جهاد غريب
24 / 12 / 2003, 17 : 11 AM
يعيش العالم اليوم حالة من التسارع العجيب إلى جانب أحداث مدهشة، ربما فرخت لنا بعض المصطلحات مهجنة التركيب وبنكهات متعددة، فبات أمر تسويقها يسيرا ولكن هناك صعوبة في هضم وتفسير تلك المصطلحات، حيث إننا مازلنا نتعايش مع كلمة "مفاوضات" عبر مختلف وسائل الإعلام منها المقروء والمكتوب والمسموع لكننا بدأنا نشعر باختلاف المعنى عن ذي قبل، حيث إن مبدأ التفاوض قائم على عدة أمور يأتي في مقدمتها المهارة والبراعة والقدرة على التفاوض ولكن "تفاوض" الألفية الثالثة تعني القدرة على إحداث تغييرات وتفعيلات في الأجواء وعلى الأرض وفي المحيطين الإقليمي العربي والعالمي وبالطبع فإن هذا التغيير يعتمد على القوة والهيمنة لا على المهارة والبراعة والقدرة على التفاوض، إنها الألفية ذاتها التي استبدلت "الحمائم" بـ "الصقور"، والأمر هنا لا يقتصر على كلمة "تفاوض"، فهناك أمور كثيرة تغيرت معناها مثل مفهوم "حمامة سلام" لدى الدولة العبرية التي استبدلته بـ "الأمن"، كما استبدلت مفهوم "غصن الزيتون" بـ "المصالح"، إذاً لا توجد تقاطعات تربط مفهوم العرب بمفهوم إسرائيل لأن مقياس العرب لا يتوافق مع المعيار الذي تقوم عليه الدولة العبرية وبالتالي يجب أن يقتنع العرب بأن كل ما يترتب على إحداث تقدم لنهاية الصراع الفلسطيني في الشرق الأوسط هو في الحقيقة تقدم يعيق أمن ومصالح إسرائيل في المنطقة، أقول إن الأمريكيين يمارسون الضغط على العرب في بناء قواعد أمريكية في الشرق الأوسط، والإسرائيليون أيضاً يمارسون الضغط على الفلسطينيين في بناء مستعمرات جديدة، أما العرب فمازالوا يحفرون خنادق لتواريهم عن أنظار وغضب الأمريكان، أما الفلسطينيون فعملهم متواصل لا يتوقف في زراعة الأرض بقبور الشهداء، وشتان بين البناء والحفر.
لم يتمكن الفلسطينيون من التفاعل مع الجهات المصرية في تكوين ائتلاف يوحد حركة مختلف قيادات القوى والفصائل الفلسطينية الأساسية لتستجمع القوى على الأرض بعد رسم الخطوات العملية لتطوير المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال.
إن الأمر تعدى مسألة عدم التفاعل إلى موجات غضب وخصام سمعناها عبر نشرات الأخبار بين الرئيس ياسر عرفات ومحمود عباس أبو مازن تحت إطار الحد من صلاحيات عرفات، بينما يلتقي هدف وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز مع هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون عند تقاطع "كسر شوكة الثورة الفلسطينية وشعبها" وإجهاض كل ما من شأنه تسوية عادلة للشعب الفلسطيني بمساندة أمريكية، وبالتالي فإن أي محاولة لإطلاق أي مبادرة عربية أو أمريكية أو غيرها يجب ألا تتعارض مع هذا التقاطع وإلا فالنتيجة محكوم عليها بالفشل في مهدها.
إن كل هذا يراد به إيصال قناعة للعرب والمسلمين بأن فكرة التغيير أصبحت مستحيلة وأن القوى المهيمنة على العالم لها الحق وحدها في فرض الوصاية على الأمم والشعوب الأخرى.
أقول: إذا حضرت الهيمنة غاب العدل وإذا حضرت القوة غاب الضعف، وعلينا الآن أن نستوعب أنه إذا حضر التفاوض غاب الاتفاق المنصف فقط عن طرف واحد في معادلة نزاع، وهذا الطرف هو أمة تعرف جيداً أنه.. "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه".
إنني هنا لا ألوح بإعلان هزيمة أو ضعف إنما أحاول تصوير مشهد من مشاهد الصراع في واقع يعيشنا وحياة أدبرت لنا عسانا نستطيع أن نقبل إليها.
جهاد غريب - الرياض
المصدر : جريدة الوطن العدد ( 948) الأثنين 4 ربيع الأول 1424هـ الموافق 05/مايو 2003 م .
لم يتمكن الفلسطينيون من التفاعل مع الجهات المصرية في تكوين ائتلاف يوحد حركة مختلف قيادات القوى والفصائل الفلسطينية الأساسية لتستجمع القوى على الأرض بعد رسم الخطوات العملية لتطوير المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال.
إن الأمر تعدى مسألة عدم التفاعل إلى موجات غضب وخصام سمعناها عبر نشرات الأخبار بين الرئيس ياسر عرفات ومحمود عباس أبو مازن تحت إطار الحد من صلاحيات عرفات، بينما يلتقي هدف وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز مع هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون عند تقاطع "كسر شوكة الثورة الفلسطينية وشعبها" وإجهاض كل ما من شأنه تسوية عادلة للشعب الفلسطيني بمساندة أمريكية، وبالتالي فإن أي محاولة لإطلاق أي مبادرة عربية أو أمريكية أو غيرها يجب ألا تتعارض مع هذا التقاطع وإلا فالنتيجة محكوم عليها بالفشل في مهدها.
إن كل هذا يراد به إيصال قناعة للعرب والمسلمين بأن فكرة التغيير أصبحت مستحيلة وأن القوى المهيمنة على العالم لها الحق وحدها في فرض الوصاية على الأمم والشعوب الأخرى.
أقول: إذا حضرت الهيمنة غاب العدل وإذا حضرت القوة غاب الضعف، وعلينا الآن أن نستوعب أنه إذا حضر التفاوض غاب الاتفاق المنصف فقط عن طرف واحد في معادلة نزاع، وهذا الطرف هو أمة تعرف جيداً أنه.. "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه".
إنني هنا لا ألوح بإعلان هزيمة أو ضعف إنما أحاول تصوير مشهد من مشاهد الصراع في واقع يعيشنا وحياة أدبرت لنا عسانا نستطيع أن نقبل إليها.
جهاد غريب - الرياض
المصدر : جريدة الوطن العدد ( 948) الأثنين 4 ربيع الأول 1424هـ الموافق 05/مايو 2003 م .