أبو ياسر
02 / 08 / 2011, 11 : 01 AM
لمشاهدة مشاركات هذا القسم يجب ان تكون مشاركاتك 10 أو أعلي. عد مشاركاتك حالياً 0 . Vk81PKujAerE1Khu_fS5w
مرحباً بكم يا سادة .. في أولى مقالات مائدة السحور
لا أحب الواجبات هذا طبعي و أعتقد أن الكثير مثلي ، ومن جميل الصدف و أنا أفكر بهذا الموضوع أني قرأت للطنطاوي – رحمه الله – بأنه يعاني من هذا الداء ، حتى أنه يقول في ذكرياته أن الجريدة تطلب منه المقالة و يضربون له موعد قبل التسليم بعشرة أيام و تمر الأيام وهو لم يبدأ فلما تتبق ليلة يجمع طاقته للكتابة فيها و يسلمها من اليوم التالي غير راض عنها فيقول ما رأيتها بعد نشرها إلا تمنيت أن أغير فيها وأبدل ، و هكذا صاحبكم فأنا إذا طلب مني واجب في الجامعة أو إذا طلبت أسرتي مني أمراً أنتظر حتى يكون ملحاً لا يحتمل التأجيل فأقوم به ، يطلب مني البحث في الجامعة فأرى الطلاب يتحدثون عنه قبل موعد التسليم بشهر ، وأنا لم أبدأ بشيء حتى يعلن أن يوم غد موعد التسليم ، فأغلق على نفسي الباب و أجهد نفسي في الكتابة و البحث و أنهيه غير راض عنه بالتأكيد ولكنه يجاوز بي عقبة القبول ، و أذكر أن كلمة الحفل الماضي تأخرت في كتابتها و لم أعمل على إعدادها إلا قبل الحفل بأيام قليلة و أنا مشتت العزم بين الإعداد للحفل و تجهيز الكلمة ، ولما أشرقت شمس يوم الحفل وضعت اللمسات الأخيرة عليها و حررتها ثم تلوتها و أنا منهك متعب لم أنم جيداً فقد كان عندنا اجتماع في الليلة السابقة لم ننتشر منه إلا مع مطلع يوم الملتقى ، كتب الله الأجر لي وللأخوة العاملين في هذا الملتقى المبارك ، أعود و أقول أن السبب في ذلك يعود أولاً لأمر طبعي جيني لن أتكلم عنه، و ثانياً لأمر تربوي فنحن لم نترب في المدارس إلا على أداء الواجبات قهراً ، فيصدر المعلم الأوامر على الطلاب و من الغد يعاقب من يتخلف عقاباً قاسياً يكره إليهم الدراسة و الواجب ، و أذكر إبان دراستي في مدرسة قريتي إذ درست الابتدائية بسنواتها الست ، و سنتين من المرحلة المتوسطة ،فلم أر أي أنموذج مثالي للمعلم المحب لطلابه إلا أستاذ فلسطيني اسمه مصطفى يدرس مادة الرياضيات أما البقية فلم أجد ما يحببني إليهم، أما مديرنا – غفر الله له – فقد اجتهد في ضبط المدرسة و تم له ذلك بأسلوب الشدة و هو طريق مطروق إلا أن نتائجه غير مرضية عند أولي التربية اليوم ، وأشهد له أنه كان يريد الخير للطلاب ، كنا إذا ذهبنا إلى المدرسة كأنما نساق إلى الموت ، فكل مدرس في المدرسة يتبختر بعصاه وكأننا في إسطبل لترويض الخيول لا مدرسة لتعليم البشر ، و لما انتقلت إلى الرياض المعمورة لإتمام مرحلة المتوسطة و الثانوية وجدت المعلم الذي قال عنه شوقي :كاد المعلم أن يكون رسول، فقامت بيني و بين أساتذتي علاقة مودة و إخاء ، حتى أن اثنين من أساتذتي استضفتهم في منزلي يوم تصحيح الأسئلة النهائية و شربوا القهوة – ليست رشوة بالتأكيد - وعادوا إلى المدرسة لإكمال عملهم فكنت منبسط النفس معهم لا أشعر إلا و الواحد منهم أب لي أكبر قدره و أحترم مكانته، فاسألوا من درس في القرى – في أغلبهم - هل كان الأساتذة يزورنهم في بيوتهم ، في مدرسة قريتي خاصة – وأنا هنا أتحدث عن المرحلة التي درست فيها - لا يهمهم إلا تأدية الواجبات ولا يقيمون أي جسور تواصل مع التلاميذ، وبالكاد يخرجون عن نطاق الدرس و إن خرجوا كان نكات سخاف أو مواضيع خداج، يشعرونك بأنهم في ثكنة عسكرية أتوا لإصدار الأوامر والواجبات يجب عليك أن تؤديها دون أن تسأل والويل لأمك إن أخفقت، لم يدركوا أنهم في محضن تربوي أطفال اليوم هم قادة الغد، أكثرهم من البادية الذين ( ما يعطون الورع وجه ) لا أنصح بإكمال المثل !!، إلا أنها فترة أرجو أن تكون مرت بلا عود ، وما آسف له اليوم سماع بعض الدعوات التي تنادي بإعادة العهد الأغبر عهد الضرب و الإذلال إلى مدارسنا، لا يا سادة فاليوم قد يكون هناك أستاذة يحتاجون بلا مؤاخذة إلى تأديب ، وصدقوني النتيجة التي توصل بالضرب و إن كانت سريعة إلا أنها قاصرة فأنت تقهره ليسمعك ، أما طريق المعاملة بالحسنى نعم قد يكون طويلاً إلا أن نتائجه مضمونة فأنت تقنعه ليسمعك ، فالطريقة الأولى تربي فيه الانضباط في العلانية و التمرد في الخفاء ، أما الثانية فتربي فيه الانضباط في الجهر و الخفاء ، وأخص بالذكر تعليم الصغار في المراحل الأولية ، لأنهم في مرحلة التكوين و النشوء ، أما الكبير قد لا يتأذى كثيراً فالحياة علمته و شخصيته تكونت منذ الصغر ، ولكن الطفل قلبه خال، كل حدث قد يؤثر في نفسيته و يصنع تفكيره و رؤيته في الحياة ألستم تحفظون التعليم في الصغر كالنقش على الحجر ، وهل التعليم فقط محصور في الحروف الهجائية و النصوص الأدبية ، لا التعليم يكون منذ أن تطلع الشمس إلى أن تطلع من اليوم التالي ما يراه في الشارع ما يسمعه من والديه ما يطالعه في جهاز التلفاز ، المواقف التي تمر به من أحداث كبار عندما يرمى في خضمها صغير لا يقو على مجالدتها كل هذه تؤثر فيه وتصنع شخصيته ، فهل تريدون أطفالنا صغار أذلة مقهورون ، لا يحبون القراءة و الإطلاع لأنها تذكرهم بأولئك الأساتذة البغيضون ، و لا يحبون الأوامر و يتمردون عليها لأن الأساتذة عودوهم عمل الواجبات و أعينهم منكسرة و نفوسهم مهزوزة ، و من تخلف قوبل بالعقاب القاسي المذل ، يحكى أن المهدي أراد أن يغزو أهل الشام لخطأ ارتكبوه ، فقال له ابن خريم: ( يا أمير المؤمنين ، عليك بالعفو و التجاوز عن المسيء ، فلأن تطيعك العرب طاعة محبة خير لك من أن تطيعك طاعة خوف).
لذا يرى الطنطاوي رحمه الله أنه سبب له كره الواجبات و الامتعاض من تأديتها و أنا أوافقه الرأي تماماً ، و إن كان الأمر لا يقتصر على المدرسة فقط بل يمتد إلى كل راع تحت يده رعية ، و لما كان دور المدرسة كبير قصرنا الحديث عليها ، فإذا أردتم شباباً يتحملون المسؤولية فربوهم على القيام بالواجب بالإقناع لا الإذلال .. إلى اللقاء
مرحباً بكم يا سادة .. في أولى مقالات مائدة السحور
لا أحب الواجبات هذا طبعي و أعتقد أن الكثير مثلي ، ومن جميل الصدف و أنا أفكر بهذا الموضوع أني قرأت للطنطاوي – رحمه الله – بأنه يعاني من هذا الداء ، حتى أنه يقول في ذكرياته أن الجريدة تطلب منه المقالة و يضربون له موعد قبل التسليم بعشرة أيام و تمر الأيام وهو لم يبدأ فلما تتبق ليلة يجمع طاقته للكتابة فيها و يسلمها من اليوم التالي غير راض عنها فيقول ما رأيتها بعد نشرها إلا تمنيت أن أغير فيها وأبدل ، و هكذا صاحبكم فأنا إذا طلب مني واجب في الجامعة أو إذا طلبت أسرتي مني أمراً أنتظر حتى يكون ملحاً لا يحتمل التأجيل فأقوم به ، يطلب مني البحث في الجامعة فأرى الطلاب يتحدثون عنه قبل موعد التسليم بشهر ، وأنا لم أبدأ بشيء حتى يعلن أن يوم غد موعد التسليم ، فأغلق على نفسي الباب و أجهد نفسي في الكتابة و البحث و أنهيه غير راض عنه بالتأكيد ولكنه يجاوز بي عقبة القبول ، و أذكر أن كلمة الحفل الماضي تأخرت في كتابتها و لم أعمل على إعدادها إلا قبل الحفل بأيام قليلة و أنا مشتت العزم بين الإعداد للحفل و تجهيز الكلمة ، ولما أشرقت شمس يوم الحفل وضعت اللمسات الأخيرة عليها و حررتها ثم تلوتها و أنا منهك متعب لم أنم جيداً فقد كان عندنا اجتماع في الليلة السابقة لم ننتشر منه إلا مع مطلع يوم الملتقى ، كتب الله الأجر لي وللأخوة العاملين في هذا الملتقى المبارك ، أعود و أقول أن السبب في ذلك يعود أولاً لأمر طبعي جيني لن أتكلم عنه، و ثانياً لأمر تربوي فنحن لم نترب في المدارس إلا على أداء الواجبات قهراً ، فيصدر المعلم الأوامر على الطلاب و من الغد يعاقب من يتخلف عقاباً قاسياً يكره إليهم الدراسة و الواجب ، و أذكر إبان دراستي في مدرسة قريتي إذ درست الابتدائية بسنواتها الست ، و سنتين من المرحلة المتوسطة ،فلم أر أي أنموذج مثالي للمعلم المحب لطلابه إلا أستاذ فلسطيني اسمه مصطفى يدرس مادة الرياضيات أما البقية فلم أجد ما يحببني إليهم، أما مديرنا – غفر الله له – فقد اجتهد في ضبط المدرسة و تم له ذلك بأسلوب الشدة و هو طريق مطروق إلا أن نتائجه غير مرضية عند أولي التربية اليوم ، وأشهد له أنه كان يريد الخير للطلاب ، كنا إذا ذهبنا إلى المدرسة كأنما نساق إلى الموت ، فكل مدرس في المدرسة يتبختر بعصاه وكأننا في إسطبل لترويض الخيول لا مدرسة لتعليم البشر ، و لما انتقلت إلى الرياض المعمورة لإتمام مرحلة المتوسطة و الثانوية وجدت المعلم الذي قال عنه شوقي :كاد المعلم أن يكون رسول، فقامت بيني و بين أساتذتي علاقة مودة و إخاء ، حتى أن اثنين من أساتذتي استضفتهم في منزلي يوم تصحيح الأسئلة النهائية و شربوا القهوة – ليست رشوة بالتأكيد - وعادوا إلى المدرسة لإكمال عملهم فكنت منبسط النفس معهم لا أشعر إلا و الواحد منهم أب لي أكبر قدره و أحترم مكانته، فاسألوا من درس في القرى – في أغلبهم - هل كان الأساتذة يزورنهم في بيوتهم ، في مدرسة قريتي خاصة – وأنا هنا أتحدث عن المرحلة التي درست فيها - لا يهمهم إلا تأدية الواجبات ولا يقيمون أي جسور تواصل مع التلاميذ، وبالكاد يخرجون عن نطاق الدرس و إن خرجوا كان نكات سخاف أو مواضيع خداج، يشعرونك بأنهم في ثكنة عسكرية أتوا لإصدار الأوامر والواجبات يجب عليك أن تؤديها دون أن تسأل والويل لأمك إن أخفقت، لم يدركوا أنهم في محضن تربوي أطفال اليوم هم قادة الغد، أكثرهم من البادية الذين ( ما يعطون الورع وجه ) لا أنصح بإكمال المثل !!، إلا أنها فترة أرجو أن تكون مرت بلا عود ، وما آسف له اليوم سماع بعض الدعوات التي تنادي بإعادة العهد الأغبر عهد الضرب و الإذلال إلى مدارسنا، لا يا سادة فاليوم قد يكون هناك أستاذة يحتاجون بلا مؤاخذة إلى تأديب ، وصدقوني النتيجة التي توصل بالضرب و إن كانت سريعة إلا أنها قاصرة فأنت تقهره ليسمعك ، أما طريق المعاملة بالحسنى نعم قد يكون طويلاً إلا أن نتائجه مضمونة فأنت تقنعه ليسمعك ، فالطريقة الأولى تربي فيه الانضباط في العلانية و التمرد في الخفاء ، أما الثانية فتربي فيه الانضباط في الجهر و الخفاء ، وأخص بالذكر تعليم الصغار في المراحل الأولية ، لأنهم في مرحلة التكوين و النشوء ، أما الكبير قد لا يتأذى كثيراً فالحياة علمته و شخصيته تكونت منذ الصغر ، ولكن الطفل قلبه خال، كل حدث قد يؤثر في نفسيته و يصنع تفكيره و رؤيته في الحياة ألستم تحفظون التعليم في الصغر كالنقش على الحجر ، وهل التعليم فقط محصور في الحروف الهجائية و النصوص الأدبية ، لا التعليم يكون منذ أن تطلع الشمس إلى أن تطلع من اليوم التالي ما يراه في الشارع ما يسمعه من والديه ما يطالعه في جهاز التلفاز ، المواقف التي تمر به من أحداث كبار عندما يرمى في خضمها صغير لا يقو على مجالدتها كل هذه تؤثر فيه وتصنع شخصيته ، فهل تريدون أطفالنا صغار أذلة مقهورون ، لا يحبون القراءة و الإطلاع لأنها تذكرهم بأولئك الأساتذة البغيضون ، و لا يحبون الأوامر و يتمردون عليها لأن الأساتذة عودوهم عمل الواجبات و أعينهم منكسرة و نفوسهم مهزوزة ، و من تخلف قوبل بالعقاب القاسي المذل ، يحكى أن المهدي أراد أن يغزو أهل الشام لخطأ ارتكبوه ، فقال له ابن خريم: ( يا أمير المؤمنين ، عليك بالعفو و التجاوز عن المسيء ، فلأن تطيعك العرب طاعة محبة خير لك من أن تطيعك طاعة خوف).
لذا يرى الطنطاوي رحمه الله أنه سبب له كره الواجبات و الامتعاض من تأديتها و أنا أوافقه الرأي تماماً ، و إن كان الأمر لا يقتصر على المدرسة فقط بل يمتد إلى كل راع تحت يده رعية ، و لما كان دور المدرسة كبير قصرنا الحديث عليها ، فإذا أردتم شباباً يتحملون المسؤولية فربوهم على القيام بالواجب بالإقناع لا الإذلال .. إلى اللقاء