المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحلام ترشق بالحجارة !


جهاد غريب
15 / 06 / 2003, 21 : 05 PM
يحمل " سطل " بلاستيك تتساقط منه رغوة شامبو منتهي الصلاحية
يخشى تقاطع الشوارع المليئة بالحركة والضجيج
ويبتعد عن المراكز التي يمتزج بها الصخب والآرق بالناس .
يحرص دائماً على أن يختفي في الوقت الذي يحدث فيه تغيير في ورديات " العيون الساهرة "
بالتأكيد هو لا يعرف وجوه كل " الماره " !
ربما أمسك به أحدهم .. لديه عضوية في إحدى لجان مؤسسات الدولة
ممن تعودة أنامله على رسم فاتورة المخالفات قبل أن " تذيل" توصية في تقريره اليومي
- في محاولة - يطلب فيها معالجة الظاهرة موضوعياً ونفسياً وأدبياً ونظامياً ...الخ .
يتجول هو و"السطل" بين الأحياء.
هدفه السيارات التي تربظ على " فرشة" أسفلت نظيفة في حضن شارع لم يسمع عن الغبار
هناك حيث جندت فرقة بأدواتهم من وسائل النظافة لخدمة هذا الشارع
والعمل على تنظيفه وتقليم أغصان أشجاره تحت وطأة قلق وخوف من مسؤول يسكن فيه
ربما هدد الأخير بعدم تجديد عقد صيانة الوزارة التي يعمل بها.
كل الأشياء في هذا الشارع تبدو نظيفة
حتى جدران المنازل فيه مازلت تحتفظ بلوحاتها فارغة ، لم تؤذها ريشة الأطفال ، ولم تختط أية تكوينات عليها عبثاً .
يتفقد صاحب " السطل " السيارة الأولى وينظر إلى زجاجها ثم يتذكر كلام مالكها الذي يجفف الماء من " السطل " البلاستيكي ورغوة الشامبو يومياً ، لبلوغ نتيجة في التنظيف فوق العادة ، فلا يكتف عند هذا !
بل يجفف ماء حنجرة الكادح المسكين شهرياً في تكرار طلب أجرته مقابل هذا التنظيف .
يقول ماك السيارة وأوردة عنقه قد تورمت إنتفاخاً :
عليك قبل أن تنتهي من مهمة تنظيف السيارة التأكد بأنك قادر على أن تصلح هندامك من خلال إنعكاسه على أبوابها .
لا بئس أنه عناء فوقه عناء ، وجهد يظهر اللهث خلف " لقمة العيش" ، ربما استطاع نسيانه بـ " قرص" من البنادول !.
يبدأ هذا الكادح المغترب العمل فيمسح بالماء وجه السيارة فيتخيل أنه بهذا قد يستطيع أن يمسح دمعة أحد أطفاله ربما سقطت آلماً على غربة والده .
الآن فقط قد إنتهى من غسل هذه السيارة المزعجة كما هو الحال مالكها ، بعد إسراف وقت بحجم طمأنينته.
إنه يستعد إلى لملمة أشياؤه ( دراجة هوائية ، قطعة قماش ، سطل بلاستيك به ماء تسبح فيها رغوة الشامبو ) قاصداً سيارة أخرى .
بعد قطع مسافة قصيرة عبر دراجته الهوائية ، شعر الكادح بقلق قد تسلل إلى رأسه وإغتصب تركيزه ، حيث استسلم إلى خياله الواسع بحجم الأفق فغادر معه في رحلة إلى مزارع الأرز في بلاده التي ترقد مع مجموعة دول أخرى لتشكل جنوب شرق أسيا .
هذه الرحلة تشعره بأن أحلامه مرصودة في الهواء ، وعليه لملمتها أيضاً.
يرتد إلى واقعه فيجد نفسه وقد توقف لا إرادياً أمام سيارة أخرى بحاجة إلى تنظيف
يبدأ أولاً بغسل خياله ثم السيارة ، ينظفها في زمن أقل من السيارة الأولى ، ويتابع رحلته إلى السيارة التي تليها .
حتى الآن رصد في دفتره خمسة سيارات
يقرر أن يستريح قليلاً ، فيبحث عن ظل تحته رصيف.
يجده ثم يجلس قليلاً ليمسح عرقه الذي يفوح برائحة الكدح وقد تساقط من جبينه.
يبتعد عن الواقع للحظة فيسافر عبر خياله مره أخرى إلى حيث هناك جوز الهند وأشجار الشاي .
تتجه عيناه إلى دولاب دراجته الهوائية ، فينقره - بقوة إصراره - بسبابته اليمنى ليبدأ هذا الدولاب في الدوران ، عند هذه الحركة المنتظمة فقط ، يقرأ توقيت الزمن الذي يتسرب دونما حاجة إلى بندول .
يعرف أنه مازال في أول الطريق ، ويأمل أن يبلغ نتيجة مرضية عند نهايته ليتعقب جيوب ملابسه ، عله يجد بها ما يكفي لبناء سقفاً مسنود على أربعة جدران تحتويه هو وعائلته التي تتألف من أربعة أرواح إلى جانب والدته العمياء .
بعد عمل طوال النهار يعود إلى حيث يعيش .
لقد إنقضى النهار لكن فضاؤه مازال ممتلئ بالتنهدات !
ربما ينتهي قلقه مؤقتاً عن تجديد وثيقة إقامته !، لكن هاجسه الوحيد هو حيرته أمام أولئك الأطفال الذين يرشقونه بالحجارة قبل كل غروب !.
إنهم يسخرون منه .. " صديق أنته أيش يبغى في حارتنا" .