المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مأساة لم تنته


جهاد غريب
19 / 04 / 2003, 39 : 02 PM
[align=center:a61b989514]تزحف نحو الواحدة
فجر ليلة الجمعة
كانت هي عقارب الساعة

" راديو" أنهكه غبار السنين
يهمس بصوت لا يبدوا واضحاً
في أذن آمراه
تعيش عقدها الثالث

مازال وجهها يحتفظ
برصيد من جمال أنثى حائرة
ونظارة مرهونة
بابتسامة عالقة في الجوف
لم تشأ أن تظهر

لقد تزاحمت ملامح الحسناء
بآثار لم تخلو من العبث
كسطور باهته
على صفحة زمن غابر

بعض كلمات ربما تسللت
من سماعة هذا " الراديو" العجوز
تستقبلها أذني الأرملة
عبر موجات قصيرة
" هنا صوت بغداد "

أصوات أخرى متداخلة
تغتصب سكون الليل
عبر إذاعات مختلفة
وموجات كبيرة المدى
تعزف فقط
كافة نغمات التشويش
كانت تصدر من خلف
صوت بغداد

أنين طفل محروم
أتى من غرفة مجاورة
تبدو مظلمة تماماً
كالمستقبل الذي يُصّر على
مطاردة عائلة فقيرة
لا تزال هذه العائلة
تتنفس من الهواء " أوكسجين" أحمق
يجبرها على أن تعيش المعاناة
إنه فراغ الأب واليتم
النصيب الغائب
لم يأت بعد بعائل يكفلها

بصيص أمل
ما زال ينبعث من خلال
شعلة " فنار " صغير وحقير
إنه يعمل فقط
عندما تشرب عظامه الطرية
زيت الخردل
لكنه أضاء وجه الغرفة والطفل

هناك على طرف سرير
مسنود في أحد زوايا الغرفة
كان الدفء لا يزال نائماً
كطفلها المريض

مازال الصغير يئن
وخزان الجفون تملأه الدموع
ربما استقرت هناك بلا غرغرة
لكن هواء خديها انطلق دفعة واحدة
نعم إنها نبرة أُف غليظة
أطفأت شعلة " الفانوس" والأمل
لقد انتشرت الحسرة أرجاء المكان

صدر أنثى العقد الثالث
يحتضن الطفل في محاولة
لانتزاع الخوف والجوع
التصقت وجنتها برأس صغيرها الوحيد
كان الحال أشبه بالتمرة ونواتها
أما يديها فتستقبل
جسد الصغير كحزام الأمان
هنا تفيض عيناها آلم ودموع
وينزف قلبها عاطفة وحنان
لقد زاد الحرمان ظلمة المكان
فتوقفت كل الأشياء
عدا نبضات قلبيهما

إنها ترقب السماء عبر نافذة
سلخ طينها الهواء
لا تزال السماء ترتدي لباسها
الذي استعارته من كحل المساء
كانت الأم تدعي بصمت
" ربنا ارحم ضعفنا "

غافل الحزينة النوم
وسرق بكاءها للحظات
فاستيقظ الصباح
على صوت " الراديو "
كان يهتز من ذبذباته معلناً
" نقص في الغذاء والدواء "

تستعيذ بالله من الشيطان
وتعزز إيمانها بالرحمن
فلا تقنط من رحمة المنان
" الحمد لله "
تخرج من فمها بقناعة ورضا

شعرت الحائرة بحركة الطفل
في حضنها
كانت غريبة وسريعة
أعضاؤه تنتفض
وأنفاسه تلتفظ
ربما كانت الأخيرة
كان المشهد فوق الاحتمال
فغاب وعي المسكينة المكان
وغاب وحيدها في سباته

هنا
مات الليل مع الصباح
مات الأمل مع اليأس
مات الطفل مع الجوع
مات النضال مع بغداد

صرخة
من يوقظ مأساة لم تنته [/align:a61b989514]

ابو طلال
19 / 04 / 2003, 29 : 03 PM
[align=center:3dd37ac00f]شكرآ استاذ جهاد على الموضوع الرائع[/align:3dd37ac00f]

المميز
19 / 04 / 2003, 21 : 08 PM
اخي جهاد اشكرك على هذه المشاركه الجيده :)

نعم مات كل شيء حينما ماتت النخوه في قلوب الرجال ... ولكن هناك شيء لا يموت ابدا الا وهو الامل بالله العلي القدير

السفير
20 / 04 / 2003, 21 : 03 AM
أخي جهاد



موضوع جميل يصور حال ما يحدث لأهلنا في بغداد



ولكن هل من سبيل الى نجدتهم




لعن الله من كان سبباً في بلاء أخواننا في العراق



تحياتي لك

جهاد غريب
13 / 06 / 2003, 54 : 01 PM
[align=center:b0e1c29001]أبو طلال ، السفير ، المميز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكراً لمروركم

إذا زعمت يوماً أنني تمكنت من رصد المأساة على الورقة
فلن أستطيع دهراً أن أرصد الأمل
أتدرون لماذا ؟
لأن المأساة محطة يتوقف عندها فرد واحد فقط
يلقي ما علق بذاكرته من هموم
ثم يرحل بعدما تزول مأساته
أو يزول هو

أما الأمل
فهو محطة لكل الناس
ونافذة بحجم الفضاء
ولا تخضع لنقطة تفتيش
إن زال الأمل
إنفطر الفؤاد
وقل على الدنيا السلام
وقتئذ
يكون فد حان موعد
النفخ في الصور

أقول :
عندكم " بيالة " شاهي ؟
ودي أخلطها بقليل من الأمل الخالي من كوليسترول المأساة
سأرتشف الـ " بيالة " بعد العصر
ثم أعود إلى حقول الخيزران
أما موعدنا المسائي
سيكون هناك..... " في الحارة "
إتفقنا !!!!!
:لا: [/align:b0e1c29001]