عندما استقالت من منصبها الوزاري في مايو الماضي.. كان لاستقالتها وقع الزلزال, وفي هذا الأسبوع فجرت قنبلة ذات دوي هز أركان الحكومة والبرلمان والأحزاب والرأي العام في بلادها.
في المرة السابقة.. دعت رئيس الوزراء توني بلير إلي التنحي عن منصبه مثلما تنحت هي عن منصب وزيرة التنمية الدولية.. أما في هذه المرة فقد قفزت إلي منطقة محظورة, حيث طعنت في نزاهة أجهزة المخابرات البريطانية مما دعا بلير إلي اتهامها بأنها تنسف الأمن في بريطانيا.
وفي المرتين كانت كلير شورت تدلي بتصريحاتها شديدة الانفجار, إلي هيئة الإذاعة البريطانية وكانت تنقل عنها تصريحاتها المتفجرة كبريات الصحف البريطانية.
وعندما طلبت الوزيرة السابقة من رئيس الوزراء أن يتنحي واتهمته بأنه خدع الأمة كلها فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل لم يجد رئيس الوزراء في هذا ما يدعو إلي التعليق, أما عندما خاضت في غمار أجهزة الأمن فقد بادر بلير إلي الرد السريع قائلا:إن أجهزتنا السرية أنشئت بهدف حماية بريطانيا, ودورها الآن أهم وأوجب من أي وقت مضي.
فهي عندما خاضت في سيرة أجهزة الأمن كشفت المستور مما يتحتم إخفاؤه, وأزاحت الستار عن المسكوت عنه, وتجاوزت خطوطا حمراء ظل جميع الساسة, من رجال الحكومة والمعارضة علي السواء, يحافظون علي سريتها, ويحترمون حرمتها.
امرأة ليست ككل النساء في بلادها أو خارج بلادها, وسياسية ليست كسائر الساسة, فقد وجدت لديها من الجرأة والصراحة ما يجعلها تتهم أجهزة المخابرات المنوط بها صيانة الأمن والمحافظة عليه, بأنها تتجسس علي الأمن العام للأمم المتحدة وهي تهمة أيدتها فيها امرأة أخري هي المترجمة البريطانية كاثرين جان التي سربت معلومات بأن بريطانيا والولايات المتحدة كانتا تتعاونان في التجسس علي مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن قبل شن الحرب علي العراق, كذلك فقد أيد الوزيرة البريطانية السابقة الدكتور بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة, حيث أكد أنه كان يشعر بالتنصت عليه منذ اليوم الأول لتوليه منصبه وأنه لم يفاجأ بتصريحات السيدة كلير شورت التي كشفت المستور وخاضت في المسكوت عنه!
ومثلما أن السيدة كلير أحدثت انقساما خطيرا داخل الحكومة البريطانية, فإنها أيضا أحدثت انقساما داخل حزب العمال الحاكم, وانضمت إلي روبن كوك وزير الخارجية السابق في تشكيل معارضة من نوع جديد تتهم بلير بأنه تحالف مع حزب المحافظين البريطاني ومع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة, وأبعد حزب العمال البريطاني عن مساره القديم كحزب يساري وكمعبر عن فكر مؤسسي الحزب من أمثال برنارد شو وهارولد لاسكي.
وللسيدة كلير مواقف مشرفة سابقة في الدفاع عن القضية الفلسطينية والمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وإبراز الأوضاع الإنسانية المتدهورة للشعب الفلسطيني ومعاناته في ظل الاحتلال كما أن لها نشاطا ملحوظا في الحركة النسائية, وكانت رئيسة لمنظمة المرأة الاشتراكية الدولية(1996-1992).
وقد جاء مولد السيدة كلير في مثل هذه الأيام من عام1946 في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية ولها أربع شقيقات وشقيقان, وتزوجت مرتين واستمر زواجها الأول عشر سنوات وانتهي بالطلاق, أما زواجها الثاني فاستمر12 سنة وانتهي بموت الزوج وليس لها سوي ابن واحد, أما مسقط رأسها ومهد طفولتها ومرتع صباها وشبابها وأيضا مكان ميلاد والدتها فهي مدينة برمنجهام ثاني أكبر مدينة في إنجلترا بعد لندن, وتمثل قلب إنجلترا من الناحية الجغرافية وتقع وسط مساحات من المزارع ذات الأرض الخصبة وتمر بها عدة قنوات يرتادها هواة التجديف, منها قناة تربطها بمدينة اكسفورد وأخري تربطها بقرية ستراتفورد الشهيرة( مسقط رأس وليم شكسبير شاعر بريطانيا الشهير) وهي أقرب مدن بريطانيا إلي هذه القرية التي يرتادها عشرات الملايين من السياح كل عام والمسافة بينهما35 كيلومترا, يقطعها الأوتوبيس في نصف ساعة.
وبالقرب من برمنجهام اندلعت ثورة كرومويل الشهيــــــرة في الفتــــرة1645_1642, وفيها أيضا أعلن انتصار هذه الثورة ولايزال هناك نصب تذكاري مدون عليه أحداث هذه الثورة التي أسقطت النظام الملكي ثم أعدمت الملك شارل الأول وأعلنت قيام النظام الجمهوري لمدة ثلاث سنوات فهي مدينة تربط بين الثورة الصناعية والثورات السياسية وفي متحفها الكبير لوحات لكبار الرسامين العالميين مثل فان جوخ, وتماثيل لأشهر المثالين وفي مقدمتهم هنري مور, كذلك تضم المدينة كاتدرائية أقيمت عام1715 علي طراز الباروك الإنجليزي.
من هذه الخلفية الثورية الثقافية استمدت السيدة كلير شورت جرأتها وثورتها علي الحكومة وعلي الحزب الحاكم ومناصرتها للقضايا الإنسانية.