المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرني: صراع علماني إسلامي على الثقافة السعودية


ابو مي
11 / 10 / 2004, 06 : 06 PM
حاوره: ياسر باعامر وسلطان حمزي
لمشاهدة مشاركات هذا القسم يجب ان تكون مشاركاتك 10 أو أعلي. عد مشاركاتك حالياً 0 .


الملتقى الأول للمثقفين السعوديين الذي اختتم أعماله بالرياض، شهد جدلا حامي الوطيس؛ فالتجاذبات الفكرية والثقافية بين التيارين الإسلامي والعلماني انتقلت من مرحلة غفوة في الساحة الثقافية إلى بروز ثائر في خضم مناقشات الملتقى.. وللاقتراب من المشهد كاملا التقينا مع رجل من رجالات الفكر والثقافة والدعوة يحمله المثقفون الحداثيون هم انحسارهم في المجتمع.. ويحمل هو على عاتقه هم تأكيد الهوية الإسلامية في الثقافة المحلية والعربية.. تحاورنا مع الشيخ الدكتور عوض بن محمد القرني المشرف العام على مجلة الجسور الذي حاور الملتقى وتفاعل مع أروقته ومناظراته.. فكان هذا الحوار.
أول تجربة ليبرالية.. شعارها الإقصاء!
** سنبدأ معك عن تصوراتك الشخصية للملتقى الأول الذي اختتمت أعماله مؤخرا بالرياض؟
- في الواقع جميع حملة الفكر وأرباب الثقافة استبشروا كثيرا باتجاه وزارة الثقافة إلى تحويل العمل الثقافي إلى عمل مؤسسي منهجي، وظنوا أن هذا المؤتمر سيكون نقلة غير عادية وأنه سيرتقي بها على أسس دقيقة عميقة من أصالتنا وقيمنا وعقيدتنا، مع استيعاب مستجدات العصر، ولكن ظني أن كل المشاركين في الملتقى أيا كانت توجهاتهم خرجوا بخيبة أمل، إن صحت العبارة، والذين نشروا في الصحافة الآن يؤكدون ما أشير إليه؛ فالملتقى بدلا من أن ينمي الثقافة ويوجد لها آفاقا جديدة وأبعادا متميزة فيضيف لها إضافات ذات قيمة حقيقية على مستوى المؤسسات أو الأنظمة أو الممارسات أو الطروحات فوجئنا به يغرق إلى أذنيه في المشكلات الموجودة والقائمة عن الثقافة وتحولت أوراق العمل وجلسات المؤتمر إلى بكائيات حزينة وإحباطات مفرطة ويأس قاتل، وبالتالي فكل من جاء بآمال وطموحات عظيمة إلى المؤتمر خرج بانطباع نقيض لذلك وربما خرج البعض بنظرة شفقة ورحمة لهؤلاء المثقفين المساكين، وحتى ما كان من اقتراحات أو توصيات ما هي إلا إكسسوارات تجميلية لهذا الإحباط وهذا اليأس وهذه الشكوى المريرة.
** وهل تعتقد أن الأوراق المقدمة في المؤتمر كانت مسيسة تحمل أجندة معينة أو تخدم بصريح العبارة التيار الليبرالي في المملكة؟
- أنا لا أقول مسيسة بالمعنى الدقيق لكلمة السياسة، لكنها كانت مؤدلجة؛ فالعلمانيون على اختلاف تياراتهم واتجاهاتهم استبعدوا التيار الإسلامي تماما من هذا اللقاء إلا بعض الروتوشات التجميلية لرفع العتب، وهذا المنحى الذي نحوه انعكس على عدة جوانب في المؤتمر؛ فأولا حرموا من الحضور؛ لأنه ليس لهم جماهير، ولو دعيت بعض الرموز الإسلامية للمشاركة لكان هناك جماهير. ثانيا بسبب هذا النفس المؤامراتي الإحباطي الذي يعيشونه كانت لجنة التوصيات تعمل بالخفاء على خلاف الملتقيات، فعادة التوصيات أن تؤخذ من مقرري الجلسات الذين يستقونها غالبا من المداخلات، وقد حضرت الجلسات فما رأيت من يكتب من مقرري الجلسات إلا في جلسة واحدة والبقية كانوا جالسين وبعضهم تحول إلى متحدث مشارك ويستعرض مع أصحاب الأوراق أيضا رأيه.. وكأن التوصيات طبخت بليل ثم عرضت على الناس دون أن يؤخذ رأيهم فيها فكان أمرا عجيبا.
** إذن ما الذي تراه أنت؟
- أرى أنهم يزعمون أنهم أصحاب الديمقراطية ودعاة الحرية والليبرالية، وهذه أول تجربة حقيقية لهم على الساحة السعودية يتجمعون فيها شبه منفردين بصورة علنية؛ فكان شعارها الإقصاء ولافتتها السرية والطبخات الخفية الظلامية.
** هل تتهم الأمانة العامة في المؤتمر بأنهم لعبوا هذه اللعبة الإيديولوجية؟ - أنا لا أتهم أحدا بعينه، أنا أتحدث عن حقائق كانت تجري أمام أعيننا على الأرض، فمثلا لم يدع من التيار الإسلامي المعروف إلا أعداد محدودة جدا، فحضورهم في الملتقى كان هامشيا، ومن حضر منهم حضروا كضيوف ولم يحضروا كمتحدثين، والأكثرية حضروا كجمهور وبدون دعوة.
** لكن هناك من قدم أوراقا من الإسلاميين كالدكتور عبد الله العبيد، والدكتور حسن الهويمل، وهناك من كان منهم مقرر جلسة ورئيس جلسة، ماذا تقول في ذلك؟
- نعم صحيح... لكن هل تقارن ثلاثة من واحد وخمسين ورقة؟! والبقية عدد قليل جدا جاءوا كضيوف مستمعين أو جاءوا بدون دعوة أصلا، وأكون صريحا أنا من الذين وجهت لهم دعوات رسمية فلم يؤمن لي سكن كما أمّن لجميع الضيوف ولم ترسل لي تذكرة بينما غيري (له معاملة مختلفة)، مثلما قال محمد رضا نصر الله في إحدى الصحف نحن نستأذن لهم -في إشارة إلى الضيوف- من عملهم ووظائفهم التي هم فيها، كل هذا يوضح أن هناك طبخة تعد لهذا الأمر.. لكن أرجو أن يكون هذا الدرس للعقلاء درسا جيدا فالفشل الذي خرج به الملتقى أرجو أن يجعل هؤلاء يراجعون أنفسهم.
من يمثل الثقافة السعودية؟
** هذا الملتقى يقام الآن تحت مظلة وزارة الإعلام والثقافة؛ وهو ما يعني تمثيل الوطن السعودي بكامله.. فهل وزارة الثقافة والإعلام عندما دعت هذه الشريحة من المجتمع هي نكست في أن تعرف أن الوضع في المملكة العربية السعودية يميل للثقافة الإسلامية في أغلبه فدعت القلة وتركت تمثيل الشريحة الأكبر؟
- أنا في الحقيقة لا أريد أن أدخل إلى النيات والمقاصد. وأؤكد مرة أخرى أنني أتحدث عن أخطاء كانت مشاهدة لا تخطئها عين مراقب؛ فابتداء في الإعداد للمؤتمر والأوراق المناقشة في الملتقى لا نعلم كيف أعدت، ثم بعد ذلك الطرح الذي كان موجودا كان يتلخص في 3 نقاط في الجملة، الهجوم على المجتمع بكل قيمه ومسلماته ابتداء من أول ورقة عمل إلى آخر شيء، وهي محاضرة الدكتور غازي القصيبي والتي نال فيها من المجتمع بما لم ينل أحد قبله. المحور الثاني الهجوم على المؤسسات الرسمية، وكان هذا الهجوم إما على الإدارات الصغرى المسئولة عن المناشط المختلفة مثل الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون ووزارة الثقافة والإعلام وكذا وكذا أو على المؤسسات الحكومية بشكل عام كما فعل الدكتور القصيبي في محاضرته أو كلمته، ويمكننا أن نقرأ بعض الكلمات من هذه المحاضرة. والأمر الثالث هو الهجوم على المؤسسة الدينية، الهجوم على الإفتاء وعلى المفتين على اللجنة الدائمة للإفتاء على هيئة كبار العلماء وعلى التيار الديني. بشكل عام هذا هو الخط العام للملتقى وهناك بعض الاستثناءات العاقلة الواعية، ولكنها محدودة.
** قلت في إجابة سابقة إن الملتقى هدف إلى القضاء على قيم المجتمع ومسلماته، نريد براهين، أدلة، حتى لا ترمى التهم جزافا؟
- صحيح هذا، خذ مثلا: عندما تقول بعض المشاركات ينبغي أن يقدم العقل على النقل، وعندما يقولون إن العقبة في سبيل الثقافة هي المجتمع المحافظ، ويقول أحدهم إن الفتوى هي التي عاقت نمو المسرح، بل ويفتي هو بقوله مع أنه لا يوجد أي شيء يحرم أن تمثل المرأة مع رجل أمام الجمهور على خشبة المسرح.. نعم فهذه بعض الأمثلة لحقيقة ما كان يدور في الملتقى حول ثلاث القضايا؛ الهجوم على المجتمع، وعلى المؤسسات الرسمية، وعلى المؤسسات الدينية سواء كانت شعبية أو رسمية ورموزها وتجلياتها الاجتماعية والحياتية هذا كان بارزا وواضحا أمامنا.. فهل تعي وزارة الإعلام هذا الأمر؟ وهل اختطف الملتقى منها؟ أسئلة ننتظر لها إجابة.
** من خلال حضورنا في الملتقى انحصرت الثقافة في المفهوم الليبرالي على المسرح والموسيقى وتأمين الحياة الاجتماعية الكريمة للمثقف.. تقريبا كل أوراق العمل كانت حول هذا فما هي الثقافة في مفهوم الإسلاميين؟
- طبعا أنا لا أريد أن أدخل في الحديث الطويل عن معنى الثقافة والتعريف اللغوي والاصطلاحي، لكنني أقول إن ما ذكره أصحاب أوراق العمل هو إما قضايا شخصية أو فئوية يعني قضايا معيشية أو قضايا مكاسب فئوية أو شخصية، والجانب الآخر الذي يمكن الإشارة إليه في هذا المقام أن الكثير من المتحدثين استبعدوا المحتوى والجانب المعرفي وركزوا على وسائل، ركزوا مثلا على الوسائل التي تخدم التشكيليين أو المسرحيين أو النشر ولم يتحدثوا عن المحتوى عن الرسالة عن اللب عن حقيقة الثقافة، الثقافة التي يمكن أن تمارس على خشبة المسرح في صحراء أو في شاطئ أو تلك التي كان يمارسها شاعر على ظهر جمل في عكاظ أو على ظهر حصان في الجزيرة العربية أو الثقافة التي يتعاطاها شاعر في بغداد أو في دمشق أو في الأندلس أو كاتب ومؤلف في الظاهرية أو النظامية أو غيرها هذه لم يلتفت إليها.. حتى القضايا اللائحية والبرامجية والتخطيطية لم يلتفت إليها.. فهم غرقوا كما قلت في مشكلات الآليات والوسائل الموجودة حتى لم يقترحوا وسائل ولا آليات جديدة.
-* سنفترض أن الملتقى سيطر عليه الليبراليون، السؤال لماذا كان الحضور الإسلامي قليلا جدا مقارنة مع الأسلوب الدعائي الذي كان مشهودا قبل وأثناء الملتقى، فأين كان هؤلاء؟
- كما قلت؛ التيار الإسلامي لم يدع واستبعد في الجملة، لكن الدعوة كانت عامة ثم كان الحضور (من الإسلاميين) بعد ذلك لمن لم يدع كان محدودا، والبعض يرى أن هؤلاء -في نظره- أناس هامشيون لا يقدمون ولا يؤخرون، ولقد ألفناهم من عشرات السنين في منتدياتهم يحاورن أنفسهم ويتحدثون مع ذواتهم، وبالتالي لا يضيع الإنسان وقته في الحضور والبعض الآخر ما كان يعلم والبعض حضر ولم تتح له الفرصة في المداخلة أو المشاركة فانسحب، والأمثلة كثيرة على هذا، لكن على كل حال هذه مجرد تفسيرات؛ لأنني لا أعلم لماذا كان الحضور محدودا.
** قد يكون هذا السؤال مهما في نظر البعض.. من يسير المسار الثقافي في المملكة حاليا؟
- لو افترضنا أن ما حصل في ملتقى الثقافة والمثقفين حقيقيا فالذي يسير الثقافة هو التيار المستغرب بجميع أقسامه.. وهو يذكرني بقوى اليسار التي كانت تعمل تحت لافتات الحداثة قبل 15 سنة أو 20 سنة وكيف ما زالت تجري أساليبهم القديمة وإلى الآن هي المكونة لخرائطهم الذهنية في التعامل مع الآخرين، حتى بعد أن أصبحوا قشرة ليبرالية؛ فأقول بناء على ما كان في الملتقى وإذا افترضنا أنه صحيح فالتيار المستغرب هو المسئول عن الثقافة أو الذي يمثل الثقافة، لكننا إذا عدنا إلى حقائق الأمور فهم مجموعات قليلة جدا تحاور ذواتها وتعيش في صالوناتها، أما الثقافة الحقيقية المتغلغلة في أعماق الشعب النابتة من جذوره وأصالته والمعبرة عن همومه وتطلعاته والتي يستجيب لها ويتجاوب مع طروحاتها فهي الثقافة الإسلامية الوسطية المعتدلة.
الملتقى والتصورات الانطباعية
** نعلم أن لديك انطباعا حول محاضرة معالي الدكتور غازي القصيبي، فما هي هذه الانطباعات؟
- أولا الدكتور غازي القصيبي قال كل شيء ولم يقل شيئا... كيف؟! قال كل شيء يريد أن يقوله هو ولم يقل شيئا مما كان ينتظره المستمعون عن تنمية الثقافة والتي جاءوا من أجلها، وكان الاحترام للمستمعين الذين جاءوا من أجل عنوان معلن عنه أن يكون الحديث فيه أو أن يعتذر أصلا عن الحضور ويدع غيره يتحدث، كنا ننتظر حديثا عن التنمية الثقافية فكان الحديث أولا عن إعلان الحيرة أمام مصطلح التنمية، وهل نتوقع أن الناس سيصدقون حتى لو كان حقيقة أن رجلا تقلّب في العديد من الوزارات وتنقل في العديد من السفارات ودرس سنين طويلة في الجامعات وملأ رفوف المكتبات بكتبه وإنتاجه أنه لا يعرف معنى التنمية وأنه عاجز عن معرفة معنى الثقافة، أما كان يستطيع حتى أن يقارب مقاربة كما قارب غيره من تلاميذه الذين سبقوه في الحديث؟ ثم ليته -تأسيسا على هذا العجز وهذه الحيرة- قال أنا لن أتحدث عن الثقافة على المطلق لكنه عاد ليؤكد أنه ليس لدينا ثقافة، ولا أعلم على أي أساس كان هذا الحكم ما دام لا يعرف الثقافة؟ فكيف يزعم أنه لا توجد لدينا ثقافة ثم عاد يناقض نفسه مرة أخرى فنال بصورة قاسية مما نظن نحن أنه ثقافة لدينا؛ فهاجم المؤسسات الرسمية والمؤسسات الشعبية والأدباء والمفكرين ولم يبق أحدا على الإطلاق، ولا أدري هل هو يريد أن يقول في النهاية (الكل إذا انتهوا فلن يبقى إلا أنا) أو ماذا كان يريد أن يقول؟ أنا أعلم أن الدكتور القصيبي مثقف كبير وذكي فماذا كانت غايته؟ ثم بعد ذلك أيضا لم يقف الأمر عند هذا بل جرت المحاضرة على نسق سابقاتها من أدوات من جلد الذات والبكاء على الأطلال والهجوم على المجتمع، كنت أتمنى أن الدكتور القصيبي وهو يحدثنا عن الصورة المأساوية للثقافة لدينا كنت أتمنى وهو من رواد الثقافة وكهولها وشيوخها ومن أكثرهم إنتاجا وحضورا أن تكون هناك بارقة أمل على نقد الذات والحوار مع الذات والشفافية، كنت أتمنى أن يحدثنا عن دوره ونصيبه في تكوين ما ذكره من مشهد ثقافي مأساوي كئيب.. لقد هاجم الدكتور القصيبي ثقافة الأيديولوجيا ثم تحول على المنبر إلى منظر أيديولوجي، لقد نفى الجميع واستبقى نموذجا ليبراليا بحدود مزاجية وشخصية يضعها هو.. وعندما يقول الرقابة تقتصر على الثوابت التي لا خلاف عليها بدون مركب نقص ولا جنون عظمة، هذه عبارة عامة، من الذي يحدد هذه الثوابت؟ وما هي هذه الثوابت؟ مثلا في هذا الملتقى منا من يرى أنه ليس من الثوابت أن تختلط المرأة بالرجل الذي ليس بمحرم لها ومن غير حجاب، ومنا من كان يرى أن منع ذلك من الثوابت، فمن يحدد هذه الثوابت؟ أرجو أن تتاح لي الفرصة لتأملات أطول وأعمق في محاضرة الدكتور غازي القصيبي التي قال عنها في آخر كلامه إن البلابل لا تغرد وهي سجينة الأقفاص، والمياه لا تعزف سيمفونية الخرير وهي حبيسة في الخزانات، والأغصان لا تشنف الآذان بالحفيف وهي مشدودة إلى الجذوع، هل نستكثر إذا على مبدعي الثقافة حقوقا قد قضت سنن الخالق العظيم في خليقته أن تتمتع بها الحيوانات والجمادات؟ هل يريد منا الدكتور أن نعيش حرية الحيوانات المطلقة وافتقاد الجمادات إلى المشاعر والعقول والتفكير؟ لا أظنه يريد ذلك وإن خانه التعبير.
** هل يمكن أن تكون محاضرة معالي الدكتور القصيبي تساير هذه الصورة التي رسمتها عن الملتقى؟
- نعم.. وعلى نفس تردداتها جرت عليها الأبحاث وأوراق العمل السابقة من البكاء والنحيب والتضجر والألم وكنت أتمنى على المؤتمرين -وقد اقتصروا على خاصة أنفسهم وداروا في فلكهم- أن يطبقوا المثل الذي يقول: "بدلا من أن تكثر من لعن الظلام عليك أن توقد الشمعة"، لقد كان مؤتمرهم لعنا للظلام من وجهة نظرهم لكنهم لم يوقدوا شمعة واحدة.
** هل كانت محاضرة القصيبي تصفية للحساب مع الإسلاميين؟
- نعم كانت نوعا من تصفية الحسابات مع التيار الإسلامي بشكل عام وحتى مع النظام السياسي، والغريب أن الدكتور القصيبي كنت أفترض فيه كرجل سياسي أنه سيراعي موقعه وموقفه، ومهما كانت خياراته وقناعاته فلا يعلن انحيازه الواضح وتهجمه الشخصي على بعض الحاضرين أمامه، مع أن الإصرار الذي كان سببا لتهجمه صدر من سنوات وسئل قبل ذلك عنه في مرات سابقه وما تكلم بمثل هذا الكلام، لكن كونه يتكلم بهذه الصورة وبهذه الكيفية، هذا مؤشر على كما قلت بأن هناك طبخة تعد، ولعل هذا صورة من صور الرهانات العلمانية في المنطقة على الدور الأمريكي والعصر الأمريكي.
الحراك العلماني في الملتقى
** هل يمكن الربط بين الوجود الأمريكي في المنطقة، وبين الرسائل التي يمكن أن توجه من الحراك العلماني في الملتقى؟
- أنا ظني أن الحراك العلماني في المنطقة العربية بشكل عام والخليج بشكل خاص في جميع صوره وتجلياته إنما هو بعض مظاهر الرهان العلماني اليائس على الوجود الأمريكي في المنطقة، وهو يرى أن الوجود الأمريكي فرصة تاريخية له، وإذا لم يتمكن في خلال هذا الوجود وفي ظل هيمنته وتهديداته ووعوده وإرعاده واتهاماته ومطالباته في تغير المناهج والتعليم والقيم والعمل الخيري وحصاره الشديد على الأمة، إذا لم يتمكن العلمانيون من إيجاد جذور لهم في المجتمع، فلن يتمكنوا بعد ذلك أبدا. بشكل عام الحراك العلماني في الملتقى وهزاله في الطرح البائس المحبط في ظني أن أمريكا لن تقتنع بهؤلاء الناس.
** يمكن أن نصور الأمر أن العلمانيين يعتقدون أنهم مقصون، وكرد فعل من العلمانيين أقصوا فيها التيار الإسلامي في الملتقى، كيف تعلق على هذا الأمر؟
- كل مجتمع في هذه الأرض له معتقدات وقيم أخلاقية وقوانين يحتكم إليها، ومن خرج عن إطارها فهو خارج عن المجتمع، أكثر مجتمعات الأرض حرية لا بد لها في النهاية من حدود يقف عندها ولا يقبل أن يتجاوزه، ونحن مجتمع لنا معتقدات ولنا قيمنا ولنا أخلاقنا ولنا شريعتنا الحاكمة لحياتنا ويجب أن يحرص عليها كل فرد في هذا المجتمع ويجب على كل من ارتضى أن يعيش في هذا المجتمع أن يلتزم بهذه المحددات التي ارتضاها المجتمع نفسه، وإذا كان أحد من الناس له قناعاته الفكرية على خلاف هذا فتبقى قناعاته له، ولم نؤمر أن نشق على الناس قلوبهم لكنه لا يجوز لهم أن ينتهكوا المحددات العقدية والقانونية والأخلاقية التي جعلها المجتمع لتنظيم علاقته وضبط حدود حركته، إذا لم يرتض ذلك الفرد هذا المجتمع ولا قيمه، فعليه أن يبحث له عن قيم أخرى يتفق معها.
** عفوا هل أنت تعد نفسك عدوا للعلمانيين؟ - أنا عدو للعلمانية وأشفق على العلمانيين، فأما العلمانية كمبدأ فأنا عدو لها لأنها عدوة للدين. وليس معنى عدو للعلمانية أنني أسعى لاجتثاثها من الأرض بأي وسيلة؛ فأنا لا أملك هذا ولم أكلف حتى بذلك شرعا؛ حيث إن ذلك فوق قدرتي، لكني عدوا لها، بمعنى أنني أرفضها ولا أقبل بها ولا أعتقد أنها الخيار الوحيد للإنسان، ثم إذا كان المجتمع في جملته يرفض العلمانية فمن حقه ألا يسمح بأن تؤذيه في معتقداته وقيمه وأخلاقه، نعم للإنسان الحرية في أن يعتقد ما يريد وأن يفكر كيف يريد وله حرية الفكر والاعتقاد لكن ليس له حرية التعبير والعمل التي تقوض أسس المجتمع القانونية أو الأخلاقية أو القيمية القائمة على عقيدته التي ارتضاها، وبهذا الاعتبار العلمانية أنا لا أقبل بها كخيار حياة لكنني أيضا مستعد أن أتحاور مع العلمانيين في كل قضية في كل موضوع وأن أطارحهم الدليل والحجة والبرهان ومستعد أن أصبر عليهم طويلا، فإذا جاءوني بحق في أي قضية قبلته، والحق ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
** منذ زمن، والإسلاميون يرفعون شعار الدفاع عن إسلامية الدولة لكنهم لم يقدموا جديدا للثقافة، ولا يريدون أن يقدم أحد شيئا من هذا القبيل، كالتيار العلماني؟
- ولو نظرنا من الجانب الثقافي قبل أربعين عاما لرأينا أن الثقافة تتطور تطورا متناغما مع التطورات المختلفة في جوانب المجتمع الأخرى وهذا أمر طبيعي وبالتالي: نعم نحن لم نقدم رؤية إستراتيجية مستقبلية تتجاوز وتحرق المراحل والزمن، هذا صحيح، لكن الإسلاميين كانوا فاعلا رئيسيا في الحراك الثقافي في البلد والنمو الثقافي باعتبارهم الأكثرية بين المثقفين، أما أننا لا نريد أن يقدم غيرنا فلا.. إذا جاء غيرنا فقدم إستراتيجية حقيقية تنبع من أصالتنا وخصوصيتنا وتستوعب منجزات العصر المشتركة بين بني الإنسان فنحن سندعمها بكلل ما أوتينا من قوة ونؤيدها بكل ما نستطيع.. ثم على أي أساس تمت هذه الانتقائية في الملتقى فكان المثقف هو الذي ليس له ثقافة دينية ومن ليس له تخصص شرعي.
** الإسلاميون يرحبون بكل خطة إستراتيجية وبكل شيء من هذا القبيل لكنهم في المقابل يحرمون أي وسيلة تأتي من الغرب وبدون النظر إليها كالمسرح مثلا؟
- هذا الكلام لا يقول به إلا من يجهل حقيقة موقف الإسلاميين؛ فالإسلاميون لا يحرمون كل وسيلة بل يعتقدون أن الوسائل بالجملة –طبعا هناك استثناءات- شيء مشترك وأنها وسائل، المهم ما هو المحتوى وما هي الغاية وما هي الرسالة وما هي الوظيفة التي تؤديها الوسيلة.. فمثلا المسرح؛ أنا لا أعلم بالجملة أن من الإسلاميين من يحرمه لكن ما هو المحتوى والوظيفة الأخلاقية والاجتماعية التي يقدمها المسرح، المسرح خشب وستائر وديكور وجدران لا أحد يقول إن هذا حرام على الإطلاق، لا يمكن أن يقول هذا أحد على الإطلاق، لكن ما الذي يتم على المسرح من تجسيد وتعبير عن قيم أخلاقية وجذور عقدية وممارسات سلوكية وآراء سياسية هذا هو المهم الذي يتم القبول أو الرفض له.