المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في رواية ( صقور القوقاز )


أبو فايز
09 / 09 / 2009, 55 : 02 AM
تحت العنوان بين القوسين أعلاه ، كتب مترجم الرواية محمد حرب عن مؤلفها الأديب البارع سلجوق قللي قائلا ( رواية إسلامية تصور جهاد الداغستانيين بقيادة الإمام شامل ضد الروس المعتدين على مدى خمسة وثلاثين عاما ) وبهذا يتضح أن الرواية عمل أدبي يصف واقعا حقيقيا وليس قصة خيالية صنعها خيال الكاتب ، وهي مع هذا تدوين لسيرة بطل عظيم سطر أروع الأمثلة في الجهاد والتضحية والبذل لنصرة دين الله وتحرير أراضي المسلمين من الإحتلال الروسي الغاشم قبل حوالي مائة وخمسين عاما من الآن وهو الشخ شامل الداغستاني الذي يذكر اسمه بإسم البطل الشيشاني المعاصر شامل باسييف الذي واصل مسيرة النضال والتضحية وكأن التاريخ يعيد نفسه .. حول تلك الحقبة السالفة من الزمن دارت أحداث هذه الرواية الرائعة ..

أحداث ومواقف مثيرة في ثنايا الرواية تجعل من القارئ شبحا أو كائنا نورانيا يتواجد في أماكن متعددة تدور فيها أحداث الرواية وتدار فيها خطط المواجهة وتحاك فيها المؤامرات وتعقد فيها الاتفاقات .. فهو حاضر في كل مشهد حضورا مجازيا لا حقيقيا يمكنه من معرفة أسرار المواجهات دون أن يكون له دور أو أثر في تغيير مسار الحوادث أو الحد من وقوعها أو حتى تجييرها لجهة يرى أنه ينتمي إليها داخل النص وخارجه .. ففي هذه الحال يكون القارئ رهينة لمسار الرواية ويقيم عليه الكاتب حضرا لا يتمكن معه من القيام بأي دور يذكر سوى المشاهدة والترقب ، وهذا في الحقيقة قاسم مشترك في جميع الروايات ، إلا أن البعد الديني الذي قامت عليه هذه الرواية يذكي نار الانتماء ويجعل من الأخوة الدينية حاضرا فعالا في غالب أحداث الرواية ويجعل من هذا الشعور بالعجز عن التأثير هاجسا يدور في خلد القارئ ، ثم إذا أضفت إلى ذلك براعة الكاتب في إخراج الواقع بطريقة درامية مثيرة فستجد أنه خلق بين القارئ وبين النص وحدة لا تسمح بوجود تنافر بينهما ، فهو يتوق إلى معرفة ما ستؤول إليه الأحداث ويطوي في سبيل ذلك العديد من الصفحات ، فيجد أنه يصل غالبا إلى نهاية سعيدة أو مطمئنة ، تكون وبطبيعة الحال بداية لتبلور واقع جديد تخلق فيه الأزمات التي يخرجها الكاتب في صورة عقد داخل النص تحمل القارئ مرة أخرى إلى مواصلة القراءة بعد أن أيقظ هذا الواقع الجديد في نفسه غريزة الشغف بمعرفة المجهول وحرك ملكات الفضول عنده ..

مشاهد متعددة تترك أثرا عميقا لها في نفس القارئ فتجده تارة يشعر بحرارة في قلبه تطفر على إثرها دمعة حزن ساخنة وهو يقرأ في ذلك الحصار الذي تقوم به القوات الروسية بقيادة الجنرال (غراب) على قلعة أهولكووقد بلغ بالداغستانيين من المجاهدين والشيوخ والنساء والأطفال من الجوع والظمأ ما لم يجدوا معه حلا سوى التقدم بطلب مهلة نصف شهر والسماح لهم من قبل القوات الروس بالحصول على الماء ، فكان اشتراط الجنرال غراب للموافقة على هذا الطلب بتسليم جمال الدين بن شامل الذي يبلغ من العمر 12 عاما رهينة ، فلا يجد القائد البطل بدا من تسليم ابنه رهينة بعد رفض من قادته لهذا الطلب ، إنقاذا لأرواح المئات من المسلمين ، في مشهد من التضحية لا يصنعه إلا نوادر من أفذاذ الرجال والأبطال ، ثم تراه لا ينظر إلى إبنه كثيرا حتى لا يرق قلبه فيتراجع ، فسلّم الأم الصابرة ويسلم الابن الحليم بهذا الواقع في مشهد يذكرك بالنبي الخليل وابنه إسماعيل وقصة الفداء .. ثم تقرأ بعد ذلك غدر الروس ونجاة الشيخ البطل من هذه المواجهة ليواصل جهاده ويحقق الانتصارات العظيمة .. لتقرأ مرة أخرى بعد عدة فصول تلك الخيانة التي قام بها (أحمد خان ) وإيقاعه للشيخ مراد في أيدي الروس بعد استدراج خبيث وبتنسيق مع الروس بعد أن علموا أن الشيخ مراد اتحد مع الشيخ شامل لقتال الروس بعد سنوات من القطيعة بينهما .. فترى ذلك الجندي الذي يرتكب بذاءة في حق هذا البطل وهو في الأسر في طريقه إلى القيصر .. ثم يسخر الله جنديا يدعى بينكا يعمل جاسوسا للشيخ شامل في الجيش الروسي فيطلق سراح البطل مراد بعد مخادعة الركب ويهرب معه ثم يموت بينكا وينجوا الشيخ مراد ويعود بعد كسره إلى صفوف جيش الشيخ شامل ليلحقوا بقيصر الروس أشد الهزائم وأنكاها .. ولكن أصابع الخيانة التي نجى منها الحاج مراد لم ينج منها الشيخ شعيب الذي مات برصاصة غدر من أحد جنود الخائن ( عيسى خان ) -وكأن إسمي أحمد خان وعيسى خان تثبت خيانتهما بفعل الماضي – وعند مشهد وفاة شعيب سترى الشيخ شامل يبكي لأول مرة في الرواية ..

تتوالى الانتصارات العظيمة التي يلخصها أحد المؤرخين الروس بقلمه قائلا ( مستحيل أن ينكر أحد أننا هزمنا هزائم جادة في معاركنا مع الآواريين هذه المعارك استمرت من 27 أغسطس حتى 22 كانون الأول . وبلغت خسائرنا العامة في هذه المعارك من قتلى وجرحى وأسرى ومفقودين 92 ضابطا 2528 جنديا و 27 مدفعا صحراويا وثمانية مدافع قلعة و 868 حصانا وعديدا من المواد .. إضافة إلى هذا فقد دمرت لنا ثمان قلاع و 12 مركزا عسكريا واستولى الداغستانيون تماما على مراكز تحمل أهمية حياتية وغاية في الخطورة مثل (أون صوقول ) و ( بالاقان) و( موكسوق) و(أهالجي) و(ظاس طاناخ) و(هوصاد) و( كركبيل ) وقلعة ( بور ندوق ) و (خون زاه ) و (نوزوفويه ) و(زيزان ) و( كيميري ) ..

لكن الأحداث في سيرها إلى النهاية تقلب الموازين وتشعر بالأسف والحزن الشديدين ، فبعد اتحاد شامل ومراد عمل الروس على التفريق بينهما حتى رضخ الأخير لمطالب الروس وترك الأول وحيدا يصارع إلى آخر مشهد ينصاع فيه الشيخ البطل إلى مطالب العلماء بالتسليم بعد حصار طويل ، بشرط عدم التعدي عليه ، إلى أن تؤول الأحداث بهذا البطل العظيم إلى السفر إلى الحج والإقامة في المدينة المنورة التي يموت فيها عام 1871 م لتنتهي معها سيرة بطل عظيم سطر أروع أمثلة الجهاد والتضحية وتعليم الناس والبذل في سبيل الله ..

بين هذه الأحداث المفصلية في الرواية مشاهد ومشاهد تأخذ لب القارئ وعقله في طياتها وتلقي به من فصل إلى فصل في لغة سردية لا يشعر معها القارئ بتكلف في تحريك شخوص الرواية ومسار الأحداث داخل النص ، ولعله راجع إلى أنها تشبه الوثيقة التاريخية التي ليس للكاتب فيها دور سوي رصد الأحداث وتدوينها وصياغة الحوارات لها ، دون تجشم عناء إعداد سيناريوهات تصاغ على وفقها فصول الرواية ، فالسيناريو مكتوب سلفا بقلم القدر المشاهد ، ولهذا كان التكلف والحشو لهدف ملء السطور أقل عوامل الضعف الروائي ورودا في هذه الرواية ، وهذا لا يقلل من شأن الكاتب بل يعطيه تفوقا يجعل من استخدامه الأمثل له ، أبرز الأسباب لتفوق عمله على غيره من الأعمال التي هي من نسج الخيال والتي يكون للذاتية والمواقف المسبقة حضور واضح فيها على حساب المفاجآت الدرامية التي ربما تولد في رحم الواقع أكثر من الخيال ..
على أن الرواية لا تخلوا من بعض الهنات التي لا يخلوا منها عمل أدبي آخر .. ولكنها في الجملة لا تؤثر في قيمة الرواية شكلا ومضمونا .. ولعلها من الروائع النادرة من الروايات الإسلامية القليلة التي تحفل بها المكتبات العربية والعالمية .. ولست أعرف سبب عزوف كثير من الإسلاميين عن المساهمة في هذا الفن ، ولكن لعلها تكون دافعا ومحفزا لمن ينشد الأدب الرفيع الذي يحمل رسالة نبيلة ليقتفي أثر الكاتب ويحذو حذوه .


ربما يكون للحديث بقية

زمان يافن
09 / 09 / 2009, 58 : 09 AM
مشـــــــــــــــــــكور
ابو فااااااااااااااااايز
لك خالص شكري

أبو فايز
10 / 09 / 2009, 59 : 11 PM
شكرا لمرورك أخي زمان يا فن

وتحياتي لك

محمد بن عايض المسردي
11 / 09 / 2009, 02 : 12 AM
لاهنت يابوفايز...
موضوع رائـــع...منمقدم أروووع
لاهنت..

ناصر بن هذال
11 / 09 / 2009, 34 : 03 AM
شكرا على القراءه الشامله

حبذا لو انك اوردت حجم الروايه وعدد الصفحات لتكتمل الصوره في هذا الموضوع.

اشكرك مره اخرى ولا اخفيك انك كنت ومازلت املي الوحيد لانقاذ واحد الادب بشبكة جاش.

أبو ياسر
12 / 09 / 2009, 51 : 01 AM
حسناً قد قرأت وصفك لهذه الرواية فقررت دون رجعة أن أقتني هذه الرواية و أقرأها ...
ولكن قبل أن أختم أود ان أشكرك على جميل عرضك ، أما عن الأدب الإسلامي ففي نفسي حديث آثرت أن أرجأه لوقته ..

أبو فايز
12 / 09 / 2009, 58 : 10 PM
أهلا ومرحبا بأبي يزيد في هذا المتصفح ..

الرواية تقع في قرابة 240 صفحة من القطع الكبير وهي من طبعات دار المنارة عام 1412 هـ

أسعدني مرورك وتواصلك يا أبا يزيد

أبو فايز
12 / 09 / 2009, 00 : 11 PM
أبو عايض أهلا ومرحبا بك هنا ومبروك نجاح العملية .. والحمد لله على سلامتك

ووالله لقد غمرتني الفرحة عندما علمت بنجاحها وأسأل لك العافية والنجاح .. وتحياتي لك .

أبو فايز
12 / 09 / 2009, 31 : 11 PM
حسناً قد قرأت وصفك لهذه الرواية فقررت دون رجعة أن أقتني هذه الرواية و أقرأها ...
ولكن قبل أن أختم أود ان أشكرك على جميل عرضك ، أما عن الأدب الإسلامي ففي نفسي حديث آثرت أن أرجأه لوقته ..
أهلا بأبي ياسر وحياك الله بعد غيبة عن تبادل النقاش هنا ..
في الحقيقة أنني مكلف أشد الكلف بمعرفة الكثير مما يتعلق بإقليم القوقاز عموما في الماضي والحاضر ، وما هذه الرواية إلى جزء من تاريخ بلاد وأقوام أعيش معهم بقلبي وعقلي في أحيان كثيرة .. ومنذ ملاذ كرد التي قادها ألب أرسلان السلجوقي على مشارف تلك البلاد وحتى آخر الأحداث في أوارستان أجد أنني أدفع إلى معايشتها قراءة ومتابعة إعلامية ومشاهدة عبر اليوتيوب .. بلاد لا يكاد الوصف يصور جمالها وبساطة أهلها وبطولاتهم وتضحياتهم مهما بلغ من بديع البيان .. وعلى أعتاب قروزني سقط مئات بل آلاف الشهداء الذين تعطرت الأرض بدمائهم الطاهرة .. فهي أرض إباء ونضال وشهادة .. ولعله لا يفوتني في هذا السياق أن أشير إلى عمل أدبي من أروع ما ترجم إلى العربية إن لم يكن الأروع وهي رواية ( بلدي ) للأديب الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف - من إصدارات دار الفارابي - وهي من أجمل ما كتب الأدباء عن بلدانهم .. فكيف إذا كان البلد هو داغستان الجميلة وأهلها هم الجبليون البسطاء .. ولست بصدد الحديث عنها وإلا فإنها من المقروءات التي لن أنساها أبدا لجمالها وعذوبتها .. ولعل مما يميزها هو تلك الحكمة التي تحلى بها كاتبها كما هو حال الجبليين ..ثم روحه الشاعرية المرهفة .. والتي جعلت من إلتقاءها بالحكمة سرا لنسج تلك السطور الذهبية التي تفجؤ القارئ بين الحين والآخر بمقاطع وتواقيع من فرائد الكلم والحكمة ..
ومن هذه الروائع قوله "إن الإنسان في حاجة إلى عامين ليتعلم الكلام وإلى ستين عامًا ليتعلم الصمت، وأنا لست ابن عامين ولا ابن ستين عامًا.. أنا في نصف الطريق، ومع ذلك فيخيل إلي أني أقرب إلى الستين؛ لأن الكلمات التي لم أقلها أغلى على قلبي من كل الكلمات التي قلتها". على ما في الرواية من تمجيد للغناء وهذا ما يجعل في نفس بعض القراء نفورا من بعض المواضع .. وهنا سأقف لأنني لو استرسلت فلربما يدفعني الشغف للحديث عن كثير مما أعرفه عن تلك البلاد وأولئك القوم ..
تحياتي يا أبا ياسر .

بعيدة نظر
13 / 09 / 2009, 34 : 07 AM
شكرا لهذا الطرح الرائع الذي يجذب المتلقي لمتابعته حرف حرف لوصول للهدف


مخرجاتي لهذا الموضوع عدة نقاط :-
1- في السابق كان هناك اعتناء بما يسمى الكتاب سواء قصه ,, شعر ,, روايه أما الان عصر الانترنت والتصفح الالكتروني فيصعب الرجوع لازمان سابقه ونستخدم الكتب ونصفها فالمكتبات لا أتحدث عن نفسي ولا لفئه معينه ولكن بشكل عام فلو كانت الروايه موجوده الكترونياا فأنا سأقتنيها ولكن أذهب وابحث بمكتبه نادراا من يفعل ذلك ,,

2-كما سمعت عن هذه الروايه انها من افضل الروايات على الاطلاق ,, وتتمتاز بعرض فني اشبه مايكون ترنيمات شعريه رائعه ووصف مثير ودقيق يضفي عليها جمالا وكانك تشاهدها وتعيش احداثها ,,

3- قد سمعت بأنه سيعرض كفيلما سنيمائياا ضخماا ,, وأتمنى ذلك حقيقةً,,




كل الفخر والاعتزاز لك أبا فايز

kk
13 / 09 / 2009, 27 : 10 AM
مشكور اخوي ابو فايز على الموضوع الجميل
من وجهة نظري ان السبب لقلت الروايات العربية مقارنة بالروايات الاجنبية هي قلت القراء
في الخارج تجدهم يتحشدوون امام دور النشر قبل اصدار اي روايه او كتاب
نحن امه سماعيه

أبو فايز
17 / 09 / 2009, 00 : 02 AM
الأخت شيخة الغلا شكرا على المشاركة والتعليق ..
ويبقى أن ما ذكرتيه حول هجر الناس للطريقة التقليدية في القراءة و اقتناء الكتب .. هو في الحقيقة رأي شخصي أكثر منه حقيقة واقعية فالدراسات تثبت إقبالا متزايدافي السنوات الأخيرة على المكتبات ومعارض الكتب ومن آخر ما صدر من دراسات أن السعوديين هم أكثرالعرب اقتناء للكتب .. البعض يرى أنه لا يلزم منه أنهم يقرؤون كل هذه الكتب ولكن هي في النهاية ظاهرة تدل على حضور الكتاب بشكل أساسي وفاعل في الحركة الثقافية الحالية
..
وإجمال القول في هذا أن القراءة الدؤوبة هي شأن النخبة الثقافية .. فعزوف الناس عن القراءة شئ مشاهد إلا قلة قليلة لها عناية بهذاالشأن .. ولهذا فقد يكون كثير من رواد المنتديات والمشاركين فيها ليس لهم عناية واضحة بالقراءة فإذا قرأ أحدهم كتابين أو ثلاثة كتب في العام كان هو مبلغه من الإطلاع .. بينما هذا العدد يفترض أن يكون هو الحد الأدنى في الشهر فضلا عن العام .. أما بالنسبة للمثقف الحقيقي الشغوف بالقراءة والإطلاع لا يمكنه إيثار القراءة الإلكترونية -إن صح التعبير- على القراءة التقليدية في الكتاب المطبوع ..

بقي أن هناك دراسات تشير إلى أن الصحافة الإلكترونية قد تلغي الصحافة الورقية ونتائجها في الحقيقة مبالغ فيها .. وحتى وإن أثبتت صحتها فالأمر يختلف بالنسبة للكتاب لأن قراءة الصحف لا تستغرق الوقت والجهد الذي يبذله القارئ أمام الكتاب العادي .. وهو ما همش دور الكتاب الإلكتروني .