الحلقة الأولى:البدايه
هي ليلة كسائر الليالي
توشح قمرها ببعض السحاب العابر
فنحن في نهايات الخريف
والتي تحلو فيها ليالي السمر
وهاهو القمر !
مكتملا يطل ما استطاع علينا بجبينه البدر
في لحظات تعطرها ترانيم النسائم والاحاديث الماتعه
جمعنا الهروب من زحمة المدينه
وضوضاء العامه
فمدينة الرياض اصبحت لا تطاق
فكأن جميع الطرق تؤدي الى خارجها
جمعنا الطريق في تلك الليله وتوجه بنا الى هجرة السيباني*
وبالتحديد للدكتور ابومنصور في استراحته
"عرفت الدكتور ابومنصور منذ لقائنا الأول
بحساسيته تجاه النفاق الاجتماعي وكركتراته
فقلما نجد في مجلسه احدهم
الا وقد قوض عليه طموحه والجم سوط لسانه
لايكاد مجلسه ينفك عن كل حديث مفيد
لمن اراد ان يستزيد او يزيد"
......
دخلنا الاستراحه التي جمعت الكثير من الثقافات
فعن يساري مجلس بني بالطوب القديم
وفرش بزل من الشعر
ورصف بالطين والقش
وسقف بأعمدة من الاثل
وزين ببعض السرج والمشكاوات التي تحتضن قناديلا عتيقه
وهناك جلسة مرتفعه على اليمين يفصل بينها وبين مجلس الطين جسر خشبي مقوس مرصوف بالألواح
يذكرني بالجسور الاوروبيه من فوق الجداول
يؤدي هذا الجسر الى باحة مرصوفة بالحجاره
تطل على منخفض على مد البصر
زرع كليا بالقمح والذرة
وسلطت عليه اضواء خافته تستطيع من ضوئها ملاحظة تمايل السنابل مع الريح ذهابا وعوده
وكأنها تتابع الماره!
حاصر هذا الباحه مجارٍ للمياه ..وكوخ على طريقة الكاوبوي بأدق التفاصيل
من مدخله وبهوه وحتى مرابط الخيل خارجه
تناول كل منا مقعده المغزول بالخصف.. والمحكمة اطرافه بالحبال المفتولة يدويا من ليف النخل
مستمتعا بمنظر الخضر...
وخرير المياه...
ولمسات النسائم المخمليه
المحملة برائحة النبات المنعشه
..
قال د ابومنصور
لقد اخذت من كل ثقافة قدرا ما استطعت
فأنا رجل كثير السفر
وقد اهتممت بالتفاصيل الدقيقه!
حتى هذه الصخور البحريه" مشيرا الى مجرى الماء" جلبتها من سواحل الشرقيه
كان هذا مستهل الأحاديث
..
في الليلة السابقه
كنا قد
حضرنا زواجا لأحد شباب القبيله والذي تميز بحصوله على شهادة الطب بتفوق!!
فكان الحديث بديهيا عنه
و كما جرت العاده
كان الحديث ذو شجون
..
فقد اخذنا من دون وجهه!
فعايشنا به عصورا وأزمنه
فالفينا على مائدته شخوصا وأحداثا شتى..
...
وفي تلك الأثناء ..
كانت أبواب مهرجان ام رقيبه قد فتحت على مصارعها
وقد بدأت الأمه كلها تقريبا بالزحف تواليا
معطلة التزاماتها ,ومؤجلة مشاريعها
وتصدرت أسماء الابل!
كل الأحاديث
وإكتسحت ماسواها..
وهرعت وسائل الأعلام ...والقنوات ..والصحافة.. حتى شركات الاتصالات..
انتشرت سياراتها هناك
لتغطية الحدث !!
وخلق سوق من العدم
واكتض البر الواسع بالباعه .والهواة .والمرتزقه , و الشعراء
وحتى مروجوا المخدرات واللصوص..!!
وجدوا مرتعا لهم
فكأن المطل من علي يحسبها أرض المحشر!
...
ها قد
تنفست المدن الصعداء بالفعل
واصبحت الحياة فيها رشيقه شابه
..
كان أول الارهاصات
تساؤل د .ابومنصور
.
"من المحزن ان يغمر فلان وأمثاله بهكذا اهتمامات!
وهم السواعد الحقيقيه التي تبني البلد
ونعول عليها أن تخرج الأمه من عباءة الجهل والرجعيه
قالها "يائسا"
فجذبت خيطا رفيعا للحوار
قائلا:
لو تحولت رؤوس الأموال من دعم الحيوان
الى دعم الإنسان
كثقافة بديله
لتهاوت هكذا صرح!
فشاطرنا الموجودين الحديث ومنهم الصديق
نايف على نفس النسق والإتجاه.
فحكنا نسيجا فاخرا
تزين بألوان الطيف وبستان من الزهور
فكانت أول باقة قدمها الدكتور ابومنصور
بقوله:
"انا مستعد لدعم اي مشروع
يسلط الضوء على العلم ودعاته"
فكانت حجر الأساس!
..
حملت انا والصديق نايف زمام الأمر
وكأننا نتغنى بقول الشاعر:
اذا كنت ذو رأي فكن ذو عزيمة..... فإن فساد الرأي أن تترددا
.
.
فتقاسمنا الحلم الصغير على الورق بخبراتنا البسيطه
فتارة نتفق ,وتارة نختلف, وتارة نتوه عن بعض,
فلا نهتدي الا بالعودة الى المربع الأول
وكان اول قرار!
ان يوقد المشعل في منارة بوابة جاش
الخيمة التي اضلت الجميع تحتها
فجميع اطيافهم واختلاف شرائحهم وتوجهاتهم وطموحاتهم وتباعد أماكنهم
لهم موطأ قدم
فكأنني اشعر بأهازيجهم واحاديثهم
وكأنني في محفل حي..
فهذا يشاهد بشغف ,,وهذا يحاور بغلظه وذاك ينسحب ,وذاك باضع وهذا متبضع
فتجولت بين ظهرانيهم
حتى رأيت ان تكون البداية من المنتدى المحلي
فحللت بالرحال هناك
ونثرت الكنانة على استحياء وريبه
وكان هذا الأمر لما يقارب الاربع سنوات
__________________________________________________ _____
السيباني: هي هجرة المسارده في نجد لما يقارب الخمسين سنه وكانت بدايه بأربعة بيوت
ناصر بن جمل- راجح بن خربوش- قنيفذ بن فارس- رجا بن عسل..