المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل نسيناك أيها المصطفى ؟؟؟


فارس الدوحة
20 / 05 / 2003, 48 : 03 AM
ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم : فى ظل التحديات التى تواجه الأمة


رسالة من المستشار "محمد المأمون الهضيبي"


15 من ربيع الأول 1424هـ = 16/5/2003

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد

فإن من سُنن الله عز وجل أن المعاني المجردة لا تستقر فى أذهان أكثر الناس ، ما لم تقترن بواقع محسوس مشاهد ، يوضح معالمها ، ويشرح بتصرفاته مبادئها ، ويدل على إمكانية تطبيقها فى عالم الواقع ، وشاء الله عز وجل أن يجسد فى رسوله صلى الله عليه وسلم وفى المنهج الذى جاء به ، مبادئ الإسلام وشريعته الخالدة ، فأقامه نموذجًا عمليًا واقعيًا ، من يوم أن ولد إلى أن اختاره الله عز وجل ، فهو قمة فى جميع الفضائل ، وجميع الكمالات ، التى تحتاج إليها البشرية ، لتحقيق خلافة الله فى الأرض .

ومن العسير إدراك حقائق الإسلام ، عقيدة وشريعة ونظام حياة ، وسلوكًا عاليًا ، ما لم يجاهد المسلم نفسه حتى يقترب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصاحبه من خلال سيرته من أول حياته حتى نهايتها ، ويتفهم كل جانب من جوانبها ، والحمد لله ، فكل أقواله وأفعاله التى صدرت عنه صلى الله عليه وسلم محفوظة وفى متناول الجميع .

إن من الأمور البدهية أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو المثال والقدوة التى يقتدى بها ، فهو المعين التى لا ينضب والنور الذى لا يُطفأ . لذا من المفيد أن نعرض هنا لبعض السمات الأساسية فى حياته صلى الله عليه وسلم كى تكون نبراسًا لنا وهاديًا يضئ الطريق وزادًا يشحذ هممنا ويقوى عزائمنا .



خلقه العظيم

إن الأخلاق أساس الدين ولا يستقيم دين بغير أخلاق ، يقول ابن القيم "الدين هو الخلق، فمن زاد عليك فى الخلق زاد عليك فى الدين" مدارج السالكين ، وقد كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن ، وصدق فيه قول الحق تبارك وتعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(القلم:4) ، ويقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم : "أدبنى ربى بأحسن تأديبى" وقد لخص الهدف من رسالته فقال : "إن الله بعثنى لأتمم مكارم الأخلاق" رواه البخارى .



الشورى فى حياته

وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشاورة لأصحابه امتثالاً لأمر الله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )(آل عمران: من الآية159) ، وقوله تعالى أيضًا : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ )(الشورى: من الآية38) لذا فقد كان يأخذ رأى صحابته ويتحاور معهم ، وقد أُثر عنه صلى الله عليه وسلم قوله لصاحبيه أبى بكر وعمر رضى الله عنهما : "لو اجتمعتما على أمر ما خالفتكما" أو كما قال ، ومواقفه الدالة على ذلك كثيرة ، أجلّ من أن تحصى : يوم بدر ، وأحد ، والحديبية ، والخندق ... إلخ .



رحمته ورأفته

لقد هيأ الله النبى صلى الله عليه وسلم لأن يكون هو الرحمة لكل الناس ، وجعل سبحانه الرحمة هى المهمة الأولى من وراء بعثته صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(الأنبياء:107) إنها رحمة بالآباء والأمهات ، ورحمة بالصغير ، ورحمة بالضعفاء ، ورحمة بالفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ، بل رحمة بالحيوان .. يقول النبى صلى الله عليه وسلم : "الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء ، الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله" رواه الترمذي وأبو داود ، وأحمد .



صبره صلى الله عليه وسلم

ولما كان الصبر هو أصل الداعية الثابت الذى يمكنه من اقتحام العقبات وبلوغ الغايات ، فقد ضرب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم القدوة بإخوانه السابقين من الرسل وأمره أن يتأسى بهم فى الصبر ، فقال تعالى : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ )(الأحقاف: من الآية35) ففى صبره على أذى قومه ، نراه صلى الله عليه وسلم قد تحمل عذابهم واضطهادهم وإيذاءهم واتهاماتهم الباطلة له بصبر جميل وجلد عظيم ، ولولا هذا ما انطلقت الدعوة الإسلامية فى مناحى الحياة ، ولما أشرقت شمس هدايتها على العالمين .



جوده وكرمه

إن الإسلام دين يقوم على البذل والإنفاق وهما سبيل نجاح أى فكرة ، فضلاً عن نيل ثواب الله فى الآخرة ، (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(البقرة:274) فقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة المثلى فى الكرم والعطاء ، وكانت يده مبسوطة دومًا ينفق بسخاء ، وكان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، كان كالريح المرسلة ، يوجه أصحابه دومًا إلى هذه الخصيصة العظمة لما فيها من أثر فى محو الشحناء من النفوس ، فضلاً عن تآلفها وترابطها ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال : "أنفق يا بلال ولا تخشى من ذى العرش إقلالا"



جهاده وشجاعته

لقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها جهاد فى سبيل الله ، فلقد خاض عشرات الغزوات وعشرات السرايا ، حتى بلغت بضعًا وسبعين غزوة وسرية فى عشر سنوات منذ قيام الدولة بالمدينة ، وأُثر عنه قوله : "الجهاد فريضة ماضية إلى يوم القيامة" لما لذلك من أهمية قصوى فى إبلاغ الرسالة والدفاع عن الحرمات ، والحفاظ على الأوطان ، ولذا يقول النبى صلى الله عليه وسلم "ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا" ولقد كانت شجاعته صلى الله عليه وسلم مضرب الأمثال ، يقول الإمام على رضى الله عنه : كنا إذا حمى الوطيس واحمرت الحدق نتقى برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحدنا أقرب إلى العدو منه .



حرصه على وحدة الصف

إن أول شيء فعله النبى صلى الله عليه وسلم حينما وصل إلى المدينة كان بناء المسجد، ثم مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار ، وبين الأوس والخزرج ، وذاك بيان لأهمية الجماعة فى الإسلام ، ولأن الوحدة قوة ، والتفرق ضعف .. وقد أوغر ذلك صدور يهود المدينة ، فانطلق أحدهم فى مجلس يجمع بين نفر من الأوس والخزرج يذكرهم بيوم بعاث حتى استعرت حمية الجاهلية فى نفوسهم وقاموا إلى سيوفهم .. وما أن علم النبى صلى الله عليه وسلم بذلك حتى خف إليهم واستطاع أن يئد الفتنة فى مهدها ، وفى ذلك نزل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ، وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(آل عمران:100-101).



الهجمة على العالم الإسلامى

ويأتى مولد النبى صلى الله عليه وسلم هذا العام ودوي مدافع الأعداء وأزيز الطائرات ، وأصوات القنابل والصواريخ لا تكف عن التدمير والقتل ، ولا نسمع إلا أنات الجرحى ، وحشرجة الموت والجماجم المتطايرة فى الهواء ، يحدث ذلك بصفة خاصة فى أرض الإسراء والمعراج ، وفى بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية ، وقبل ذلك فى أفغانستان .

والغريب أن حُكّام العرب والمسلمين لا يتحركون لهذه المآسى ، ولا يرغبون حتى فى مجرد إظهار الغضب والاستنكار ممن يقوم بهذه الجرائم ، ليس هذا فحسب وإنما يتربصون برجال الصحوة الإسلامية ، ويحصون عليهم الأنفس ، ويضيقون عليهم الخناق ، ويكيلون لهم الاتهامات الباطلة ، ويشكلون لهم المحاكمات الاستستثنائية .

لقد بات واضحًا لكل ذى عينين إصرار المخطط الصهيو – أمريكى على المضي قدمًا نحو أهدافه فى امتلاك المنطقة العربية والإسلامية والسيطرة الكاملة على ثرواتها ، وإعادة رسم الخريطة السياسية لها ، وتفتيتها إلى دويلات ، وضرب كل أشكال الإسلام المقاوم .. وها هو يحتل منطقة الخليج ، والعراق ، ويهدد بالعدوان على سوريا ، والبقية تأتى .. وتتصور بعض الأنظمة أنها بمنأى عن هذا العدوان طالما أنها تستجيب لكل طلبات راعى البقرالأمريكى .. ولكن هيهات هيهات ، فلن يرضى راعى البقر بغير الاستسلام الكامل والتبعية المطلقة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا .



الأمة لن تستسلم

إن الأمة لم ولن تستسلم .. والمسلمون يقاومون فى كل بقعة عمليات طمس الهوية ومحاولات الاستئصال .. وهم واثقون ومطمئنون من نصر الله (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(القصص:5) لكنهم يعلمون يقينًا أن هذا النصر لابد له من ثمن ، وأنه لا يتم إلا من خلال تضحيات غالية، وجهود مضنية ، وصبر طويل ، واستمساك بحبل الله المتين، واتباع هدي النبى الأمين .

إن السياسة التى تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فى العراق الآن هى سياسة فرق تسُد ، خاصة بعد أن أظهر الشعب العراقى عقب سقوط بغداد (وبقيادة علمائه العاملين) وحدة وتماسكًا ، الأمر الذى أذهل العالم وأزعج الإدارة الأمريكية ، فقد خرجت التظاهرات تجمع السنة والشيعة تحت راية واحدة ، تندد بالاحتلال وتؤكد على ضرورة مغادرته أرض العراق ، وتنادى بوحدة العراق ، وتعلن رفضها لأية حكومة عميلة تفرض عليه ، وأن الشعب العراقي هو المسئول عن وضع الدستور الذى يتناسب مع هويته وثقافته.



القضية الفلسطينية

واتساقًا مع سياسة فرق تسُد تهدف خارطة الطريق استغلال السلطة الفلسطينية فى القضاء على الانتفاضة الفلسطينية المباركة واستئصال شأفة المقاومة وإيقاف عمليات الاستشهاد والتى تعد بحق السند الحقيقى والقوة الوحيدة فى مواجهة عمليات الإبادة والمجازر الوحشية والاعتداء على الحُرمات والمقدسات وتدمير المنشآت وتجريف الأراضى التى يقوم بها الكيان الصهيونى المحتل فى حق الشعب الفلسطينى .

ولعلنا نذكر أن الانتفاضة الأولى التى وقعت فى 8/12/1987 هى التى أعادت القضية الفلسطينية إلى بؤرة الضوء ، وهى التى أيقظت الضمير الإنسانى كله ، بعد أن أسدلت عليها ستائر النسيان .

ولا شك أن انتفاضة الأقصى المباركة التى بدأت فى 28/9/2000 عقب محاولة شارون تدنيس باحة المسجد الأقصى أفقدت الكيان الصهيونى توازنه ، وزعزعت استقراره، وهزت نظريته الأمنية، وأوقعت باقتصاده خسائر فادحة ، فضلاً عن خسائره فى الأرواح .

لأجل هذا أوجه كلمتي إلى قيادات الشعب العراقى وقيادات الفصائل الفلسطينية أن ينتبهوا جيدًا وأن يكونوا على حذر ووعى كامل بهذه السياسة وأساليبها حتى لا يمكَّنوا أعداءهم منهم .. إنها السياسة القديمة الجديدة .. سياسة الدس والوقيعة وإيقاد الفتن وتفريق الصف ، إنها السياسة التى اتبعها اليهود فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم ، وهى نفس السياسة التى اتبعها المستعمرون فى الشرق الإسلامى وفى مستعمراتهم كلها فى القرنين الماضيين، لتضع القيادات فى العراق فى فلسطين مصلحة عقيدتهم وأمتهم وأوطانهم نصب أعينهم، وليحذروا الفرقة فإنها ضعف ومذلة وهوان (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج: من الآية40)

وبهذه المناسبة أودّ أن أتوجه إلى حكام العرب والمسلمين ، خاصة فى هذا المنعطف التاريخي المهم، أن يعملوا على نبذ الخلافات بينهم، وإزالة الهُوة التى تفصلهم عن شعوبهم وذلك بإجراء إصلاح سياسي شامل يتضمن إطلاق الحريات العامة ، وإيقاف العمل بقوانين الطوارئ ، وإلغاء القوانين سيئة السمعة والمحاكم الاستثنائية ، وفتح الباب أمام إنشاء الأحزاب وعدم عرقلة مؤسسات المجتمع المدنى عن أداء مهامها ، وحماية حقوق الإنسان واحترام آدميته والحفاظ على كرامته ، وإقامة انتخابات حرة نزيهة تعبر بحق وصدق عن إرادة الشعب فى اختيار ممثليه فى ظل الإشراف الكامل والشامل للقضاء .

إن السيناريوهات التى تدّعي محاربة الإرهاب فى أفغانستان ، وإدانة الفلسطينيين فى كفاحهم المشروع ضد المحتل الغاصب ، واحتلال العراق وإقامة قواعد عسكرية على أرضه، وفرض واقع سياسي واقتصادي وجغرافي وثقافي جديد فى العالم العربى والإسلامى لا يخدم إلا هدفًا واحدًا هو مصلحة الكيان الصهيوني على حساب هويتنا وحضارتنا وأمننا القومي، فهل نفيق قبل فوات الأوان؟ .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم



المستشار/ محمد المأمون الهضيبي


صدقت أيها المستشار و لا فض فوك على ما قلت .. فكلامك درر في درر ..

أتمنى من كل منا أن يعي ما كتبه الكاتب و أن يفهم مغزى مقاله ..

هذا و صلى الله و بارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..

تقبلوا تحياتي :مبسوط: