون إلا حقوقهم، ولا ينظرون إلى حقوق الآخرين عليهم.


ولقد جاء الإسلام بمعنى مستقل لا يوجد في الأنظمة الحقوقية : لقد طرح معنى (ظلم النفس) فالإسلام يحمي الإنسان من عقوقه هو, وظلمه لنفسه "وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ"[النساء:110]، "وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"[النحل:118]، فنهى أن يكلف العبد نفسه ما لا يطيق: « اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ » كما هو ثابت في الصحيح.ثم جعل الإسلام من الإنسان نفسه رقيباً لأداء هذه الحقوق أو تضييعها، ومع ذلك وضع أطراً قانونية في الشريعة الإسلامية لحماية هذه الحقوق، وأنشأ مفهوماً جاداً للأخلاق البينية؛ يحمل مادة واسعة ضخمة لحفظ حقوق الناس فيما بينهم، وثمت مدونة في حقوق المرأة, وأخرى في حقوق الزوجية، وحقوق الراعي والرعية، وحقوق الآباء والأبناء، وحقوق العامل وصاحب العمل.. تتوزع في حقوق اجتماعية وفكرية وسياسية واقتصادية وغيرها.


إن الثقافة العامة للعلاقة الاجتماعية في بيئتنا تشجع على تجاوز الحقوق وطمرها، فكل أحد يحاول بطبيعته أن ينتهك هذه الحقوق من موقعه الخاص وتوسيع سلطته، ولذلك يقول ابن دقيق العيد -رحمه الله-: "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان: العلماء والأمراء". إشارة إلى قضية الاعتداء على حقوق الإنسان من قبل السلطة السياسية والدينية أو الثقافية؛ بالحرمان والظلم السياسي والثقافي والديني، ولأجل مكافحة هذا الظلم فرض الإسلام قيوداً أخلاقية واضحة؛ لحفظ حق الإنسان في العيش بكرامة، وحرية القول والعمل والتدين، يقول الله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ"[البقرة:256]، ومن أعظم بيانات الحقوق التي عرفها الإنسان، هذا البيان العظيم، يقول المولى سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"[الحجرات:11-12].
رد مع اقتباس
قديم 03 / 05 / 2007, 08 : 08 PM   رقم المشاركة : [2]
زائر الليل
*!* كاتب مميز *!*

 الصورة الرمزية زائر الليل
 




زائر الليل will become famous soon enoughزائر الليل will become famous soon enough

افتراضي

مقال عميق لا يحتاج لتعليق .....................
نقل موفق أخي مجمع البحرين
زائر الليل غير متصل  
قديم 04 / 05 / 2007, 35 : 03 AM   رقم المشاركة : [3]
أبو فـلاح
Hassan
المشرف العام

 الصورة الرمزية أبو فـلاح
 






أبو فـلاح has a spectacular aura aboutأبو فـلاح has a spectacular aura about

إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو فـلاح

افتراضي

ما أروع هذا الدين الذي يكرم الإنسان في جل مبادئه .
ويتشدقون بحقوق الإنسان وقوانينها وكأنها من إكتشافاتهم على الرغم أن ديننا كفلها كما أنزلت من رب العباد ..

بارك الله في كاتب هذا المقال وناقله ...
توقيع أبو فـلاح
 
إذا سكت المثقف فقد بدأ رحلة الموت وهو على قيد الحياة
وحين يفقد البلد أنفاس المثقفين فإنه يختنق,ويذبل,
ويعيش حياة تشبه حياة الموتى




أبو فـلاح غير متصل  
قديم 04 / 05 / 2007, 47 : 06 AM   رقم المشاركة : [4]
طالب الجنان
*!*عضو شرف*!*
 





طالب الجنان will become famous soon enoughطالب الجنان will become famous soon enough

افتراضي

قال عمربن الخطاب - رضي الله عنه - : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، فإذا ابتغينا العزة بغيره ، أذلنا الله .
بارك الله فيك أخي مجمع البحرين على النقل الموفق ..... وأرجو من الله أن
يجزي كاتبه الجزاء الأوفر أنه سميع مجيب .
توقيع طالب الجنان
 
طالب الجنان غير متصل  
قديم 09 / 05 / 2007, 53 : 03 AM   رقم المشاركة : [5]
أبو ياسر
 


افتراضي

زائر الليل - جاش.نت - طالب الجنان
أشكركم على المرور و التعليق ...
  رد مع اقتباس
قديم 09 / 05 / 2007, 13 : 11 AM   رقم المشاركة : [6]
سلطان آل حيدان
*!* عضو فخري *!*

 الصورة الرمزية سلطان آل حيدان
 





سلطان آل حيدان will become famous soon enoughسلطان آل حيدان will become famous soon enough

إرسال رسالة عبر MSN إلى سلطان آل حيدان

افتراضي

أخوي مجمع البحرين
أشكرك على نقلك هذا الموضوع الدسم
الذي يدل على كاتبه الغني عن التعريف
هذا الشيخ أحبه في الله
وأنا أحفظ له مقاله لن أنساها عندما يقول
_= ليس في الحياة شئ مضمون إلا ما يتعلق بتقوى الله
فإذا أوى الإنسان إلى ركن شديد من الإيمان بالله اكتسب
قوة غير عادية في مواجهة صعوبات الحياة =
توقيع سلطان آل حيدان
 
حقوق النشر محفوظه لـ آل حيـ سلطان ـدان 2011
أبعد عضو عن المملكة العربية السعودية

إن أصحاب الهمم العالية إذا هبطوا الجبل من جانب حاول الصعود من الجانب الآخر
لأنهم لا يطيقون البقاء في الحضيض بل يبتغون المعالي أبدا

LIFE'S SHORT. If you don't look around once in a while you might miss it
سلطان آل حيدان غير متصل  
قديم 14 / 06 / 2007, 21 : 11 AM   رقم المشاركة : [7]
أبو ياسر
 


افتراضي

العفو أخي العزيز/ سفير الحزن
مرور كريم لا حرمناه .. و كما قلت فالشيخ سلمان العودة عالم محنك جمعت فيه أوصاف كثر نفع الله به و وفقنا و إياه للزوم الحق و إتباعه ...
  رد مع اقتباس
   
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 37 : 03 PM.


جميع المشاركات ملك لكاتبيها
 
مجموعة ترايدنت العربية