المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللَّحَظَاتُ الْعَادِيَةُ بِلُغَةٍ فُسْفُورِيَةٍ..!!


أحمد العرفج
22 / 07 / 2003, 13 : 12 AM
اللَّحَظَاتُ الْعَادِيَةُ بِلُغَةٍ فُسْفُورِيَةٍ..!!

نُشر بصحيفة الاقتصادية بتاريخ 15/5/1424هـ

الشاعر بول شاوول مبدع استثنائي، لا تملك أمام عطاءاته الملونة إلا أن تحرك شفتيك من أثر المذاق الذي تركه فوقهما، حين يرمي نصوصه في عينيك.. كلماته قصيرة، وتدنو من الأرض، والعرب ـ أجداد بول ـ قالوا: (اتق شر من يدنو من الأرض)..!!

يتكلم ببساطة قائلاً: (كلما رسم على ورقة بيضاء، حنَّ إلى ورقة بيضاء أخرى)، إنه رجل أخضر يثيره البياض.. هكذا هو.. أتذكر أنه كثير النسيان، ومرة رسم رسمة (ونسي العصفور في اللوحة، فمات من العطش).. وتراه أحياناً يرسم نصف اللوحة على الورق، والنصف الآخر على شفتيه.. قالت عنه السيدة غادة السمان ما يلي: (بول في كل ما يخطه يتأجج شعراً في لغة مبدعة، متوغلة في ضوئها وعتمتها وصدقها.. كتابة مشعة فوسفورية نازفة رواية اللحظات العادية بفنية استثنائية)..!!

والشاعر بول يمارس الحياة، راسماً بالكلمات، ومتكلماً بالفرشة.. صوَّرَ لنا لوحتين، (اللوحة الأولى رسم امرأة تمشي، وفي اللوحة الثانية رسم رجلاً ينتظر)، ثم حزن ـ طويلاً ـ على أن تلك المرأة وذلك الرجل لم يلتقيا..!!

وبول مع حزنه الرمادي العميق، يتعاطى السخرية بشيء من الدهاء، حين يصور لنا رجلاً يدخل المقهى صباحاً ومعه ثلاث جرائد، يطالعها كله، ثم يتنهد ـ قليلاً ـ ويلتفت حوله، سائلاً أصدقائه: ما الأخبار..؟! ما فائدة قراءة الجرائد، إذا كانت لا تحمل شهامة الطرح، وشجاعة الرأي.. والسؤال الذي يحمله النص سؤالاً دامعاً، يقول أن القارئ أحمق، أو أن الصحف لم تعد تجرؤ على أن تقول شيئاً حقاً.. هكذا يفعل بول.. إنه (يقرأ الجريدة كل صباح في المقهى، ويغمض عينيه ويفتح عينيه، ويفتح فمه، فمن أول صفحة إلى آخر صفحة من صفحاتها)..!!

والشعر عند بول لغة من نار وحرير وعطر، تنكسر وتتقطر، مؤكدة أن الشعر فن الحذف عند رحَّالة الأعماق الانسانية، الذين يرفعون راية السلام الداخلي، وفي تلون الحروف، ويناكفون معاني اللغة دون خيانة ثوابتها.. أيها القارئ النبيل، هل تقرأ الجريدة كما يقرأها الشاعر بول مغمض العينين، مفتوح الفم، أم أنك تقرأ الجريدة، ثم تسأل عن الأخبار.. معتقداً أن قراءة الصحف لا تعدو أن تكون طعاماً من ضريع..!!

ـــــــــــــــــــــ

أحمد عبد الرحمن العرفج