أبو ياسر
19 / 12 / 2010, 29 : 01 AM
لمشاهدة مشاركات هذا القسم يجب ان تكون مشاركاتك 10 أو أعلي. عد مشاركاتك حالياً 0 .
هل تذكر آخر مرة كنت فيه كما أنت! ، هل تذكر يوماً مسحت فيه المساحيق التي على وجهك ، و عبرت فيه عن ذاتك ، قد تكون هذه المرة لفقد عزيز على نفسك ، أو لحظات وداع لم تصمد لها، أو صور لأطفال يبكون أمهم الراحلة، تلك اللحظات القليلة التي نسرقها من الزمن نظهر فيها كما نحن!
أذكر أني مررت بمواقف كثر تقفز أمامي الآن و أنا أكتب، دعوني أثبتها لأنها لم تزل ساخنة في قلبي ، فقبل زمن رأيت على مدرج الطائرة شاباً صغيراَ يحمل في يده حقيبة سفر صغيرة ، ويده الأخرى يحيط بها والديه الذين أتو لوداعه ، و رأسه على صدر والدته المكلومة برحيله ،و تمسح بمنديلها المبلل دمعها الحار ، و شهق روحها يقع كالسكين على قلب ابنها المسكين ، فطأطأت رأسي و جاوزته و قلبي يخفق بالحزن ، ومشهد شيخ كبير لازال عالق في ذهني حتى ليخيل إلي الآن صورته وأنا أكتب لك ، رأيته وقد عبثت الأيام في ملامحه تنزل دمعته مرتعشة من عينه في رحلة شاقة تقطع فيها تجاعيد وجهه إلى أن تختبئ في لحيته البيضاء، نعم! هذه لا تحتمل ! ، ولكن ما لنا نكابر و نظهر للناس أننا صامدون و نحن من دواخلنا نمزق، هل سبق ورأيت طفلاً كتم إحساسه ، لا تقل نعم! فلا يمكن لطفل أن يكتم إحساسه، و هذا هو سر جمال حياة الصغار ، ألست تشتاق إلى أيام طفولتك ، كل هذا الشوق لأنك تعيش في تلك المرحلة على سجيتك دون تصنع ، لا تعرف القيود و لا العادات المغلقة ، فإذا أراد الأطفال البكاء بكوا، و إذا أردوا الضحك ضحكوا ، فترى وجوههم طرية ، و أعمارهم وردية، إن قلوبهم لا تعرف الكتمان فهي تبوح بما فيها دون قيد ، إذا أحبك فوراً سيقول أحبك حتى وإن كان الوقت غير مناسب، و إذا أحزنته سيقول أنا أكرهك دون أن يتردد ، و إن أبكيته سيبكي و إن كان العالم كله ينظر إليه ، فلما بددت رياح الحياة أيام العمر ، كان قدرنا نحن الرجال ألا نبكي ، فإن سقط أحدنا وبكى كان بكاءه ضعف ، فيأتي الخبر الجليل الذي يهز الجبال فنتصبر في وجهه لا لشيء ولكن لأننا رجال ، حتى إذا ما غابت عنا العيون انهار هذا الجلد و خارت تلك القوى ، ياه! كم نقسو على حياتنا كثيراً !
كنت على موعد مع تلك المواقف ، ولكنه أقسى موقف وضعني قدر الله فيه ، لم أعد أعلم كم مضى على هذا الموقف أهي خمس سنوات أم أكثر لا أذكر!، ما أذكره أنه كان يوماً دافئ ، السكون فيه يعم الكون، وصخب و صراخ يعتلجان في صدري، كنت و نفر من الأقارب ننتظر يتيماً لتو ماتت أمه ، هو لم يعلم بعد بأنها ماتت ، لازال ينتظرها ، كل ما قالوه له أنها مريضة وذهبت للمستشفى، ولكن لله قلبه ما علم أنها ذهبت إلى المقبرة ولن يراها مجدداً!
طُرق الباب و دخل منه طفل صغير يحمل في يده اليمنى حقيبته ، هل قلت طفلاً لتو! لا لا ، لم يعد طفلاً فالطفل عندما يفقد أمه ينتقل من مرحله الطفولة فوراً إلى مرحلة الرجولة مهما كان عمره ، و إن لم يستطع تقبل هذا الأمر يصبح منكسراً النفس ، محطم الفؤاد ، راح الصغير يقلب النظر فيمن حوله ، ويرى وجوها اعتاد أن يراها منحلة الأسارير ، تطرف أعينهم فرحاً، رائها مكتومة بغلالة الحزن ، يطوقها طوق الألم ، سحب نفساً من قعر صدره ثم سلم ، و ضع حقيبته على الأرض التي تضم ملابسه، لم توضبها أمه بالتأكيد! ، تكلفت ابتسامة أقسم بالله أنها أكذب ابتسامة رسمتها على وجهي مذ خلقت ، و وضعت يدي على رأسه وقبلت ما بين عينيه ، أخذت يده وسرنا إلى المجلس ، فسلم عليه الأطفال ، و راحوا يخنقونه بنظراتهم و كلهم يريد أن يسأله عن أمه ، فقد سمعوا أنها ماتت ، و لكن أي شيء يعني لهم الموت ، هل يعتقدونه مدينة ، أذكر في صغري أن أحد زملائي حدثني عن الموت، فكنت وأنا أسمع له أتخيل بأن الموت مدينة بعيده لا تصل إليها السيارات ، يالله كم هي بعيدة جداً تلك المدينة !
نظرت ناحية الطفل ، فقرأت في وجهه علامات الألم ، شعرت به وهو ينظر إلي كأنه يقول : رفقاً بي!!، حاولت أن أدافع بما أوتيت من قوة دمعة تريد أن تنسل من جفني ، ولكني لم أقوى على دفعها ، فها هي اللحظة تنساب على خدي ، و قبل أن أمسحها بيدي ، سأل الطفل / مالذي يبكيك ! ، لماذا أرى الناس من حولي يستقبلوني بالبكاء!!
حبيبي وحدها الأيام ستخبرك من الذي فقدته ، وحدها الأيام ستكون صادقة في التعبير عن مصابك ، فسامحني يابني فمهما تحدثت عن مصابك لا يعدو كونه كلاماً فارغ!!
أيها السادة هل تشعرون بأن الكثير منا يلعب دوراً لم يكتب له ، إذ هو سواء كالممثل الذين يؤدي دوراً على المسرح ثم يتركه لغيره، ليس له إلا ذاك!، فالقصة كتبها الكاتب، حتى الحوار صاغه غيره ، بل تحركاته و سكناته من إدارة المخرج ! مالذي بقي له إذن غير الكذب باسم التمثيل !!
أيها الأخوة و الأخوات ... تأكدوا أنكم تعيشون كما أنتم لا كما يريده العالم من حولكم !!!
لا أدري أردت الكتابة فكانت شتات !!
هل تذكر آخر مرة كنت فيه كما أنت! ، هل تذكر يوماً مسحت فيه المساحيق التي على وجهك ، و عبرت فيه عن ذاتك ، قد تكون هذه المرة لفقد عزيز على نفسك ، أو لحظات وداع لم تصمد لها، أو صور لأطفال يبكون أمهم الراحلة، تلك اللحظات القليلة التي نسرقها من الزمن نظهر فيها كما نحن!
أذكر أني مررت بمواقف كثر تقفز أمامي الآن و أنا أكتب، دعوني أثبتها لأنها لم تزل ساخنة في قلبي ، فقبل زمن رأيت على مدرج الطائرة شاباً صغيراَ يحمل في يده حقيبة سفر صغيرة ، ويده الأخرى يحيط بها والديه الذين أتو لوداعه ، و رأسه على صدر والدته المكلومة برحيله ،و تمسح بمنديلها المبلل دمعها الحار ، و شهق روحها يقع كالسكين على قلب ابنها المسكين ، فطأطأت رأسي و جاوزته و قلبي يخفق بالحزن ، ومشهد شيخ كبير لازال عالق في ذهني حتى ليخيل إلي الآن صورته وأنا أكتب لك ، رأيته وقد عبثت الأيام في ملامحه تنزل دمعته مرتعشة من عينه في رحلة شاقة تقطع فيها تجاعيد وجهه إلى أن تختبئ في لحيته البيضاء، نعم! هذه لا تحتمل ! ، ولكن ما لنا نكابر و نظهر للناس أننا صامدون و نحن من دواخلنا نمزق، هل سبق ورأيت طفلاً كتم إحساسه ، لا تقل نعم! فلا يمكن لطفل أن يكتم إحساسه، و هذا هو سر جمال حياة الصغار ، ألست تشتاق إلى أيام طفولتك ، كل هذا الشوق لأنك تعيش في تلك المرحلة على سجيتك دون تصنع ، لا تعرف القيود و لا العادات المغلقة ، فإذا أراد الأطفال البكاء بكوا، و إذا أردوا الضحك ضحكوا ، فترى وجوههم طرية ، و أعمارهم وردية، إن قلوبهم لا تعرف الكتمان فهي تبوح بما فيها دون قيد ، إذا أحبك فوراً سيقول أحبك حتى وإن كان الوقت غير مناسب، و إذا أحزنته سيقول أنا أكرهك دون أن يتردد ، و إن أبكيته سيبكي و إن كان العالم كله ينظر إليه ، فلما بددت رياح الحياة أيام العمر ، كان قدرنا نحن الرجال ألا نبكي ، فإن سقط أحدنا وبكى كان بكاءه ضعف ، فيأتي الخبر الجليل الذي يهز الجبال فنتصبر في وجهه لا لشيء ولكن لأننا رجال ، حتى إذا ما غابت عنا العيون انهار هذا الجلد و خارت تلك القوى ، ياه! كم نقسو على حياتنا كثيراً !
كنت على موعد مع تلك المواقف ، ولكنه أقسى موقف وضعني قدر الله فيه ، لم أعد أعلم كم مضى على هذا الموقف أهي خمس سنوات أم أكثر لا أذكر!، ما أذكره أنه كان يوماً دافئ ، السكون فيه يعم الكون، وصخب و صراخ يعتلجان في صدري، كنت و نفر من الأقارب ننتظر يتيماً لتو ماتت أمه ، هو لم يعلم بعد بأنها ماتت ، لازال ينتظرها ، كل ما قالوه له أنها مريضة وذهبت للمستشفى، ولكن لله قلبه ما علم أنها ذهبت إلى المقبرة ولن يراها مجدداً!
طُرق الباب و دخل منه طفل صغير يحمل في يده اليمنى حقيبته ، هل قلت طفلاً لتو! لا لا ، لم يعد طفلاً فالطفل عندما يفقد أمه ينتقل من مرحله الطفولة فوراً إلى مرحلة الرجولة مهما كان عمره ، و إن لم يستطع تقبل هذا الأمر يصبح منكسراً النفس ، محطم الفؤاد ، راح الصغير يقلب النظر فيمن حوله ، ويرى وجوها اعتاد أن يراها منحلة الأسارير ، تطرف أعينهم فرحاً، رائها مكتومة بغلالة الحزن ، يطوقها طوق الألم ، سحب نفساً من قعر صدره ثم سلم ، و ضع حقيبته على الأرض التي تضم ملابسه، لم توضبها أمه بالتأكيد! ، تكلفت ابتسامة أقسم بالله أنها أكذب ابتسامة رسمتها على وجهي مذ خلقت ، و وضعت يدي على رأسه وقبلت ما بين عينيه ، أخذت يده وسرنا إلى المجلس ، فسلم عليه الأطفال ، و راحوا يخنقونه بنظراتهم و كلهم يريد أن يسأله عن أمه ، فقد سمعوا أنها ماتت ، و لكن أي شيء يعني لهم الموت ، هل يعتقدونه مدينة ، أذكر في صغري أن أحد زملائي حدثني عن الموت، فكنت وأنا أسمع له أتخيل بأن الموت مدينة بعيده لا تصل إليها السيارات ، يالله كم هي بعيدة جداً تلك المدينة !
نظرت ناحية الطفل ، فقرأت في وجهه علامات الألم ، شعرت به وهو ينظر إلي كأنه يقول : رفقاً بي!!، حاولت أن أدافع بما أوتيت من قوة دمعة تريد أن تنسل من جفني ، ولكني لم أقوى على دفعها ، فها هي اللحظة تنساب على خدي ، و قبل أن أمسحها بيدي ، سأل الطفل / مالذي يبكيك ! ، لماذا أرى الناس من حولي يستقبلوني بالبكاء!!
حبيبي وحدها الأيام ستخبرك من الذي فقدته ، وحدها الأيام ستكون صادقة في التعبير عن مصابك ، فسامحني يابني فمهما تحدثت عن مصابك لا يعدو كونه كلاماً فارغ!!
أيها السادة هل تشعرون بأن الكثير منا يلعب دوراً لم يكتب له ، إذ هو سواء كالممثل الذين يؤدي دوراً على المسرح ثم يتركه لغيره، ليس له إلا ذاك!، فالقصة كتبها الكاتب، حتى الحوار صاغه غيره ، بل تحركاته و سكناته من إدارة المخرج ! مالذي بقي له إذن غير الكذب باسم التمثيل !!
أيها الأخوة و الأخوات ... تأكدوا أنكم تعيشون كما أنتم لا كما يريده العالم من حولكم !!!
لا أدري أردت الكتابة فكانت شتات !!