أبو ياسر
04 / 07 / 2011, 58 : 05 AM
إن من المحفز جداً أن تقرأ سيرة رجل عريق درج على ذرى الأرض التي درجت عليها، و تسلق الجبال التي تسلقتها ، وتدفأ بالخشب الذي تدفأت عليه، و استنشق الهواء الذي استنشقته ، وشرب الماء الذي شربته ، ثم تراه بعد ذلك يعانق بكفاحه قمم النجاح ، إي والله لهو الدافع للثورة على النفس و الانتفاض على الحال للفوز بكبريات الفعال ، الدكتور خالد آل الشوافه يرسم لنا لوحة زاهية الألوان لشخصية فذة كانت يوماً من الأيام ملأ سمع الزمان وحلوى نوادي الأنام ، و لكن مع تقادم الأيام بدا صخبها يختفي وحلاوتها تنسى ، و صار جيلنا نحن الشباب لا يكاد يعرف عن هذا الشهم إلا اسمه ، حتى عاد دكتورنا المبجل و بعث هذه الشخصية من مرقدها ، وراح بإسلوبه الخلاب يحكي لنا روايته ، كانت بدايته جاش و نهايته في مكة ، يالله لقد عشت مع هذه الشخصية لحظات لم أحسبها من الزمن كنت أقرأ بذهول و أقلب الصفحات في شوق، هل حقاً في جاش إنسان بمثل هذا الكمال ،جهاد و تجارة ، كرم و ديانة تغلفها حكمة و أصالة ، ولا نعرف عنه إلا القليل الذي لا يسمن و لا يغني من جوع تطلعنا للقدوات شيء ، دغش بن طلال المسردي – عليه رحمة الله - محنك صنعت منه الأيام رجل لا تكسر له قناة ، وفارس لا تسبق فرسه ، و كريم لا يضاهى كرمه ، و حكيم يكبر في نادي العارفين قدره ، وتاجر سر غناه في بذله، لما سإل من علمك كان جوابه : علمتني الحياة !، وأي مدرسة – ياسادة – أصدق في التعليم من مدرسة الحياة و لكنها لمن جرب قاسية لا تعلم إلا بعد أن تؤلم ، و القلب يعقل جيداً عندما يتألم ، ما يزين هذه الشخصية وكلها زين ، هو تصرف الأديب الدكتور خالد في عرض الأحداث و ترتيبها فكأنه خلق دغش بن طلال كما يريد ، فألمح لبرائته ثم ابتداء خلق الحلم ، فمراحل نموه، حتى المخاض و الولادة بيتيم جاش الأوحد دغش بن طلال التاجر العابد الكريم المجاهد ، وكان عرضه لرواية بأسلوب حواري خلاق، يتخلله شيء من النقل عن معاصري دغش و هذه التي لم ترق لي فتمنيت أن لو ترك الحوار متصلاً بين دغش و مقربيه لكي تكتمل غشواة الإمتاع بالرواية ، و تمازج الرواية شيء من التراكيب البديعة و الومضات الخلابة التي لم أقرأها إلا في هذه الرواية و قد وضعت تحتها خط و لكني لن أنقلها لكم لكي لا أفقدكم لذة مباشرتها ، كما أنه أجرى على لسان الشيخ دغش درراً بارقة ، و حكماً ناصعة منها ما هو مبتكر على حد اطلاعي و منها ما هو مشاع مشتهر في دواوين العرب لا يحفظه إلا الفهيم من الرجال ، و لا يقوله في موضعه إلا الحكيم كأمثال بطل روايتنا ، و كان ذلك في موضعين اثنين أولهما في حديثه مع صديقه سالم فكان سالم يسأل و الشيخ / دغش – رحمه الله – يجيبه جواباً يأخذ باللب، وكذلك حواره مع كبير مكة لما زاره في منزله لهم أصابه ، فحق على من قرأ الرواية أن يتوقف عند هذين الموضعين طويلاً ، ومن خلال القراءة تبدو لنا بجلاء ملكة الإنشاء الآخذ بناصيتها دكتورنا الكريم / خالد بن شارع المسردي ، فتجد أن الكلمات تنساق له انسياقاً فلا تكاد تجد كلمة تتمنى لو مسحتها ووضعت بدلها أخرى، و مما يزينها أيضاً هو الأسلوب الحواري الذي يزيل عن النفس غلالة الملالة و تبقى في شوق لسماع الخطاب و جوابه ، و لم يسمح أديبنا الألمعي للشخصية أن تتمرد عليه ، بل أجاد ترتيب الأحداث و نقل القارئ بانتظام من حدث إلى حدث دون شرخ واختلال ، و لقرب الكاتب الوفي من الشخصية و معرفته بها ، أطلق القلم في المواضع التي أخذت من نفس بطل الرواية الحظ الأوفر ، و كبح جماحه في المحال التي لم تعلق في نفسه ، فتراه عند الحديث عن الكرم أفاض دون اقتضاب لأنه العنوان الأبرز في نفس بطلنا ، أما التجارة و إن كان أخذ منها النصيب الأكبر إلا أن الكاتب لم يتحدث عنها إلا في أسطر لعلمه أن البطل لا تعدو التجارة في عينه كونها مطية لتحقيق مرضاة الله أولاً، ثم تغذية نفسه المجبولة على البذل و العطاء ، كما أن العقبة التي تواجه كتابة هذا النوع من الروايات قد تجاوزها كاتبنا بامتياز ، إذ أن الكتابة عن شخصية واقعية يفقدك جانب التشويق الدرامي ، فهنا تجد أنك تقرأ الرواية و تبدو لك معالم الأحداث شيئاً فشيئاً وتدرك جلياً خاتمتها ، ولكن مكمن التشويق في العرض الحواري الماتع ، و الانتقاء الفريد للمفردات التي جمعت بين الجزالة و السهولة ، فلا ترى تعقيداً في الكتابة و لا تسطع الانفكاك من الرواية إلا بإتمامها ، ويميزها استخدام أسلوب القران في تصوير الأحداث و صناعة الجمل ، و هذا لتمكن أديبنا من العلم الشرعي و نهله المستديم من القران الكريم ، إلا أن الرواية في نظري لم تروي الغليل في معرفة خبايا هذه الشخصية فلازلت متعطشاً لمعرفة الكثير عنها ، ولعل هذا مقصد أراده الكاتب – وفقه الله – فأراد أن يخرج القارئ بإستفهامات حول هذه الشخصية ليزداد منها قرباً و بها معرفة ، وختاماً جاء في الفصل الأخير من حياة بطلنا أن طفلاً صغيراً لثم يد الشيخ ثم أخرج من جيبه تمرة و قدمها هدية للشيخ العاشق لموطنه و جنى نخله، فإن كان ذلك الطفل أهدى الروح الكريمة تمرة ، فالدكتور المبجل أهدى الروح المطمئنة - بإذن الله - رواية تخلد ذكره ...
لا أدري كيف تجاسرت على الكتابة في نقد الرواية ، و لكن كانت من عفو الخاطر كتبتها بعد الانتهاء من القراءة مشاعر فياضة وضعتها في ميزان الذوق و الحب فاقبلوا ما شئتم وردوا ماشئتم ، وفي الختام أرفع آيات الشكر لله المنعم ثم لأخي الأكبر الدكتور المكرم / خالد بن شارع المسردي فشكراً جزيلاً لك و على بطل روايتك الرحمة و جمعنا به وبرسولنا - صلى الله عليه وسلم - في الفردوس الأعلى ...
ولله در القائل :
أحب جاش من محبة هلِن له # وأحب قنة جاش ولي رعاها
من لامني في حب ربعي لعله# العلة اللي ما يعين دواها
أما أنت عزيزي القارئ فماذا تنتظر اذهب واقرأ الرواية
لا أدري كيف تجاسرت على الكتابة في نقد الرواية ، و لكن كانت من عفو الخاطر كتبتها بعد الانتهاء من القراءة مشاعر فياضة وضعتها في ميزان الذوق و الحب فاقبلوا ما شئتم وردوا ماشئتم ، وفي الختام أرفع آيات الشكر لله المنعم ثم لأخي الأكبر الدكتور المكرم / خالد بن شارع المسردي فشكراً جزيلاً لك و على بطل روايتك الرحمة و جمعنا به وبرسولنا - صلى الله عليه وسلم - في الفردوس الأعلى ...
ولله در القائل :
أحب جاش من محبة هلِن له # وأحب قنة جاش ولي رعاها
من لامني في حب ربعي لعله# العلة اللي ما يعين دواها
أما أنت عزيزي القارئ فماذا تنتظر اذهب واقرأ الرواية