المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة طفل مجروح لوالد مأسور


القعقاع 1
28 / 03 / 2004, 51 : 12 AM
جلس متكئا واضعا يديه على خديه ..
يطلق بين الحين والآخر زفرة تتبعها أنة .. تترجم لي بصدق طاهر لا يعرف الزور والخداع ما يكنه قلبه وما يخفيه صدره ، وترسم لي بريشة حزينة صورة ناطقة لذلك الجرح الذي ينزف .. تلك الصورة التي لا تحمل سوى اللون الأسود القاتم ، صورة خالية من ألوان الطيف المشرقة أو حتى من إطار يزينها ..


لم أكن لأفهم تلك الصورة أو تلك ألانه لولا شعوري بحرارة تلك الزفرة ، وصدق تلك الدمعة وجرح تلك الصورة ..

هو طفل .. له عينان تحملان كل معاني الحب الأصيل يشع منهما نور الوفاء الأبدي .. يجول بناظريه على الزوايا التي حوله .. ماسكا بورقة يضمها إلى صدره ويطبع عليها بين الفينة والأخر قبلة حارة تصل إلى عمق تلك السطور لتخالط تلك الحروف التي خطت على تلك الصفحة البيضاء لتزهر من جديد وتبعث بريح العبير الذي يملا تلك الأركان ..

له نظرات بريئة لا تعرف من القسوة إلا اسمها ومن الحقد إلا حروفه ومن الدنيا إلا خيرها ..

اخذ ذلك الطفل يستشعر بيديه شيء ما وكأنة يبحث عن غال قد فقده أو عزيز غاب عنة أو عن كلمة تقال له أو قبلة تطبع على خديه أو حتى ضربة تلامس جسدية أو عن حنان كان يتذوقه بلسانه وشفتيه .

بدأ يعيد شريط ذكرياته مع أبية ، كيف كانت وكيف مضت ؟

تذكر والدة حينما اخبره بأنة ذاهب للجهاد في سبيل الله .. بدأت كلمات والدة تتردد في أذنه حينما قال / يا بني: أنا لم أتركك بغضا فيك أو زهدا بك أو عدم حبا لك لا والله فحبك اكبر من أن يرسم أو يصور أو حتى ينطق ، ولا تظن أبدا أن مشاعر الأبوة في داخلي غير موجودة أو أنها قد تصحرت بعد أن كانت واحة غناء تعطيك أطيب الكلمات و أحلى العبارات بل على العكس ، كنت أتمنى أن أراك تكبر أمامي شيئا فشيئا .. أبث فيك روح الأمل وصدق العمل .. ولكن رضا الله عز وجل مقدم على كل شيء ..

يا بني : اتق الله في سرك وعلنك ، واعتصم بحبل ربك ، وغذي قلبك بإيمانا صادقا يخالط روحك وجسدك ، ولا تنسى أبا رأى فيك ماض قد رحل ويوما قد اكتمل ومستقبلا قد اقترب ..

يا ولدي / أنت شمسي وقمري ، أنت روحا يداعبني ، أنت أزهار تثمر فيني ، أنت درعا من الشرور يحميني ، أنت دموع تجري في عيوني وضحكة ترتسم على وجهي ودما تسري في جسمي وبين عروقي ..

يا بني / كن رجلا يعتمد عليك وحينما تكبر لا تتنكر لي ، ولا يخدعك شخصا ما ويقول لك هذا إرهابي أو هذا عاص لله ولم يبالي ، ثق أن الجهاد شريعة أوجبها خالقي وحث عليها رسولي .. ثم وطبع الوالد على خدي ابنة قبلة حارة .. ) في تلك اللحظة نظرت إلى ذلك الطفل ودموعه على خده تسير انهار وابحرا تجري ثم بدأ يتلمس تلك القبلة علة يجدها في مكانها لتعيد له ذلك الحنان الأبوي الذي فقده .

مسح دموعه حينما تذكر والدة يقول له ( كن رجلا ) وحينما دخلت علية اخذ يكلمني بصوت مبحوح ، عبراته تسبق كلماته وآهاته تسبق حروفه تغص في حلقة وكأنها عاجزة عن الخروج لتصطف على ارض الواقع .. عجز عن الحديث فأمسك قلمه وورقته وبعد أن أسقى قلمه دموع عينة ودم قلبه وبعد أن جعل من قلبه سطورا بيضاء اخذ يخط لأبية ويقول :
يا أبتي : يا أغلى اسم نطق به لساني وخطته يداي ..
يا تلك الحروف البهية والتي اشعر بأن بين كل حرفا من حروفها عالما آخر اسكنه ..
ويا أعذب اسما سطر على الحروف الرشيقة ..
يا أبتاة :
طلبت مني أن أكون رجلا ولكن فقدي إياك يشعرني بالعجز والضعف ..
أتمنى أن أظل طفلا يبكي حتى لا يعاتبه أحد وحتى ترتاح نفسه ويطيب خاطرة .
يا والدي ..
إن بكت عيني فلا تلمني وان أنى قلبي فلا تعاتبني وان شعرت بحرارة مشاعري فلا تتعجب مني فحبك لا يرسمه أبدع رسام ولا تصوره كاميرا فنان ..
أنا لا ابكي فراقك وحسب بل ابكي واقعا أنت فيه ومكانا أنت ساكنا فيه ..
أعلم يا أبى أن يداك لا تتلمسان دموعي الآن لأنهما مكبلتان وأذناك لا تسمعان صوت أنيني لأنهما مقيدتان .. وكل عضو فيك مقيد ..
ولم يبقى لي إلا خاطرك وقلبك ولو استطاعوا الوصول إليهما لقيدهما لفعلوا ذلك ، ولكن تذكرني بقلبك واجعلني صورة ناطقة أمامك تحثك وتقول :
أنت ارسخ من الجذور العالقة ..
وأعلى من الجبال الراسية..
وأصلب من الصخور الجامدة .
تركت الدنيا وزينتها وتركت الأموال وجمعها وبعت بيتا يسكنه الأولاد بل وجميع من يسكنه واشتريت الجنة وثمارها وحورا من العين في الجنة تتزوجها . .

لم ترضى أنت ذلا يطأطأ رأسك ، ولا جبنا يخالط قلبك ، ولا سكينة تهد عزمك ..
لم ترضى أن ترى الظلم وتسكت عنة والطغيان يحصل وتتغاضى عنة ..
دموع محمد الدرة أيقظتك وجروح تلك اليتيمة اسهرتك وصوت تلك القنبلة يضج مضجعك ..
لم تخشى الجبابرة ، ولا الأكاسرة ، ولا الطواغيت العاتية ..
قالوا عنك ارهابي فصمت ..
وقالوا انك لله عاتي فصمت
وقالوا انك انسانا متهورا لا يبالي .. فاحتسبت الأجر من الله وحده ..

ثق أنك في نظر الطواغيت إرهابي .. وفي نظر الزنادقة والعلمانيين عاتي ..
ولكن في نظر الشعوب المؤمنة مقاتل .. وفي نظر الشعوب المؤمنة مجاهد ..
واعلم أن نومك واكلك وشربك وحتى نفسك تؤجر علية فأنت مرابط في سبيل الله ..
وإياك أن تخنع أو تخضع ..
وانتظر يا ابتي شمس مشرقة وعصافير مغردة تحل علينا حينما تأتي إلينا ..
وانتظر ذلك الفارس الملثم الذي يكسر قيدك .. ألا وهو أنا بإذن الله ..
ودمت في رعاية الله .. والله يحفظك ويرعاك .. وسدد الله خطاك ..
ابنك المحب لك / فاك قيد أبية