أحمد العرفج
22 / 07 / 2003, 08 : 12 AM
[align=center:62e67823c2]حَـدِيـثُ الـصُّـورَةِ..!!
نُشر بصحيفة الاقتصادية بتاريخ 17/5/1424هـ
تشكل الصورة مرآة لصاحبها، عاكسة لملامحه الداخلية والخارجية، وقبل الخوض في الصورة المحسوسة، تظهر الصورة المعنوية... ولعل الشاعر الكبير محمود درويش أعطى لنا شيئاً من ملامحها حين قال:
(تَكَلَّمْ عَنِ الأَمْسِ يَا صَاحِبِي، كَيْ أَرَى صُورَتِي فِي الْهَدِيلْ..!!
حَنِينِي يَئِنُّ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ.. وَمَا زَالَ فِي الدَّرْبِ دَرْبٌ لِنَمْشِي وَنَمْشِي..!!
إِلَى أَيْنَ تَأْخُذُنِي الأَسْئِلَهْ..؟!
أَنَا مِنْ هُنَا.. أَنَا مِنْ هُنَاكْ... وَلَسْتُ هُنَاكَ... وَلَسْتُ هُنَا)..!!
هكذا تبدو صورة الإنسان المعنوية، تتكون من زفرات الحديث، والكلام والأصدقاء، وذكريات الأحبة، بعد أن يترك صورته السابقة في شارع العمر.. كصفصافةٍ متعبة.. ولكن ما لنا وللصورة المعنوية، وبين أيدينا صوراً كثيرة، تحمل تعابير أصحابها.. يقول العملاق جميل صدقي الزهاوي:
إِذَا نَظَرْتَ صُورَتِي تَقْرَأُ فِيهَا سِيرَتِي
حَتَّى كَأَنَّ سِيرَتِي مَكْتُوبَةٌ فِي صُورَتِي
إنهما بيتان يختصران الكلام ببيتين مضغوطين، لا أجمل ولا أبلغ منها إلا قول رفيق درب الزهاوي، الشاعر معروف الرصافي حين كتب على صورته قائلاً:
هَذِهِ صُورَتِي.. أَرُدُّ فِيهَا
نَظَرَاتِي.. إِلَى خَيَالِ شَبَابِي
طالباً أُسْوَةً بِهَا وَسُلُواًّ
عَنْ زَمَانِ الصِّبَا.. وَعَهْدُ التَّصَابِي
فَكَأَنِّي ظَمْآنُ يَطْلُبُ ماءً
مِنْ سَرَابِ السِّنِينِ وَالأَحْقَابِ
إنها مأساة تبعثها الصورة، حين تتأمل صورة شابٍّ يخضورٍ، هو الآن في مداخل الستين، يبكي بكاء الثكلى، ويتحسر تحسر لاعب كرة أضاع فرصة تسجيل هدف، وما الباعث على هذا البكاء، وذاك التحسر سوى قطعة من الورق.. يالقسوة الورق، عندما يعكس خطوط طولنا، ودوائر عرضنا، وشكل ملامحنا، وشهامة بشرتنا، وسمار عيوننا.. هكذا يثير الورق الأسئلة.. تتلمس الوجه فإذا هو يحمل تجاعيد الزمان، وآثار المكان تراقب الشعر، وهو يشتعل بياضاً.. تتوجّد على سواد الرأس الذي طار مثل غراب الصحراء.. عندها لا يهمنا التاريخ، ولا يُؤطّرنا الوقت، لأن الزمان قد استدار، وأصبح سافل الأشياء عاليها.. من هذه النقطة، يجب أن تكون الصورة مطرزة بالعبارة التالية: (انظروا إلى هذا الرجل، أعرف أنه سيموت في أحد الأيام، السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة)..!!
ـــــــــــــــــــــ
أحمد عبد الرحمن العرفج[/align:62e67823c2]
نُشر بصحيفة الاقتصادية بتاريخ 17/5/1424هـ
تشكل الصورة مرآة لصاحبها، عاكسة لملامحه الداخلية والخارجية، وقبل الخوض في الصورة المحسوسة، تظهر الصورة المعنوية... ولعل الشاعر الكبير محمود درويش أعطى لنا شيئاً من ملامحها حين قال:
(تَكَلَّمْ عَنِ الأَمْسِ يَا صَاحِبِي، كَيْ أَرَى صُورَتِي فِي الْهَدِيلْ..!!
حَنِينِي يَئِنُّ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ.. وَمَا زَالَ فِي الدَّرْبِ دَرْبٌ لِنَمْشِي وَنَمْشِي..!!
إِلَى أَيْنَ تَأْخُذُنِي الأَسْئِلَهْ..؟!
أَنَا مِنْ هُنَا.. أَنَا مِنْ هُنَاكْ... وَلَسْتُ هُنَاكَ... وَلَسْتُ هُنَا)..!!
هكذا تبدو صورة الإنسان المعنوية، تتكون من زفرات الحديث، والكلام والأصدقاء، وذكريات الأحبة، بعد أن يترك صورته السابقة في شارع العمر.. كصفصافةٍ متعبة.. ولكن ما لنا وللصورة المعنوية، وبين أيدينا صوراً كثيرة، تحمل تعابير أصحابها.. يقول العملاق جميل صدقي الزهاوي:
إِذَا نَظَرْتَ صُورَتِي تَقْرَأُ فِيهَا سِيرَتِي
حَتَّى كَأَنَّ سِيرَتِي مَكْتُوبَةٌ فِي صُورَتِي
إنهما بيتان يختصران الكلام ببيتين مضغوطين، لا أجمل ولا أبلغ منها إلا قول رفيق درب الزهاوي، الشاعر معروف الرصافي حين كتب على صورته قائلاً:
هَذِهِ صُورَتِي.. أَرُدُّ فِيهَا
نَظَرَاتِي.. إِلَى خَيَالِ شَبَابِي
طالباً أُسْوَةً بِهَا وَسُلُواًّ
عَنْ زَمَانِ الصِّبَا.. وَعَهْدُ التَّصَابِي
فَكَأَنِّي ظَمْآنُ يَطْلُبُ ماءً
مِنْ سَرَابِ السِّنِينِ وَالأَحْقَابِ
إنها مأساة تبعثها الصورة، حين تتأمل صورة شابٍّ يخضورٍ، هو الآن في مداخل الستين، يبكي بكاء الثكلى، ويتحسر تحسر لاعب كرة أضاع فرصة تسجيل هدف، وما الباعث على هذا البكاء، وذاك التحسر سوى قطعة من الورق.. يالقسوة الورق، عندما يعكس خطوط طولنا، ودوائر عرضنا، وشكل ملامحنا، وشهامة بشرتنا، وسمار عيوننا.. هكذا يثير الورق الأسئلة.. تتلمس الوجه فإذا هو يحمل تجاعيد الزمان، وآثار المكان تراقب الشعر، وهو يشتعل بياضاً.. تتوجّد على سواد الرأس الذي طار مثل غراب الصحراء.. عندها لا يهمنا التاريخ، ولا يُؤطّرنا الوقت، لأن الزمان قد استدار، وأصبح سافل الأشياء عاليها.. من هذه النقطة، يجب أن تكون الصورة مطرزة بالعبارة التالية: (انظروا إلى هذا الرجل، أعرف أنه سيموت في أحد الأيام، السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة)..!!
ـــــــــــــــــــــ
أحمد عبد الرحمن العرفج[/align:62e67823c2]