أحمد العرفج
24 / 07 / 2003, 21 : 04 AM
[align=center:dbf1be5bc5]الثَّقَافَةُ النَّائِمَةُ الصَّاحِيَةُ..!!
نُشر بصحيفة الاقتصادية بتاريخ 23/5/1424هـ
في ثقافتنا الشفوية والموروثة، شواهد على صحة كل اجتراجاتنا وممارستنا، فنرتكبها مُتّكئين على شرعية المثل، وقوّة الشّاهد، كما أن فيها في الظّرف الآخر شواهدٌ على خطأ ذات الفعل، وتلك الممارسة.. وثقافة عائمة كهذه، تكون في مذاقها طعام من ضريع، لا يُفيد ولا يُغذّي.. بمعنى آخر: تصلح لكل شيء، لا تصلح لشيءٍ محدّد.. وقد يقول قائل أن هذه من سمات الثقافة الممتدّة من الأبيض إلى الأسود، محتوية فيما بينها كل الألوان والمذاقات.. وهذا القول له وجاهته وصوابه، ولكن قد تصير كثرة الخيارات عاملاً مُساعداً على التذبذب في الرأي، والتردد في حسم الموقف.. وسأعطي مثلاً على ما أقول، حتى أستجلي ما اختفى، وأستظهر ما اختبأ.. يُدعَى أحدهم لوليمة، ويجتهد في الحضور مُبكراً، وإذا وصل مطّ شفتيه، مُستشهداً بقوله: (بورك لأمتي في بكورها).. ـ إذا كان مُتعلماً ـ ، وإذا كان جاهلاً قال: (من تقدّم ما تندّم).. ويأتي الآخر للوليمة في منتصف الوقت المخصّص لها، فيرفع حنجرته مستشهداً بقولهم: (خير الأمور الوسط).. هذا إذا كان متعلماً، أما إذا كان جاهلاً، فسيقول: (الوسط زين).. ويأتي الثالث للوليمة متأخراً، ويصرخ بأعلى صوته، مستشهداً بقولهم: (لإن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً)، هذا إذا كان مُتعلماً، أما إذا كان جاهلاً، فسيقول: (كل تأخيرة وفيها خيرة)..!! وكل الممارسات السابقة، تسجل في زاوية الاجتهادات، وأنت في الحالتين مُثابٌ ومهجور، بأجر أو أجرين.. إن الثقافة التي تحمل كل هذه المبررات والتفسيرات والمخارج والشروحات، تساعد منسوبيها على التمييع واللف والدوران، وممارسة الفهلوة، والابتعاد عن محاسبة النفس، تحت مظلة الاستشهاد، وتقديم الدليل، وإعطاء التبرير المقنع لكل تصرف..!! هل أسمي هذه الثقافة (بالثقافة الذِّئبة)، التي تبرّر أكثر مما تفعل، وتُلزم أكثر مما تُحاسب، وتقطع أكثر مما تصل.. إن الذئب حيوان يجمع بين النقيضين، فهو:
يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ، وَيَتَّقِي
بِأُخْرَى الْمَنَايَا، فَهُوَّ يَقْظَانُ نَائِمُ..!!
هنيئاً لنا بكل هذه الثقافات الصاحية النائمة..!!
ـــــــــــــــــــــ
أحمد عبد الرحمن العرفج [/align:dbf1be5bc5]
نُشر بصحيفة الاقتصادية بتاريخ 23/5/1424هـ
في ثقافتنا الشفوية والموروثة، شواهد على صحة كل اجتراجاتنا وممارستنا، فنرتكبها مُتّكئين على شرعية المثل، وقوّة الشّاهد، كما أن فيها في الظّرف الآخر شواهدٌ على خطأ ذات الفعل، وتلك الممارسة.. وثقافة عائمة كهذه، تكون في مذاقها طعام من ضريع، لا يُفيد ولا يُغذّي.. بمعنى آخر: تصلح لكل شيء، لا تصلح لشيءٍ محدّد.. وقد يقول قائل أن هذه من سمات الثقافة الممتدّة من الأبيض إلى الأسود، محتوية فيما بينها كل الألوان والمذاقات.. وهذا القول له وجاهته وصوابه، ولكن قد تصير كثرة الخيارات عاملاً مُساعداً على التذبذب في الرأي، والتردد في حسم الموقف.. وسأعطي مثلاً على ما أقول، حتى أستجلي ما اختفى، وأستظهر ما اختبأ.. يُدعَى أحدهم لوليمة، ويجتهد في الحضور مُبكراً، وإذا وصل مطّ شفتيه، مُستشهداً بقوله: (بورك لأمتي في بكورها).. ـ إذا كان مُتعلماً ـ ، وإذا كان جاهلاً قال: (من تقدّم ما تندّم).. ويأتي الآخر للوليمة في منتصف الوقت المخصّص لها، فيرفع حنجرته مستشهداً بقولهم: (خير الأمور الوسط).. هذا إذا كان متعلماً، أما إذا كان جاهلاً، فسيقول: (الوسط زين).. ويأتي الثالث للوليمة متأخراً، ويصرخ بأعلى صوته، مستشهداً بقولهم: (لإن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً)، هذا إذا كان مُتعلماً، أما إذا كان جاهلاً، فسيقول: (كل تأخيرة وفيها خيرة)..!! وكل الممارسات السابقة، تسجل في زاوية الاجتهادات، وأنت في الحالتين مُثابٌ ومهجور، بأجر أو أجرين.. إن الثقافة التي تحمل كل هذه المبررات والتفسيرات والمخارج والشروحات، تساعد منسوبيها على التمييع واللف والدوران، وممارسة الفهلوة، والابتعاد عن محاسبة النفس، تحت مظلة الاستشهاد، وتقديم الدليل، وإعطاء التبرير المقنع لكل تصرف..!! هل أسمي هذه الثقافة (بالثقافة الذِّئبة)، التي تبرّر أكثر مما تفعل، وتُلزم أكثر مما تُحاسب، وتقطع أكثر مما تصل.. إن الذئب حيوان يجمع بين النقيضين، فهو:
يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ، وَيَتَّقِي
بِأُخْرَى الْمَنَايَا، فَهُوَّ يَقْظَانُ نَائِمُ..!!
هنيئاً لنا بكل هذه الثقافات الصاحية النائمة..!!
ـــــــــــــــــــــ
أحمد عبد الرحمن العرفج [/align:dbf1be5bc5]