العودة   منتديات بوابة جاش > المنتديات العامه > نزف المحـابر
   
 
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : [1]  
قديم 07 / 02 / 2012, 03 : 10 PM
أبو ياسر
 


Lightbulb كيف تعاقب ابنك !!



طلب مني أحد الأصحاب أن أتحدث عن موضوع التربية ، و ما كنت لأجيب طلبه ، فهذا الموضوع كثيراً ما تناولته الأقلام و البرامج ، وكنت لأرشده لكتاب أو شريط عن التربية وينتهي الأمر! ، ولكنه روى لي موقفاً محزناً لم أملك معه إلا الكتابة تذكرة و إنذاراً لمن يرون الضرب أمثل طريقة للتربية و التعليم، يقول صديقي: جمعني مجلس بغيض بوالد لم يجد وقتاً مناسباً لتربية ابنه إلا في حضرتي ، لما جاء ابنه وسلم علينا جلس في أقصى المجلس ، نظر إليه والده نظرة حانقة ، ثم أشار بيده أن تعال إلى هنا ، اقترب الطفل من والده بحذر ، فجأة رفع الوالد يده إلى السماء ثم انقض بها على خد ابنه الصغير حتى استدار من قوة الضربة ، وضع الطفل يديه على وجهه و راح يرمقني بعينيه من بين أصابعه النحيلة ،لم أتمالك نفسي فوقفت أمام الوالد وطلبت منه الكف عن ابنه فليست هذه طريقة سليمة للتعامل مع طفل ! ، نظر إلي شزر وطلب مني عدم التدخل وقال: هو ابني وأعرف الأصلح له! ، ثم راح يحاسب طفله على إخفاقه في مادة الرياضيات ، يجلس الطفل بانكسار بين يدي والده ، لا يملك دفع كلمات والده الجارحة ، وبالكاد يحتمل جسده الغض الضربات المتتالية فهو لم يزل طفلاً على مشارف التاسعة من عمره، يشتد الوالد في حديثه إلى ابنه ، و يرمي أوصافاً مشينة مثيلات: (غبي ، ما تفهم ، الرياجيل أحسن منك ، شف ولد فلان مآخذ الأول على الفصل ، و لو أنك بنت أستر عليها كان أحسن ) وغيرها من الألفاظ التي أربأ بنفسي و بكم أن ذكرها، و الابن ينظر ذليلاً إلى الأرض و الدمع ينساب على خديه ، و لا يستطيع أن يجيب على أسئلة والده من شدة الحزن الذي يقبض لسانه ، عندها تدخلت و طلبت من الابن أن يذهب إلى والدته بعد أن أشرت إلى والده بحزم أن يتوقف!! ا.هــ

ما قرأتم لتو مأساة بما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، ولا تقولوا هذا الوالد شاذ في مجتمعنا ، لا لا يمكنكم قول هذا!! ، هذا الوالد أمثاله الكثير الكثير ، وأقسم أني أذكر ،إبان دراستي في المرحلة الابتدائية إذ كنت في مرحلة الأولى الابتدائي ، رأيت مشهداً لا يمكنني نسيانه ، رأيت و أنا ذاهب للمدرسة برفقة والدي ، أن أحد الآباء يقود ابنه من أذنه و ينهال على ظهره بالعقال ، لأن الابن لا يريد الذهاب للمدرسة!! تباً لك لم يزل طفلك صغيراً!!
وأعرف شاباً رائعاً دمث الأخلاق ، ناجحاً على المستوى الشخصي ، يشتكي من أمر يحز في خاطره ، وكاشفني به غير مرة وأنا لا أملك جواباً مقنعاً له ، يقول أن مشكلته مع والده فهو أبداً لا يستطيع أن يحبه ، لما سألته : لماذا؟ ، قال: كان يعاملني في الصغر كعامل لا ابن ، ولم أشعر لحظة أنه يبحث عن مصلحتي ، فقد يطلب مني الغياب عن المدرسة و أنا في الصف الثالث الثانوي من أجل أن أحمل الشعير للإبل ، وله أبناء غيري كثير ويمكنه الاستعانة بهم ولا شغل يشغلهم ، ولكنه يكرهني ويبدي هذا الكره علانية ولا يخفيه ، ودائماً ما يعاملني بقسوة غير أنها لا تعادل قسوة لسانه فلا ينفك يهزئ بي أمام الأجانب ، فهل يؤاخذني الله على كره والدي أم لا!؟
قبل أن أتحدث إليكم هنا ، تحدثت إلى مجموعة من الشيبان حول التربية المبنية على القسوة و الضرب المبرح ، فكلهم اتفقوا أن الأبناء في الزمان الأول أفضل من الأبناء في الزمان الحاضر ، والسبب أن الآباء يضربون أبنائهم ، حتى قال أحدهم المقولة المشهورة التي أجزم أن أكثركم يعرفها : (ما شفنا رجال يضربه أبوه إلا و ذب الريع ) ، هل هذا الكلام صحيح ، قبل أن نجواب لنسأل ما المقصود من النجاح في ذهنية القائل بهذه المقولة، من خلال كلام هؤلاء وضربهم للأمثلة بفلان و علان اتضح لي أنالمقصود بالنجاح المعبر عنه ( بذب الريع) هو النجاح الوظيفي ، يعني ( ملازم ، طبيب ، دكتور ، أستاذ ، أو صاحب تجارة) للأسف هذا هو النجاح عند أغلب مجتمعنا ، و لو كان هناك شاب مثقف و خلوق و صالح و لكنه جندي ، وفي المقابل هناك ضابط عديم الثقافة عديم الخلق فاسق لكان في نظر هذه الفئة ناجحاً .
فالخلل هو في تفسيرهم لهذا النجاح ، فهذا الشق الأول من الجواب ، بأنهم يرون بأن النجاح هو النجاح الوظيفي فقط ، وهذا خطأ يجب أن يشرح لأمثال هؤلاء ، نأتي على الشق الثاني من الرد حسناً لنفرض أن هناك شاب كان يضربه والده و يعامله بقسوة و نجح في حياته الوظيفية و كذلك هو على درجة مقبولة من الثقافة و الخلق و الدين ، ولكن أقسم لكم يا جماعة أن 99% من هؤلاء يعانون من أمراض نفسية بسبب هذه المعاملة القاسية من آبائهم أقلها الأرق و القلق و الرهاب الاجتماعي ، لماذا نرى شخصية اعتبارية في المجتمع لا يستطيع صاحبها أن يركب جملة كاملة مفهومة ، ولماذا نرى فلان التاجر لا يستطيع الوقوف أمام الناس والحديث ، ولماذا نرى بعض الرجال الكبار يشعرون بالقلق عند الجلوس في المجالس المكتظة بالناس!، و هذه مجرد أمثلة لا أريد بها الحصر ، ونختم بالقول أننا لا نسلم أن كل من ضرب نجح في حياته ، فالواقع يشهد أن أكثر الناس ممن عوملوا معاملة قاسية في حياتهم فاشلين في حياتهم ، و في المقابل نرى أن من تلقى عناية و تربية مستقيمة في صغره أكثر الناس نجاحاً و ثقة ، فنخلص إلى أن هذه المقولة ساقطة ولا يعتد بها .
نعود لقصة صاحبنا في أول المقال ، هذا الطفل ما مشكلته ، مشكلته مع مادة الرياضيات ، وقد يكون أخذ امتياز في جميع المواد إلا هذه المادة ، ومع ذلك والده حكم عليه أنه غبي ، على فرض أن الابن تلقى تعليم جيد في المدرسة التي يدرس فيها ، و على فرض أن المعلم أحسن في تعليمه و تقريب المادة للطلاب ، وهل الأذكياء في العالم هم فقط الذين يعرفون الرياضيات ، الأدباء الذين كتبوا أروع الروايات التي ترجمت لجميع لغات العالم هل يعرفون الرياضيات ، الأطباء الذين ينقذون الملايين من الموت هل يعرفون الرياضيات ، هل علماء التاريخ و الشريعة و الاجتماع يعرفون الجبر و الجذر و التكعيب و غيرها من موضوعات الرياضيات بالتأكيد لا ولا تلزمهم معرفتها ، ومع ذلك هم أذكياء غاية الذكاء و أثروا العالم باكتشافاتهم و معارفهم و تفخر بهم البشرية جمعاء ، فإذن الغباء لا يجوز أن نطلقه على أبنائنا لأنهم لا يعرفون الرياضيات .
فالضرب غير المنضبط و القسوة و المعاملة بالغلظة هذه في تصوري حيلة الجاهل و الكسول ، لأنها نعم تجعل الطفل ينصاع لوالده ، ولكنها تقتل شخصيته على المدى البعيد، خاصة اللطم على الوجه ، أشعر أن هذه اللطمة تكسر العزة و الأنفة في نفس الطقل وتعوده على الإهانة و الرضى بها ..
يا سادة .. تباً للدراسة و التفوق فيها ، إذا كان هذا التفوق لا يأتي إلا بعد الضرب و الإهانة ، أنا بذلك نعم قد أربح ابناً متميزاً ومنضبطاً في الدراسة، و لكني أفقده العزة و الأمن و الثقة ، ولا يعني مما تقدم أني أجرم الضرب إطلاقاً بل الضرب لا بد منه في بعض الحالات ، ولكن بعد أن نضبطه بالضوابط الآتية :
1- أن لا يكون مبرحاً ( يعني لا يجب أن يصل بالطفل للبكاء أو الألم الشديد ).
2- أن لا يكون في مواضع قاتلة أو تؤثر فيه على المدى البعيد كـ ( الرأس ، البطن ، الكليتين ، الصدر ، الأماكن الحساسة ، المفاصل ، العمود الفقري )
3- أن لا تكون في الموضع المنهي عنه شرعاً ( الوجه).
4- أن يكون في الأطراف فقط .
5- أن تخبره لماذا ضربته، وأن لا تباعد بين الخطأ و الضرب قدر المستطاع خاصة إذا كان طفلاً ، لأن طفل قد لا يعرف لماذا ضربته.
وختاماً ،فإن أساتذة التربية أوردوا الكثير من طرائق التربية ، و المصنفات المرقومة في هذا الموضوع لا تعد ولا تحص، منها المطول و المقتضب ، ومنها الصحيح و السقيم ، غير أني أقول بعد علم و يقين أن أعظم أسلوب في التربية ،هو القدوة ، بأن تكون أنت! قدوة لأبنائك فلا تقل لهم ناموا و أنت تسهر ، لا تقل لهم صلوا في المسجد و أنت تصلي في البيت ، لا تقل لا تشربوا الدخان و أنت تدخن ، ولا تقل لهم لا تشاهدوا المحرمات و أنت تشاهدها ، فكن قدوة لأبنائك صالحة ، و إذا ما ألجئت إلى العقوبة فلا تبدأ إطلاقاً بالعقوبة الجسدية ، إذ العقوبات في تصوري تنقسم إلى أقسام ثلاثة ( العقوبة المادية ، العقوبة النفسية ، العقوبة الجسدية ) ، فبعد أن نجرب العقوبة المادية مثل أن نحرمه من مشاهدة التلفاز ، ولم تجدي معه ، ننتقل إلى العقوبة النفسية مثل أن نرفض الحديث معه ، فإن لم تجدي معه أيضاً، ننتقل إلى العقوبة الجسدية بالضوابط التي ذكرتها آنفاً .. والله ولي التوفيق
للجميع التحية

التعديل الأخير تم بواسطة أبو ياسر ; 08 / 02 / 2012 الساعة 27 : 04 AM
رد مع اقتباس
   
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 28 : 07 AM.


جميع المشاركات ملك لكاتبيها
 
مجموعة ترايدنت العربية