الـرجم فـــي الأحـــــاديث
التطبيق التاريخي لحد الرجم:
ولكن ظلت هذه الروايات مجرد اقاصيص مؤلمة، اذ لم نجد في روايات التاريخ العباسي الموثقة ما يؤكد تطبيقها.. ولنأخذ علي ذلك مثلا بتاريخ المنتظم للمؤرخ الحنبلي الفقيه المحدث ابن الجوزي..هذا وقد راجعنا أجزاءه كلها (18 جزءا) فلم نجد فيه حادثة واحدة تفيد تطبيق حد الرجم.. مع عنايته الفائقة بالتفصيلات الفقهية التاريخية واحتفاله باخبار الفقهاء والمحدثين والوقائع الشرعية، اللهم الا حادثة يتيمة تعتبر دليلا لنا. وهي ان يهوديا زني بمسلمة مفهوم انها مُحصّنة، وكان اليهودي يعمل كاتبا لاحد اصحاب النفوذ واسمه ابن خلف. فقام صاحب الشرطة بضرب اليهودي عقابا له. فغضب ابن خلف وضرب صاحب الشرطة بحضور اليهود في يوم جمعة، فاشتدت ثورة الناس على ما حدث. وكان ذلك في بغداد سنة 336 ("المنتظم" 13 / 374 ) ولو كان هناك تطبيق لحد الرجم لأصاب اليهودي والمرأة.
وفيما عدا ذلك نتعرف علي تفصيلات كثيرة من "المنتظم عن محنة ابن حنبل وصحبه في موضوع خلق القرآن، وابتداء نفوذ الفقهاء والمحدثين منذ عصر المتوكل الذي اضطهد خصوم الفقهاء ("المنتظم جـ 11). وعلى النقيض من ذلك نجد تطبيقا لحد الردة، وهو حدّ مُختَرَع أيضاً، ولكن تم تنفيذه لظروف سياسية. وكان ذلك تعبيرا عن تأثر السلطة العباسية بنفوذ الفقهاء. فقد قتلوا أحد الشيعة لأنه يدعو الي مذهبه، وقال قبل ان يقتلوه: كيف تقتلوني وأنا اقول لا اله الا الله ("المنتظم" 17 / 39), وقتلوا ابن فقعس لأنه يشتم السلف وكان ذلك في رمضان 258 ("المنتظم" 12/136) . ولذلك يقول ابن الجوزي عن آخر شيوخ المعتزلة في القرن الخامس الهجري، وهو ابو يوسف القزويني (ت 488) أنه احد شيوخ المعتزلة المجاهرين بالمذهب الدعاة له، له تفسير القرآن في سبعمائة مجلد، وكان يفتخر ويقول: انا معتزلي وكان هذا جهلا منه لأنه يخاطر بدمه في مذهب لا يساوي " ("المنتظم" 17/ 21- ) وذلك دليل علي اضطهاد المعتزلة وقتها. والمستفاد من ذلك ان الفقهاء في عصر سطوتهم ركّزوا علي تطبيق حد الردة المزعوم في اضطهاد خصومهم الصوفية والشيعة والمعتزلة، دون اهتمام بتطبيق حد الرجم.. وظل هذا ساريا الي أن ظهر محمد بن عبد الوهاب في نجد والتجأ الي العينية وحاكمها عثمان بن معمر. وفي حوالي منتصف القرن الثاني عشر الهجري، قام ابن عبد الوهاب برجم امرأة اعترفت له بالزنا وارادت ان تتطهر طبقا لاسطورة الغامدية.. وبرجم هذه المرأة شاعت سطوة ابن عبد الوهاب في نجد ودخل في دعوته كثيرون..
ولذلك فان التيار السلفي الوهابي في عصرنا البائس يضع نصب عينيه تطبيق الحدود .. الحدود الزائفة مثل الرجم والردة…
واذا عرف السبب بطل – يا صديقي – العجب ..
ويبقى السؤال الاخير.. اذا لم يكن تشريع الاسلام وهو مصدر حدّ الرجم فمن اين جاء؟
هنا ننقل عن البخاري من "باب المناقب" حديثاً رقم 3560 يقول "حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم".
أي ان مجتمع القرود في الجاهلية سبق العصر العباسي في تطبيق حد الرجم ..
مساء الفل !!!!
احاديث الرجم في كتب اخري غير "الموطأ"
حكي مالك قصة اخري رواها ابن شهاب الزهري: أن رجلين اختصما للنبي، وقد زنى احدهما بزوجة الاخر. وقد حكم النبي – وفقا لهذه الرواية – بأن يجلد الابن مائة جلدة مع تغريمه عاما ، وان ترجم زوجة الرجل الاخر اذا اعترفت بالزنا.
ونقل الشافعي هذه الروايات عن مالك، واضاف عن مالك رواية اخري – ليست مذكورة اصلا في "الموطأ" – تفيد بأن عمر في خلافته امر برجم زوجة اعترفت بالزنا، وانتهى الشافعي الي ثبوت الرجم بكتاب الله وسنة رسوله وفعل عمر، مع انه لم يذكر آية قرآنية، وتحاشي ذكر الجملة المضحكة التي تقول (الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة) .
وفي باب (رجم المحصن) ذكر البخاري احاديث جديدة لم تذكر من قبل، بعضها نسب لعلي بن ابي طالب في خلافته القيام برجم امرأة علي ان ذلك سنة النبي، وحديث اخر عبارة عن سؤال الي احد متأخري الصحابة وهو عبد الله بن ابي اوفي، اذ قيل له: هل رجم الرسول قبل سورة النور ام بعدها؟ فقال: لا ادري. وهو حديث ينم عن جدل أثير حول افتتاحية سورة النور التي تؤكد علي ان الجلد لا الرجم هو عقوبة الزانية والزاني. وتدل على الشك في حكم الرجم بسبب ما جاء في سورة النور. وأحاديث اخري تفيد وقوع عقوبة الجلد لا الرجم علي رجل من قبيلة اسلم وآخر مجهول. وحديث (ماعز) الذي حقق معه النبي – فيما يزعمون – في كيفية ارتكابه الزنا، وقال له: لعلك قبلت او غمزت او نظرت، فقال لا، فقال له النبي – فيما يزعمون كذبا – عبارة بذيئة لا نستطيع كتابتها، وامر برجمه. وذكر البخاري صيغة اخري لحديث سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب الذي تعرضنا له، ولكنه نسب هذه الرواية المطولة لابن عباس.
أما مسلم في أحاديثه، فقد كرر احاديث البخاري في الزنا والرجم مع زيادة في التفصيلات – وهو عموما اكثر تفصيلا وتنظيما من البخاري. وقد اضاف مسلم قصة في رجم امرأة قال مرة انها الغامدية، ومرة اخري انها من جهينة. والقصة كفيلة بتشويه الاسلام وسيرة النبي عليه السلام. فالقصة تقول ان المرأة جاءت للنبي تعترف بالزنا وتطلب منه ان يطهرها بالرجم، وتعبير التطهير بالموت مصطلح مسيحي ليس له اصل في الاسلام، واعترفت بأنها حبلي، فأمهلها النبي – فيما يزعمون – الي ان تلد، فلما ولدت جاءت بالصبي في اللفائف، فقال لها اذهبي فأرضعيه حتي يفطم ويأكل الطعام، ثم جاءت له بعد فطام الطفل، فأمر بالطفل فكفله رجل من المسلمين، ثم امر بحفر حفرة لها الي صدرها، وامر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمي به رأسها فتطايرت دماؤها علي وجه خالد فشتمها خالد ، فقال النبي "انها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له".
هذه القصة المؤلمة حيكت خصيصا للاجابة علي سؤال فقهي، هو اذا كان حد الزنا هو الرجم، أي الموت، وليس الجلد كما في القرآن، فكيف اذا كانت الزانية المحصنة حاملا من هذا الزنا او من قبله؟ وهل يحكم عليها وعلي مولودها بالموت؟ لذلك جاءت الفتوي في هذا الحديث بإمهال المرأة الي ان تضع وليدها وتفطمه، وكأنهم بذلك قد أراحوا ضمائرهم حين يكفل الطفل آخرون بعد اعدام امه في تشريع ليس له اصل في القرآن او في الاسلام، ولم يعرفه الرسول عليه السلام.
وقد بدأ مالك بتدوين اصل هذه الحكاية قائلا ان امرأة اعترفت للنبي بالزنا وانها حامل من هذا الزنا، فامرها ان تاتي اليه بعد ارضاعه، ثم بعد ان تستودعه عند من يقوم برعايته، ثم جاءته فأقام عليها الحد، والمفهوم انه حد الرجم، وان لم يذكر انه الرجم. ثم اشعلت هذه الرواية خيال المؤلفين بعد مالك، حين تكاثرت قصص الروايات عن رجم رجال ونساء، كان من بينهم من اسموه ماعز ومن اسموها الغامدية. وأطال مسلم في حديث ماعز فوق ما ذكره البخاري، واضاف اليه ان الغامدية صممت علي ان يطهرها النبي بالرجم، وذكر القصة التي ذكرناها، ثم اضاف معظم القصة الي امرأة اخري من جهينة..
وفي تفصيلات قصة الغامدية التي هشم خالد بن الوليد رأسها بحجر ثم شتمها، يروي صانع القصة ان النبي قال لخالد وهو يعاتبه – فيما يزعمون – " لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " .وصاحب المكس هو من يجمع الضرائب عند المنافذ التجارية. او بتعبير عصرنا هو رجل الجمارك .
وقد ورد هذا المصطلح في الانجيل مقترنا بالظلم "المكاسون" او "العشارون". وهو مصطلح ساد في الشام قبل الاسلام، وبعد الفتوحات الاسلامية. حيث اقتضت الظروف السياسية والاقتصادية وجود موظفي الجمارك. وهو مالم تعرفه الجزيرة العربية مطلقا قبل الاسلام او في عهد النبي عليه السلام، ولم تعرفه اللغة العربية حينئذ، وليس من مصطلحات القرآن ، مع احتواء القرآن علي الفاظ غير عربية، أي ان هذا الحديث قد تم اختراعه في عصر الخلفاء غير الراشدين، حيث عم الظلم واصبح صاحب المكس ممثلا لظلم الدولة. ويستحق ان يتطهر بالقتل، مثل بطلة " فيلم " " الغامدية "…!!!؟؟
واخذت هذه القصص والروايات سبيلها للتدوين في كتب الاحاديث اللاحقة لتصبح احد معالم التشريع للمسلمين، خصوصا وقد احتفل بها الوعاظ والقصاص مع الفقهاء، واصبح الجميع يرددونها علي انها "حق". ويؤكد هذا "الحق" التطبيق العملي الذي راح ضحيته رجال ونساء تم قتلهم بتشريع ما نزل الله به من سلطان.
وندخل بذلك على الحق القرآني الذي ينفي عقوبة الرجم، او ما يسمى بحق الرجم.
أكذوبة الرجم الغت تشريعات القرآن في عقوبة الزنا
عقوبة الرجم للزاني والزانية لم تأت في القرآن، وان كانت قد جاءت في التوراة الموجودة لدينا. وتأثر المسلمون بذلك فأضافوا عقوبة الرجم لجريمة الزنا في حالة الاحصان او الزواج، وقد انشغل الفقهاء بأحاديث الرجم التي الغت التشريعات القرآنية الخاصة بعقوبة الزنا، بحيث اصبحت تلك التفصيلات القرآنية مجهولة.
وقد جاءت عقوبة الزنا في القرآن علي النحو التالي:
الزانية والزاني اذا ضبطا في حالة تلبس، فالعقوبة مائة جلدة امام الناس. بذلك بدأت سورة النور بافتتاحية فريدة ترد مقدما علي اولئك الذين يتجاهلون وضوح القرآن وبيان تشريعاته. يقول تعالي في تلك الافتتاحية الفريدة { سورة انزلناها وفرضناها وانزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون}. وبعدها قال تعالي مباشرة { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.
ومن الصعب اثبات حالة التلبس في جريمة الزنا، ومن الصعب ايضا ان يحدث إقرار بالوقوع في الزنا ينتج عنه عقوبة الجلد. ولكن من السهل ان يشاع عن امرأة ما بأنها سيئة السلوك، وتتكاثر الشواهد علي سوء سمعتها. وحينئذ لابد من عقاب مناسب بعد الإشهاد عليها بأربعة شهود بأنها من اللاتي (يأتين الفاحشة) ولكن لم يتم ضبطها. وذلك العقاب ليس الجلد، وانما هو عقاب سلبي. يكون بمنعها عن الناس ومنع الناس عنها الي ان تموت او تتزوج وتتوب، يقول تعالي (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتي يتوفّاهُنّ الموت او يجعل الله لهن سبيلا) النساء 15. وبمجرد اعلان توبتها، يطلق سراحها او تتزوج، فقد تخلصت من وصف اللاتي يأتين الفاحشة.
وجاءت تفصيلات القرآن بعقوبة الجارية المملوكة، اذا وقعت في الزنا. فإن كانت الجارية تحت سيطرة سيدها او يجبرها علي ممارسة البغاء فليس عليها عقوبة، اذ انها لا تملك حرية الاختيار. يقول تعالي (ولا تكرهوا فتياتكم علي البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا، ومن يكرههن فان الله من بعد اكراههن غفور رحيم) النور 33.
واذا تزوجت الجارية وتحررت من سيطرة مالكها ووقعت في جريمة الزنا فعقوبتها خمسون جلدة أي نصف ما علي المتزوجات الحرائر اذا وقعن في الزنا، ( فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما علي المحصنات من العذاب ) النساء 25.
وقد تكون الزانية زوجة مطلقة لا تزال في فترة العدة، ومن حق المطلقة في فترة العدة ان تظل في بيت الزوجية، ولكن تفقد هذا الحق اذا وقعت في الزنا، وحينئذ يكون من حق زوجها ان يطردها، ولكن بشرط ان تكون جريمة الزنا مثبتة حتي لا يتاح لزوجها ان يتجنى عليها بالباطل. يقول تعالي عن تلك الزوجة المطلقة (لا تخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة، وتلك حدود الله) الطلاق 1.
|