[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]في زمن اكتسحت فيه الأنانية ساح الأخلاق النبيلة، وأغارت المادية بخيلها و رجلها على الفضائل المرضية، حتى كان الحديث عن التضحية بالمال و النفس، و الكرم في المحل و الجانب ، و الصدق في الحال و المقال ، مسوقة تحت بابة السذاجة و البله ، فأضحت الإنسانية المعاصرة معان ممسوخة، لا منطق لها غير الدرهم والدينار و إن صرفت لحيازته الكرامة و الذمار، و اشتعل الكذب في حصير الحقيقة ففاق المخبرون بزيفهم الكهنة، فمليون كذبة بربع حقيقة و ليتها تسلم! و ليتها تسلم! ، أما البطولة فكغيرها من الأخلاق المصابة بالتوحد ، فلا أحد يفهمها ، فركوب قطار الموت في مدينة الألعاب أصبح بطولة، ورفع المسجل بالغناء عند الإشارة بطولة ، و الرجل الضارب زوجته بطل ، ولاعب الكرة بطل، و الممثلين و الممثلات أبطال ، كل شيء ساقط يمكن أن يكون بطولة!!
و أخلاق الثعالب المكره، تدرس في أعرق جامعات العالم اليوم ، فإذا أردت أن تكون متمدناً لا بد أن تغير مشيتك و تتأكد أنك تسير بثقة، و أن ملامح وجهك تساير أجواء الجلسة، فإن هُمس بنكته فجلجل بضحكة، وتأكد أن يدك اليمنى على ركبتك اليسرى ، و اليد اليسرى على ذقنك المحلوق جيداً،هل قلت لن أهز رأسي!! ، إذاً لست أتكيتي، لابد أن تحرك رأسك يا هذا! و مع انتهاء كل جملة ، و الحمحمة احذر أن تنسها و بمرور الوقت ستكون حصان –بعون الله-!!، كل هذا لتكسب ثقة الناس!!، وما علموا أنهم صنعوا رجالاً آليين لا يملكون ذرة من شعور ، و الحالقة عندما يعلمونهم طرائق كسب العملاء، حتى ولو كان على حساب إقناعهم بشراء منتج رخيص كأخلاق باعته ، ويكرسون في أذهان الناس أن الإنسان يستطيع أن يصنع من نفسه عظيماً دون أن يكون له قدوة ، و هذه مغالطة كبرى في تاريخ الإنسان !!
لتتشكل في الأفق غمة سوداء قاتمة ، ملأت مصاب عظيم وخطب ، ألا وهو أزمة القدوة!! ، ليكون حديث المصلحين و الوعاظ على منابر التذكرة و الإرشاد عن قدوات لفتهم القبور ، و عظماء أسدلت عليهم ستر الأيام، أما المبرزين بيننا و من تحلو بصفات القدوات فلا أحد يعرفهم ، و إن عرفوا فبعد عناء و كرب ، لما لأن حاستي السمع و البصر استولى عليهما إعلام تديره طغمة مادية ، لا تمدح إلا من يلوح له بالجزرة و تحجم عن من يهز لها العصا ،و أهل الأخلاق و القيم لا يجنى من وراء إظهارهم مالاً! ، لنحتكم لتأريخ و لنأخذ مثلاً الصحافة من خمس سنوات ماضية إلى اليوم، بربكم ! كم من نبيل تحدثت عنه ؟، ثم قارن هذا العدد بعدد التافهين والتافهات الذين تظهرهم الصحافة في لبوس المنجزين فتشرأب لهم أعناق طلائع الجيل الجديد ، أمثال لا عبي الكرة و الفنانين و الفنانات والمغنين و المغنيات، تلك لعمري قسمة ضيزى!! ، و ليت الأمر يتوقف عند سفهائنا لتنقل لنا الصحف اليومية أخبار عاهرات الغرب و الشرق ومغامراتهم الجنسية في البارات و الملاهي وكأن الذي يقرأ هو ستيفن من نيويورك و بول من واشنطن وصوفيا من لشبونة، ما علموا أن القراء هم عبد الله من الرياض و ناصر من جدة و مزنة من أبها ، اصدقوني! كم مرة تحدثوا عن العاهرة باريس هلتون و يعرفونها بفتاة المجتمع الأمريكي ، ما دخلنا بأمريكا !!
و البريطاني الأخرق هاري، كيف أن حبيبته انفصلت عنه ثم عادت إليه ، في صفاقة من رؤساء التحرير وبرودة ضمير لا نظير لها!
إن خزانة العرب تزخر بمبادئ سامقة و أعراف نبيلة ، لا مثيل لها في ثقافات الشعوب قاطبة، فكم في دواوين المؤرخين من قصص وضاءة، وملا حم بالصفاء رقراقة ، وسمها عظماء العربية على جبين التاريخ ، فعز الزمان وإن تطاول أن يلد أمثالهم ، إنهم رجال تتمنى الأمم أن لو كانوا جزءاً من ثقافتهم ، بل لو عبروا مجرد عبور على صفحات تاريخهم ، إذن لصموا أذان البسيطة و أعموا أعينهم بأفلام درامية تنفق عليها مليارات الدراهم، و جيشوا الطاقات الإخراجية و الفنية بأدق التفصيلات، ليصنعوا من سير هؤلاء معان ينعشون بها أنفس مجتمعاتهم المنخنقة بالماديات النكدة، وفي المقابل يشعر من يقرأ و يشاهد هذه الأعمال أن هذا شعب يستحق الاحترام .
ولما كانت سنة الحياة أن كل فراغ لابد أن يملأ ، فقد ملأت شبكات الغرب التلفزيونية و الإذاعية سماء شبابنا وأطفالنا بقدوات وهميين ، كسبايدر مان و سوبر مان و بات مان ، أسماء أعجمية صفقه ، و كأن تاريخنا خلو من الأبطال ،فأينكم ياعرب من سيرة عنترة البطولة و الإباء ، و خبر حاتم الكرم و السخاء ، و حكاية خالد الحنكة والفداء، حدثونا عن صلاح الدين و الدنيا ، و عمر بن عبد العزيز الأغر الأزكى ، أخرجوهم بربكم لنشئ متعطش للبطولات و الأنفس الكريمات ، أنا لا أريد ابني أن يبكي إذا رأى زي سبايدر مان أو سوبر مان إرادة شرائه ، أريده أن يعتز بنفسه وتاريخه!
يا رؤساء التحرير ، و يا مذيعي البرامج ، ويتجار الفضاء العربي ، أما فيكم رجل رشيد !
إننا أصبحنا نرى في شوارع مكة و المدينة و الرياض مسوخاَ بشرية لا هي بالعربية و لا هي بالغربية و السبب هو أنتم لوكنتم تعقلون!!
فلك الله أيتها الأخلاق!![/align][/cell][/table1][/align]
تعليق