أبو ياسر
06 / 08 / 2011, 16 : 01 AM
لمشاهدة مشاركات هذا القسم يجب ان تكون مشاركاتك 10 أو أعلي. عد مشاركاتك حالياً 0 .
أنشودة الوداع!!
إن من أقسى اللحظات التي تمر بالإنسان هي لحظات الوداع ، تقف أمامها تشعر أن قلبك مجهد ، حتى و إن لم تكن أنت المودع !
أذكر يوم كنت صغيراً بكيت للقطة من فيلم كرتوني من كان في عمري لابد و أنه يذكرها ، كان ذلكم ( نحول) وهو يمسك بيد أمه بعد أن بحث عنها في كل مكان ، ولما وجدها كان لقائه من أجل أن يودعها الوداع الأخير الذي لا يعقبه لقاء ، لا تؤاخذوني على هذا المثال و لكنه مشهد لم يزل عالق في مخيلتي ، لأن ما يحفر في الصغر لا يغير ، فاعتنوا بأطفالكم في صغرهم !!
أما إن كان من تودعه حبيب على قلبك أليف إلى روحك ، تنظر إلى عينيه و الدمع يترقرق فيهما و تسحب كلمات الوداع من قعر نفسك ، و بين تنهيدة و أخرى ترمي بها كلمات جامدة مأكولة الأحرف ، كأنك مريض بضيق التنفس يتحدث في ليلة باردة إلى المسعف في الطوارئ ، و أشد شيء علي عندما أتكلف ابتسامة على مدرج الرحيل ، أتكلفها لأمحو علامات الحزن من وجهي ، أقسم أنها أكذب ابتسامة أصنعها على الإطلاق ، ولكن – يا سادة – هذا وداع الأحياء للأحياء لا زلنا نرجي بعده لقاء فكيف بوداع الأمواتـ عندما ترى قريبك أو حبيبك مسجى برداء الموت على النعش أي كلمات تستطيع أن تعبر بها عندئذ!!
()نزل خبر موته علينا كالصاعقة ، فمثلنا مثل بدو في الصحراء بعد جلسة سمر على ضوء القمر قربوا وسائدهم وتهيئوا للنوم ، فجأة هبت عاصفة رملية هجمت على الخيام، فبعثرت الفرش و أسقطت الأعمدة ، و أضاعت الأنعام ، و لما جاء الصبح وجدوا كل شيء اختفى ، حاولت أن أتحامل على نفسي كان لابد أن أكون قوياً في هذا الموقف ، اتصلت بمصدر الخبر و طلبت أن يحدثني عن الأمر ، أجاب بتردد و قال : إن ابن عمك فهد انتقل إلى رحمة الله بحادث مروري ، أقفلت الجهاز ولما التفت إذ بأعين أبناء العم تحوم حولي من بينها عينا عمي – جبر الله مصابه - كلهم ينتظر الجواب ، أسمع دائماً من يقول أن باطن الأرض خير لي من ظاهرها ، تلك اللحظة عرفت صدق هذه العبارة ، ولكن لابد أن أجيب ،فمثلي ومثلهم كمثل من ينشر الذبيحة قبل ذبحها ، و نبينا أمرنا إذا ذبحنا أن نحسن الذبحة ، فقلت على الفور : لقد مات !! ، صعقت الأرواح وذرفت العيون ، قصدنا المدينة التي مات فيها ، كنت في الطريق أنبش سجل الذكريات و أقلب الصور التي جمعتني به ، كان يكبرني سناً و لتوه تعين في وظيفته ، و لم يمض على عقد قرانه إلا أيام ، كان المستقبل مفروش أمامه بالورود، ولكن تلك مشيئة الله و ليس لمشيئة الله رد ، توقفنا عند المستشفى الذي يضم جسده ، اقتربنا من المغسلة الملحقة بالمستشفى ، كان السكون يخيم على ممرات المغسلة ، فتشعر بالوحشة لأن الجثث تملأ المكان ، اقتربنا من المغسل فاستقبلنا بالتعازي ، و طلب منا ورقة تخص جثة فهد – رحمه الله - ، نظر المغسل إلى وجوهنا و قال من سيدخل معي للغسيل ، تقدم والدي و خال لفهد أرى الحزن يأخذ منه كل مأخذ ، أما أنا فكنت متردداً هل أدخل أم لا ، يا رباه! هل حقاً سأراه الآن ولكن بلا روح ، كانوا أسرع مني فدخلوا و أغلقوا الباب ورائهم ، عندها دارت بي الأرض ، و عشت لحظة من الزمن و الألم يسري في عروقي كمن مس تيار كهربائي ، كنت في شوق لرؤيته ولكني خائف أن أنهار و لا تحملني قدماي ، اتجهت ناحية الباب و فتحته بهدوء و كلما دفعت الباب بدا المشهد يظهر لي شيء فشيء ، حتى رأيته فلم أملك أن انسابت دمعة حارة على خدي ، اقتربت من جثته عليه رحمات الله ، لم يتغير فيه شيء ، مبسمه كما عهدته هو هو ، و وجهه تشعر و أنت تطالعه بأنه يحيك كما هي عادته عندما يلقاني ، هل حقاً هو ميت لا يشعر بنا الآن ، كان هذا السؤال يتردد في ذهني ، أمسك بيدي المغسل و هو يبتسم و يقول : انظر إلى سبابته إنها تشير بعلامة التوحيد ، انشرح صدري لما رأيت قبضته و قد ضم أصابعه و رفع سبابته إلى السماء ، إعلان التوحيد و حسن الختام – بإذن الله - ، راح المغسل يتحدث ولكن لم أعد أسمعه ، و أسمع والدي يجيبه و لكن والله لا أدري ماذا يقولون ، و أنا منتصب أمام جثته خرجت من دائرة الزمن ، صغرت الدنيا في عيني حتى كأني أنظر إليها من خرم إبره ، هل حقاً هذه النهاية ، هكذا دون سابق إنذار ، نذهب فكأننا ما قدمنا ، و أنا أنظر إلى عينيه تبدلت كثير من قنعاتي ، و تعلمت درساً لن أنساه ما حييت ، أستأذنكم في الختام فو الله لا أدري لماذا خضت غمار هذه الحادثة ورحت أصفها ، ولطالما تغافلت عنها و لم أذكرها و قد مضى عليها أكثر من عشر سنوات ، ولكن كيف أنساها وهي في رمضان ، فعندما يعلنون أن غداً رمضان كأنما يستثيرون جرح في صدري لم يندمل بعد، هكذا قضى الله فينا و لكننا لا نقول إلا ما يرضي الرب و يغيض الشيطان ( لا حول و لا قوة إلا بالله ، و إنا لله و إنا إليه راجعون، وحسبنا الله و نعم الوكيل )، يا رب أسألك أن تحسن ختامي و تتوب علي و تجمعني بفهد في جنات النعيم و لا تحرم اللهم قارئ هذه الكلمات الأجر و تجزيه خير الجزاء ، وأرجو من كل قارئ أن يرفع يديه بالدعاء لفهد وجميع موتانا و موتى المسلمين بأن يرحمهم و يغفر لهم خاصة من قرأ منكم في هذه الساعة التي يستجيب الله فيها دعاء عباده وهم والله بحاجة لدعائنا في هذا الحال الذي انقطع فيه العمل..وداعاً ولا أدري هل ترضون أن أكون على مائدتكم بعد أن أحزنتكم سنرى! لكم وافر التحية
أنشودة الوداع!!
إن من أقسى اللحظات التي تمر بالإنسان هي لحظات الوداع ، تقف أمامها تشعر أن قلبك مجهد ، حتى و إن لم تكن أنت المودع !
أذكر يوم كنت صغيراً بكيت للقطة من فيلم كرتوني من كان في عمري لابد و أنه يذكرها ، كان ذلكم ( نحول) وهو يمسك بيد أمه بعد أن بحث عنها في كل مكان ، ولما وجدها كان لقائه من أجل أن يودعها الوداع الأخير الذي لا يعقبه لقاء ، لا تؤاخذوني على هذا المثال و لكنه مشهد لم يزل عالق في مخيلتي ، لأن ما يحفر في الصغر لا يغير ، فاعتنوا بأطفالكم في صغرهم !!
أما إن كان من تودعه حبيب على قلبك أليف إلى روحك ، تنظر إلى عينيه و الدمع يترقرق فيهما و تسحب كلمات الوداع من قعر نفسك ، و بين تنهيدة و أخرى ترمي بها كلمات جامدة مأكولة الأحرف ، كأنك مريض بضيق التنفس يتحدث في ليلة باردة إلى المسعف في الطوارئ ، و أشد شيء علي عندما أتكلف ابتسامة على مدرج الرحيل ، أتكلفها لأمحو علامات الحزن من وجهي ، أقسم أنها أكذب ابتسامة أصنعها على الإطلاق ، ولكن – يا سادة – هذا وداع الأحياء للأحياء لا زلنا نرجي بعده لقاء فكيف بوداع الأمواتـ عندما ترى قريبك أو حبيبك مسجى برداء الموت على النعش أي كلمات تستطيع أن تعبر بها عندئذ!!
()نزل خبر موته علينا كالصاعقة ، فمثلنا مثل بدو في الصحراء بعد جلسة سمر على ضوء القمر قربوا وسائدهم وتهيئوا للنوم ، فجأة هبت عاصفة رملية هجمت على الخيام، فبعثرت الفرش و أسقطت الأعمدة ، و أضاعت الأنعام ، و لما جاء الصبح وجدوا كل شيء اختفى ، حاولت أن أتحامل على نفسي كان لابد أن أكون قوياً في هذا الموقف ، اتصلت بمصدر الخبر و طلبت أن يحدثني عن الأمر ، أجاب بتردد و قال : إن ابن عمك فهد انتقل إلى رحمة الله بحادث مروري ، أقفلت الجهاز ولما التفت إذ بأعين أبناء العم تحوم حولي من بينها عينا عمي – جبر الله مصابه - كلهم ينتظر الجواب ، أسمع دائماً من يقول أن باطن الأرض خير لي من ظاهرها ، تلك اللحظة عرفت صدق هذه العبارة ، ولكن لابد أن أجيب ،فمثلي ومثلهم كمثل من ينشر الذبيحة قبل ذبحها ، و نبينا أمرنا إذا ذبحنا أن نحسن الذبحة ، فقلت على الفور : لقد مات !! ، صعقت الأرواح وذرفت العيون ، قصدنا المدينة التي مات فيها ، كنت في الطريق أنبش سجل الذكريات و أقلب الصور التي جمعتني به ، كان يكبرني سناً و لتوه تعين في وظيفته ، و لم يمض على عقد قرانه إلا أيام ، كان المستقبل مفروش أمامه بالورود، ولكن تلك مشيئة الله و ليس لمشيئة الله رد ، توقفنا عند المستشفى الذي يضم جسده ، اقتربنا من المغسلة الملحقة بالمستشفى ، كان السكون يخيم على ممرات المغسلة ، فتشعر بالوحشة لأن الجثث تملأ المكان ، اقتربنا من المغسل فاستقبلنا بالتعازي ، و طلب منا ورقة تخص جثة فهد – رحمه الله - ، نظر المغسل إلى وجوهنا و قال من سيدخل معي للغسيل ، تقدم والدي و خال لفهد أرى الحزن يأخذ منه كل مأخذ ، أما أنا فكنت متردداً هل أدخل أم لا ، يا رباه! هل حقاً سأراه الآن ولكن بلا روح ، كانوا أسرع مني فدخلوا و أغلقوا الباب ورائهم ، عندها دارت بي الأرض ، و عشت لحظة من الزمن و الألم يسري في عروقي كمن مس تيار كهربائي ، كنت في شوق لرؤيته ولكني خائف أن أنهار و لا تحملني قدماي ، اتجهت ناحية الباب و فتحته بهدوء و كلما دفعت الباب بدا المشهد يظهر لي شيء فشيء ، حتى رأيته فلم أملك أن انسابت دمعة حارة على خدي ، اقتربت من جثته عليه رحمات الله ، لم يتغير فيه شيء ، مبسمه كما عهدته هو هو ، و وجهه تشعر و أنت تطالعه بأنه يحيك كما هي عادته عندما يلقاني ، هل حقاً هو ميت لا يشعر بنا الآن ، كان هذا السؤال يتردد في ذهني ، أمسك بيدي المغسل و هو يبتسم و يقول : انظر إلى سبابته إنها تشير بعلامة التوحيد ، انشرح صدري لما رأيت قبضته و قد ضم أصابعه و رفع سبابته إلى السماء ، إعلان التوحيد و حسن الختام – بإذن الله - ، راح المغسل يتحدث ولكن لم أعد أسمعه ، و أسمع والدي يجيبه و لكن والله لا أدري ماذا يقولون ، و أنا منتصب أمام جثته خرجت من دائرة الزمن ، صغرت الدنيا في عيني حتى كأني أنظر إليها من خرم إبره ، هل حقاً هذه النهاية ، هكذا دون سابق إنذار ، نذهب فكأننا ما قدمنا ، و أنا أنظر إلى عينيه تبدلت كثير من قنعاتي ، و تعلمت درساً لن أنساه ما حييت ، أستأذنكم في الختام فو الله لا أدري لماذا خضت غمار هذه الحادثة ورحت أصفها ، ولطالما تغافلت عنها و لم أذكرها و قد مضى عليها أكثر من عشر سنوات ، ولكن كيف أنساها وهي في رمضان ، فعندما يعلنون أن غداً رمضان كأنما يستثيرون جرح في صدري لم يندمل بعد، هكذا قضى الله فينا و لكننا لا نقول إلا ما يرضي الرب و يغيض الشيطان ( لا حول و لا قوة إلا بالله ، و إنا لله و إنا إليه راجعون، وحسبنا الله و نعم الوكيل )، يا رب أسألك أن تحسن ختامي و تتوب علي و تجمعني بفهد في جنات النعيم و لا تحرم اللهم قارئ هذه الكلمات الأجر و تجزيه خير الجزاء ، وأرجو من كل قارئ أن يرفع يديه بالدعاء لفهد وجميع موتانا و موتى المسلمين بأن يرحمهم و يغفر لهم خاصة من قرأ منكم في هذه الساعة التي يستجيب الله فيها دعاء عباده وهم والله بحاجة لدعائنا في هذا الحال الذي انقطع فيه العمل..وداعاً ولا أدري هل ترضون أن أكون على مائدتكم بعد أن أحزنتكم سنرى! لكم وافر التحية