أحمد العرفج
06 / 07 / 2003, 00 : 05 AM
[align=center:ea028e0942]الْجَاهِلِيُّ الْمُعَاصِرْ..!!
نشر بصحيفة الاقتصادية بتاريخ 3/5/1424هـ
تنتثر في أدبيات الخطاب الإعلامي المعاصر وصف (الجاهلي) تشبيهاً له بالفوضوية التي يمتلكها أجداد البشرية الأوائل.. ونظراً لأن (فئة الجاهليين الأوائل) قد قضوا نحبهم، وشبعوا موتاً وهلاكاً.. كان يجب علي أن أذكر بعض فضائلها التي نعجز عن امتلاكها.. فالجاهلي لا يقتل أعزلاً، ولا طالباً للعون.. وكان في اعتداءاته ومغامراته يرتهن إلى قواعد الشهامة، وموجبات المروءة، ومسوغات الفروسية.. وقد كان للحرب في العصر الجاهلي شروطها وقواعدها، وسلوكياتها وأوقاتها، لأنهم قوم يراعون (الأشهر الحُرُم)، ويحفظون لأماكن (القداسة والطهارة) حرمتها.. وفوق ذلك كانوا يقتصدون في ممارسة العنف.. بل حتى في غض النظر، كان يقول قائلهم:
وَأَغُضُّ طَرْفِي إِنْ بَدَتْ لِي جَارَتِي
حَتَّى يُوَارِي جَارَتِي مَأْوَاهَا
لذا يجب أن نتوقف فوراً عن الاعتداء على الأموات، (ولنذكر محاسنهم)، لأنهم قوم يستحقون الاحترام، وكل ما يجري في عصرنا (غير الجاهلي) من تنابذ وتوحُّش واقتتال صنيعة أيدينا.. ولا يظلم ربك أحداً..
إنها جاهلية عمياء تجري في مفاصل تصرفاتنا، وجهالة تنبض في عروق تناولاتنا اليومية.. ليبقى السؤال: أيهما أرحم الجاهلي الذي رحل منذ آلاف السنين، أم هذا الجاهلي الماكث بيننا، الذي يقتل الحرث والنسل، وفق عقيدة صلبة، مدججاً بالمبادئ والشعارات، حاجباً وحشيته وجاهليته بالتشريع والتنظير، والمنطق والأقنعة الرخيصة.. كان الجاهلي يقتل، ولكنه يلوذ مذعوراً خائفاً، تتربَّص به دوائره الداخلية النزّاعة للرحمة، والجاذبة للسكون.. أما الجاهلي (المعاصر) فإنه يُمارس القتل وفق النرجسية الحديثة، المُتمثلة بالضغط على الزناد.. يفعل ذلك وهو يترنّح من الضحك، ويتمايل من نشوى الانتقام والإجرام، إنه يقتل (بترصده شخصاً آمناً، يمرُّ في شارع، لقنصه من حيث لا يتوقع.. هكذا يُمارس الإنسان المعاصر القتل، بكل هدوء وصمت، ولكنه هدوء مُفزع، يرين على قلوب أقسى من الجلمد، ويتستر على نفوس موحشة كالبراري.. نعم ثمة تقدم هائل على صعيد التصنيع والتقنية، وفي مجال المعلومات والبرمجة، ولكن مقابل تقهقرٍ في الخُلق والثقافة، وتلويث للبيئة والأرض).. متى يُدرك هؤلاء ما عناه الشاعر محمد علي السنوسي عندما قال:
إِنَّ الْحَضَارَةَ أَرْفَعَهَا وَأَعْلاَهَا
أَنْ تُحْسِنَ الْمَشْيَ فَوْقَ الأَرْضِ إِنْسَاناَ..!!
ـــــــــــــــــــــ
أحمد عبد الرحمن العرفج[/align:ea028e0942]
نشر بصحيفة الاقتصادية بتاريخ 3/5/1424هـ
تنتثر في أدبيات الخطاب الإعلامي المعاصر وصف (الجاهلي) تشبيهاً له بالفوضوية التي يمتلكها أجداد البشرية الأوائل.. ونظراً لأن (فئة الجاهليين الأوائل) قد قضوا نحبهم، وشبعوا موتاً وهلاكاً.. كان يجب علي أن أذكر بعض فضائلها التي نعجز عن امتلاكها.. فالجاهلي لا يقتل أعزلاً، ولا طالباً للعون.. وكان في اعتداءاته ومغامراته يرتهن إلى قواعد الشهامة، وموجبات المروءة، ومسوغات الفروسية.. وقد كان للحرب في العصر الجاهلي شروطها وقواعدها، وسلوكياتها وأوقاتها، لأنهم قوم يراعون (الأشهر الحُرُم)، ويحفظون لأماكن (القداسة والطهارة) حرمتها.. وفوق ذلك كانوا يقتصدون في ممارسة العنف.. بل حتى في غض النظر، كان يقول قائلهم:
وَأَغُضُّ طَرْفِي إِنْ بَدَتْ لِي جَارَتِي
حَتَّى يُوَارِي جَارَتِي مَأْوَاهَا
لذا يجب أن نتوقف فوراً عن الاعتداء على الأموات، (ولنذكر محاسنهم)، لأنهم قوم يستحقون الاحترام، وكل ما يجري في عصرنا (غير الجاهلي) من تنابذ وتوحُّش واقتتال صنيعة أيدينا.. ولا يظلم ربك أحداً..
إنها جاهلية عمياء تجري في مفاصل تصرفاتنا، وجهالة تنبض في عروق تناولاتنا اليومية.. ليبقى السؤال: أيهما أرحم الجاهلي الذي رحل منذ آلاف السنين، أم هذا الجاهلي الماكث بيننا، الذي يقتل الحرث والنسل، وفق عقيدة صلبة، مدججاً بالمبادئ والشعارات، حاجباً وحشيته وجاهليته بالتشريع والتنظير، والمنطق والأقنعة الرخيصة.. كان الجاهلي يقتل، ولكنه يلوذ مذعوراً خائفاً، تتربَّص به دوائره الداخلية النزّاعة للرحمة، والجاذبة للسكون.. أما الجاهلي (المعاصر) فإنه يُمارس القتل وفق النرجسية الحديثة، المُتمثلة بالضغط على الزناد.. يفعل ذلك وهو يترنّح من الضحك، ويتمايل من نشوى الانتقام والإجرام، إنه يقتل (بترصده شخصاً آمناً، يمرُّ في شارع، لقنصه من حيث لا يتوقع.. هكذا يُمارس الإنسان المعاصر القتل، بكل هدوء وصمت، ولكنه هدوء مُفزع، يرين على قلوب أقسى من الجلمد، ويتستر على نفوس موحشة كالبراري.. نعم ثمة تقدم هائل على صعيد التصنيع والتقنية، وفي مجال المعلومات والبرمجة، ولكن مقابل تقهقرٍ في الخُلق والثقافة، وتلويث للبيئة والأرض).. متى يُدرك هؤلاء ما عناه الشاعر محمد علي السنوسي عندما قال:
إِنَّ الْحَضَارَةَ أَرْفَعَهَا وَأَعْلاَهَا
أَنْ تُحْسِنَ الْمَشْيَ فَوْقَ الأَرْضِ إِنْسَاناَ..!!
ـــــــــــــــــــــ
أحمد عبد الرحمن العرفج[/align:ea028e0942]