الأســـتاذ
17 / 07 / 2009, 46 : 04 PM
رحم الله الشيخ و أسكنه فسيح جناته
انتقل إلى جوار ربه بعد حياة طويلة قضاها متعلما ومعلما و عالما علماً أطبق على ذكره مشرق الأرض ومغربها!
..
لست الآن بصدد كتابة سيرة مسهبة أو مقتضبة عن حياة الشيخ
فالمواقع الإسلامية تعج بالكثير من تراجمه و مواقفه و فتاويه ، و إن كان في حياة أمثال هؤلاء الكثير من العظات و العبر لمن تدبر و ادكر!
ولن أقف لألقي على مسامعكم قصيدة حزن و رثاء تبكي فقد الشيخ و مآثره و حياته فالشعراء لم يألوا جهداً في إشباع الساحة بالعديد من الأبيات المكرورة معنى ومبنى بعد نضوب كثير من الغرائز الفطرية للشعر الآخاذ الساحر في نفوس شعراء العصر!
لذا فلن تجد في هذه الأشعار و لو بيتا واحداً يستحث قناتك الدمعية لسكب و لو دمعة واحدة تخفف من حرقة غياب هذا الشيخ!
ولست أيضاً أزعم أني سأقف بين أيديكم خطيباً واعظاً أذكر اللاهين و أحرض الغافلين للاستعداد للحظة الفراق هذه التي تعتبر جسر عبور لكل من قضى أزله لحياة أخرى مهولة مفضعة يدفع الإنسان فيها فاتورة جرائمه و ما اقترفت يداه -حتى مثقال الذرة- من جسده ليكون وقوداً لنار عظيمة تحدث القرآن عنها في آي كثر!
سأطرح هذه كله !
لأتحدث عن شيء في نفسي
...
فقد بكيت الشيخ كثيراً
كان بكاء يصحبه نشيج طويل لم أحس به من ذي قبل!
بكيت الكثير ممن صحبتهم و كفوا عن العيش الآن بينما لازلت أترقب تلك اللحظة وأنا أتقلب بين الخوف والرجاء!
قبل حولي سنتين شهدت فقد الشيخ عبر حلم مزعج
كنت حينها في المسجد و إذ بخبر وفاة الشيخ يصدع المكان و يجر الحشود للتزاحم عند باب المسجد الذي كنت فيه
بعد لحظات لمحت شخصاً كنت أعرفه فاستوقفته و سألته ما الخبر؟
فقال : مات الشيخ!
كان حلما مروعاً !
وهكذا هي الأحلام تقتحم حصن دماغك و تكبل استقرارك دونما استئذان!
أفقت بعد ذلك مذعوراً ، و سألت عن الشيخ و تأكدت أنه لم يزل على قيد الحياة حينها ، فطفقت في البحث عن معبر يفسر لي هذه الرؤيا!
( ستأتي الشيخ ، و ستتتلمذ بين يديه و تستفيد من علمه بإذن الله )
كان هذا مضمون تفسير المعبر!
تعجبت كثيرا من هذا التعبير حتى علمت بعدُ أن من قواعد المعبرين أن كل رمز حوته الرؤيا فهو يعبر الضد !
أضفى علي هذا قليلاً من القناعة لتعبيره!
كنت آنذاك أعيش لحظات عصيبة ، ولم يكن ثم شيء يخفف من وطأتها علي سوى تلهفي لهذه اللحظة التي أقف فيها بين يدي هذا الشيخ
و مرت السنون و الأيام و انتقل الشيخ لجوار ربه و لازلت حتى الآن أنتظر أوان تلك اللحظة !
صعقت بالخبر و كان أول ما خطر بقلبي : تلك الرؤيا و ذلك المعبر!
أكانت الرؤيا ضرباً من حديث النفس!
أم كان المعبر قاصر الباع في هذا العلم جعله يخلط في تعبيره!
أم كان الأمرين جميعاً!
..
ما أعاد لنفس غيضا من الطمأنينة و السكون يقيني أن الشيخ لم يمت بعد
مادامت للدعوة الاسلامية الخالصة قائمة على وجه الأرض
فالشيخ أحد رموزها و قد خلف تركة علمية سيظل ينهل منها الخافقين ما بقي متعلم فوق البسيطة!
وسأظل أنا: أرى و أسمع الشيخ من خلالها ما حييت!
...
وإذا ما غصنا في أبعاد حياة الشيخ الزاخرة
نجد أن الشيخ لم يكن حالة اسثنائية عن غيره من البشر في تكوينه و في حياته و نشأته!
ولد كما ولد الناس ، و ترعرع و نشأ مع أقرانه كما ينشأ الناس ، في حضن والديه في قرية من قرى نجد العتيقة : الرين!
تعلم و ثابر و حصل : لم يكن أذكى الناس أو حتى أذكى جيله بالتحديد ، أو أوفرهم علماً و فهماً ، فهناك حتما من كان أحد ذكاءاّ منه ، و أغزر علما منه ، و أشد فهماً!
لكن ثمت شيء كان ينساب مع ذلك العلم الذي تلقاه الشيخ !
كان شيئاً خفياً لايكاد يحس به إلا النفوس المؤمنة !
كانت تتحسسه الأرواح عندما يتكلم ويحدث أو ينصح و يحاضر ، يجعل هاتيك الأجساد تنقاد دون قياد ، يعمل عمل السحر فيها و ليس بسحر!
كان في ذاته كلاماً عادياً يردده الخطباء و الوعاظ كثيرا فلا يؤتي ثماره و لايتمكن من قلوب الناس كما كان يفعل كلام الشيخ!
كان رحمه الله يسكبه في قالب من الحب و الإخلاص مكن لهذا الحديث كل هذه القوة الخفية التي قبض بها على أفئدة الناس!
كان هذا ما ينقص كثيراً من المواعظ و المحاضرات التي أتخمت بها التسجيلات الإسلامية، والتي لا تكاد حتى أن تلامس شغاف القلوب ، وإنما تطوف بها من بعيد ، ثم ما تلبث أن ترحل دون أن أدنى تأثير!
هذا الشيخ ذا الصوت المبحوح ، كان يمسك بعصى موسى يضرب بها على كل قلب قاس لتتفجر به أنهار من الإيمان و الأوبة دون أدنى تكلف!
إن هذا المعلم من حياة الشيخ ينبغي لكل داعية نصب نفسه للجمهور أن يعمله حق إعماله عبر النظر في حاله وهو يهتف بالناس و يقرع آذانهم بالتذكير و التعليم أكان كلامه هذا ينبع من قلب صادق مخلص محب للخير لكل أحد ؟!
أم كان جرياً على قانون العادة : يحفظ أحدهم بضع جمل قدسية لينثرها أمام الناس كما ينثر الرماد في عيونهم !
ثم ينصرف غير محسوف عليه
...
رحل الشيخ و قد قضى شطراً من عمره للعلم و التعليم
دون أن يأخذ على أيا من هذا أجرة أو عطية!
في همة تأخذ بالألباب ، فالعمر يتقدم به و همته تتصاعد توقداً واشتعالاً!
زاهداً عما في أيدي الناس ، يتشوف للآخرة وقدمه على الأرض ، قلبه يحوم حول المآل و عقبى الدار ومعظم الناس لايكاد يمر على قلبه ذكر الوعد و الوعيد إلا لحظات يسيرة طوال أيام حياته، يطردها عن قلبه سريعا ثشبثه الشديد بطول الأمل !
في وقت قد خمدت فيه الهمم ، و خارت العزائم!
و أضحى هم الشاب لا يتجاوز نعليه!
يقضى طوراً من حياته في التفكير فيما يكسو به أيهابه ، و فيما يملأ به جوفه !
تحس بغبطته بجسمه و لونه و قشرته التي تبرز عليها تلال شحمية هائلة يظل يتقلب عليها سائر نهاره!
ولتقف على برهان ما أقول : اسأل عن ما يحلم به أي طالب الآن في الصفوف المتقدمة ؟
حينها سيعتبر منك عبئا جاثماً !
ومتلفسفا ثقيلاً ثمثل أمامه !
أو مريضا نفسيا عبثت به وساوسه و أفكاره!
..
يتبع ربما بعد أمد!
انتقل إلى جوار ربه بعد حياة طويلة قضاها متعلما ومعلما و عالما علماً أطبق على ذكره مشرق الأرض ومغربها!
..
لست الآن بصدد كتابة سيرة مسهبة أو مقتضبة عن حياة الشيخ
فالمواقع الإسلامية تعج بالكثير من تراجمه و مواقفه و فتاويه ، و إن كان في حياة أمثال هؤلاء الكثير من العظات و العبر لمن تدبر و ادكر!
ولن أقف لألقي على مسامعكم قصيدة حزن و رثاء تبكي فقد الشيخ و مآثره و حياته فالشعراء لم يألوا جهداً في إشباع الساحة بالعديد من الأبيات المكرورة معنى ومبنى بعد نضوب كثير من الغرائز الفطرية للشعر الآخاذ الساحر في نفوس شعراء العصر!
لذا فلن تجد في هذه الأشعار و لو بيتا واحداً يستحث قناتك الدمعية لسكب و لو دمعة واحدة تخفف من حرقة غياب هذا الشيخ!
ولست أيضاً أزعم أني سأقف بين أيديكم خطيباً واعظاً أذكر اللاهين و أحرض الغافلين للاستعداد للحظة الفراق هذه التي تعتبر جسر عبور لكل من قضى أزله لحياة أخرى مهولة مفضعة يدفع الإنسان فيها فاتورة جرائمه و ما اقترفت يداه -حتى مثقال الذرة- من جسده ليكون وقوداً لنار عظيمة تحدث القرآن عنها في آي كثر!
سأطرح هذه كله !
لأتحدث عن شيء في نفسي
...
فقد بكيت الشيخ كثيراً
كان بكاء يصحبه نشيج طويل لم أحس به من ذي قبل!
بكيت الكثير ممن صحبتهم و كفوا عن العيش الآن بينما لازلت أترقب تلك اللحظة وأنا أتقلب بين الخوف والرجاء!
قبل حولي سنتين شهدت فقد الشيخ عبر حلم مزعج
كنت حينها في المسجد و إذ بخبر وفاة الشيخ يصدع المكان و يجر الحشود للتزاحم عند باب المسجد الذي كنت فيه
بعد لحظات لمحت شخصاً كنت أعرفه فاستوقفته و سألته ما الخبر؟
فقال : مات الشيخ!
كان حلما مروعاً !
وهكذا هي الأحلام تقتحم حصن دماغك و تكبل استقرارك دونما استئذان!
أفقت بعد ذلك مذعوراً ، و سألت عن الشيخ و تأكدت أنه لم يزل على قيد الحياة حينها ، فطفقت في البحث عن معبر يفسر لي هذه الرؤيا!
( ستأتي الشيخ ، و ستتتلمذ بين يديه و تستفيد من علمه بإذن الله )
كان هذا مضمون تفسير المعبر!
تعجبت كثيرا من هذا التعبير حتى علمت بعدُ أن من قواعد المعبرين أن كل رمز حوته الرؤيا فهو يعبر الضد !
أضفى علي هذا قليلاً من القناعة لتعبيره!
كنت آنذاك أعيش لحظات عصيبة ، ولم يكن ثم شيء يخفف من وطأتها علي سوى تلهفي لهذه اللحظة التي أقف فيها بين يدي هذا الشيخ
و مرت السنون و الأيام و انتقل الشيخ لجوار ربه و لازلت حتى الآن أنتظر أوان تلك اللحظة !
صعقت بالخبر و كان أول ما خطر بقلبي : تلك الرؤيا و ذلك المعبر!
أكانت الرؤيا ضرباً من حديث النفس!
أم كان المعبر قاصر الباع في هذا العلم جعله يخلط في تعبيره!
أم كان الأمرين جميعاً!
..
ما أعاد لنفس غيضا من الطمأنينة و السكون يقيني أن الشيخ لم يمت بعد
مادامت للدعوة الاسلامية الخالصة قائمة على وجه الأرض
فالشيخ أحد رموزها و قد خلف تركة علمية سيظل ينهل منها الخافقين ما بقي متعلم فوق البسيطة!
وسأظل أنا: أرى و أسمع الشيخ من خلالها ما حييت!
...
وإذا ما غصنا في أبعاد حياة الشيخ الزاخرة
نجد أن الشيخ لم يكن حالة اسثنائية عن غيره من البشر في تكوينه و في حياته و نشأته!
ولد كما ولد الناس ، و ترعرع و نشأ مع أقرانه كما ينشأ الناس ، في حضن والديه في قرية من قرى نجد العتيقة : الرين!
تعلم و ثابر و حصل : لم يكن أذكى الناس أو حتى أذكى جيله بالتحديد ، أو أوفرهم علماً و فهماً ، فهناك حتما من كان أحد ذكاءاّ منه ، و أغزر علما منه ، و أشد فهماً!
لكن ثمت شيء كان ينساب مع ذلك العلم الذي تلقاه الشيخ !
كان شيئاً خفياً لايكاد يحس به إلا النفوس المؤمنة !
كانت تتحسسه الأرواح عندما يتكلم ويحدث أو ينصح و يحاضر ، يجعل هاتيك الأجساد تنقاد دون قياد ، يعمل عمل السحر فيها و ليس بسحر!
كان في ذاته كلاماً عادياً يردده الخطباء و الوعاظ كثيرا فلا يؤتي ثماره و لايتمكن من قلوب الناس كما كان يفعل كلام الشيخ!
كان رحمه الله يسكبه في قالب من الحب و الإخلاص مكن لهذا الحديث كل هذه القوة الخفية التي قبض بها على أفئدة الناس!
كان هذا ما ينقص كثيراً من المواعظ و المحاضرات التي أتخمت بها التسجيلات الإسلامية، والتي لا تكاد حتى أن تلامس شغاف القلوب ، وإنما تطوف بها من بعيد ، ثم ما تلبث أن ترحل دون أن أدنى تأثير!
هذا الشيخ ذا الصوت المبحوح ، كان يمسك بعصى موسى يضرب بها على كل قلب قاس لتتفجر به أنهار من الإيمان و الأوبة دون أدنى تكلف!
إن هذا المعلم من حياة الشيخ ينبغي لكل داعية نصب نفسه للجمهور أن يعمله حق إعماله عبر النظر في حاله وهو يهتف بالناس و يقرع آذانهم بالتذكير و التعليم أكان كلامه هذا ينبع من قلب صادق مخلص محب للخير لكل أحد ؟!
أم كان جرياً على قانون العادة : يحفظ أحدهم بضع جمل قدسية لينثرها أمام الناس كما ينثر الرماد في عيونهم !
ثم ينصرف غير محسوف عليه
...
رحل الشيخ و قد قضى شطراً من عمره للعلم و التعليم
دون أن يأخذ على أيا من هذا أجرة أو عطية!
في همة تأخذ بالألباب ، فالعمر يتقدم به و همته تتصاعد توقداً واشتعالاً!
زاهداً عما في أيدي الناس ، يتشوف للآخرة وقدمه على الأرض ، قلبه يحوم حول المآل و عقبى الدار ومعظم الناس لايكاد يمر على قلبه ذكر الوعد و الوعيد إلا لحظات يسيرة طوال أيام حياته، يطردها عن قلبه سريعا ثشبثه الشديد بطول الأمل !
في وقت قد خمدت فيه الهمم ، و خارت العزائم!
و أضحى هم الشاب لا يتجاوز نعليه!
يقضى طوراً من حياته في التفكير فيما يكسو به أيهابه ، و فيما يملأ به جوفه !
تحس بغبطته بجسمه و لونه و قشرته التي تبرز عليها تلال شحمية هائلة يظل يتقلب عليها سائر نهاره!
ولتقف على برهان ما أقول : اسأل عن ما يحلم به أي طالب الآن في الصفوف المتقدمة ؟
حينها سيعتبر منك عبئا جاثماً !
ومتلفسفا ثقيلاً ثمثل أمامه !
أو مريضا نفسيا عبثت به وساوسه و أفكاره!
..
يتبع ربما بعد أمد!