أبو فايز
03 / 06 / 2009, 38 : 08 PM
( وبئس كتاب يزعم الدفاع عن عمر .. فمن يحتاج إلى هيئة لكتب الدفاع هم الذين لم يكتشفوا عمر حتى الآن )
بهذه العبارة يختم حسن العلوي فصلا من فصول كتابه "عمر والتشيع" ..
حسن العلوي : الكاتب والسياسي الشيعي الذي خالط حب عمر بن الخطاب شغاف قلبه وأذاب مهجته ، حتى جعله يسمي أحد أبناءه بعمر .. لم يمنعه تشيعه عن البوح بحبه وإعجابه بالفاروق ، الذي جعله يقتحم عقبة التأليف لكتاب من أروع ما حفلت به المكتبة العربية في السنوات الأخيرة ..
لست أزعم أن مقالا كهذا يمكنه أن يسلط الضوء على قيمة الكتاب فكريا وسياسيا وأدبيا ، فالمؤلف صاحب باع طويل في الفكر والسياسة وحتى الأدب ، وانتشار الكتاب وشهرته والأثر الذي خلفه وردود الفعل التي حصدها سواء المؤيدة منها أو المعارضة أكبر شاهد على نجاحه ..
لكن ثمرة القول ولبه ، هو الأثر العميق لكلمة الحق والإنصاف التي تملأ القلوب بنورها ، والشجاعة في مواجهة الخرافة والموروثات الزائفة التي تطمس الحقائق وتشوه الصورة المضيئة لعظماء التاريخ وسادات البشر ..
كما لا أزعم أنني سأقدم قراءة نقدية أو تحليلية للكتاب فهذا ما لا يحتمله الاختصار كما هو شأن المقالات التي لا مجال فيها للإطالة والاستقصاء ، وإنما القصد إشارة بسيطة إلى مكانة الكتاب لأخذ تصور ولو بسيط عنه ..
فهذا الشيعي المتحمس لشيعيته ، القومي المتحمس لقوميته العلماني المتحمس لعلمانيته ، والسياسي صاحب المواقف البارزة حينما كان يوما من الأيام قائدا من قادات المعارضة العراقية للنظام السابق اثناء إقامته في الرياض ، لم يستطع أن يخفي حبا عمرا ولد بين جوانحه طفلا وعاش معه وكبر يوما بعد يوم ، حتى شامم روح العلوي وعقله ومشاعره ..
أعلم أن البعض قد يأخذ على بعض المثقفين احتفاءهم بهذا الكتاب كون عمر بن الخطاب ليس بحاجة إلى شهادة أو تزكية من أحد بعد تزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأننا لسنا بحاجة لاهتبال مثل هذه الكتب التي لا تخلو عادة من ترويج لأيدلوجيات أصحابها ، وهذا ما قد كافنا المؤلف مؤونته في ما صدرنا به هذا المقال ، ثم لا مانع من اعتبار هذا العمل من الإعمال الفريدة المنصفة ، وقد أتجوز بقول الحكمة القائلة ( الحق ما شهدت به الأعداء )
هذا على ما في الكتاب من الأخطاء والمغالطات وإن كانت يسيرة ، يدركها من له علاقة بالجوانب العقدية ، والمؤلف في هذا الجانب مطالع إن صح التعبير وليس متخصص ..
وأعلم أن بعض المنطلقات التي ينطلق منها المؤلف لتحليل بعض الأحداث والمواقف قد لا تكون مستساغة عن البعض ، فكونه قومي يرى أن من أبرز جوانب التميز في شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه هي عروبيته ، وهذا ما قد يمكنه من استخدام هذا التأويل في دعم موقفه السياسي وخاصة في مواجهة ما أسماه بمشروع تعجيم الشيعة والذي أدى إلى بتر شيعة العراق من الجسد العربي .. إلا أن هذا لا يعني أنه من قبيل سياسة تغيير المواقف التي يدندن حولها الشاربون من كأس المؤامرة حتى الثمالة ..
العلوي حقا أحب عمر ورأى فيه من العظمة ما لم يره في كثير من عظماء وعباقرة التاريخ عند كثير من الأمم ، ويمكن معرفة ذلك بمجرد قراءة عناوين فصول الكتاب ، ويمكن معرفة ذلك حينما تقرؤ استماتته في الدفاع عن عمر حتى في جاهليته ومن ذلك أنه نفى أن يكون عمر قد وأد ابنته في الجاهلية واستدل على ذلك بشراء عمه عمرو بن نفيل لبعض البنات قبل وأدهن وكيف أنه لم يفعل ذلك مع أبن أخيه وهو الأولى كما أشار إلى ذلك العقاد من قبل ، واستدل بأن عمر لم يئد ابنته حفصة رضي الله عنها وهي التي ولدت في الجاهلية .. ونفيه لكثير من التهم التي اتهم بها الفاروق رضي الله عنه ، وتشكيكه بل طعنه في الرواية التي تقول أن عمر رضي الله عنه كسر ضلع الزهراء ، وحط من قدر رسالة محمد جميل محمود التي ترضى فيها على أبي لؤلؤة المجوسي وقال في معرض الكلام عنها ( لكن ما لم يكن في بال عربي ومسلم ومستشرق وقارئ سيرة أن يردف أحد القتلة بعبارة رضي الله عنه ، الخاصة بالصحابة الأوائل والأولياء والأطهار ) ومحاربته الشديدة في الكتاب لما اسماه بتيار القطيعة أي الزاعمين بوجود قطيعة بين عمر وعلي .. ثم إن للمؤلف كتابا اسمه "الفتوح السفيانية" رفض أن ينشر إلا بعد موته ويقول بأنه حصيلة سنوات طويلة من البحث والتأليف ، وكتاب عمر والتشيع ليس إلا جزءا منه ..
يقول العلوي في كتاب عمر والتشيع ( كان ظهور الإسلام في الجزيرة العربية استجابة متوقعة لتحقيق التوازن بين الحرية والقانون . إن شخصية الصحابي إلى ما بعد عصر الصحابة بقليل يتعاون على تشكيلها وصياغتها عنصرا الطبيعة والإسلام ، أي الحرية والقانون وإذا كان البشر مختلفين في الاستعداد الذهني والنفسي للانجذاب نحو أحد هذين القطبين ، فإن النفوس المقدر لها النهوض بأدوار في التأسيس الحضاري ستنزع نحو القانون بجدية قد تثير حفيظة المستقرات الطبيعية في المجتمعات البرية .. إن عمر بن الخطاب شاخص مادي وروحي لاجتماع الحرية والقانون ) ويقول أيضا ( يدفعني إلى عمر حاجة الأمة إلى شيء من بعض عمر )
على أن الكتاب الذي نحن بصدده كتاب يصعب تصنيفه تحت مجال معرفي معين ، فهو كتاب فكري وسياسي وتاريخي وفيه ملامح أدبية تطالعك بين سطر وآخر بل مقدمته عن الكرادة قطعة أدبية نادرة ..
والكلام عن مادة الكتاب يطول ، والكلام عن السياقات والظروف والدوافع والحالة السياسية التي ألف فيها الكتاب أطول ، فمثلا يمكن معرفة بعض الأبعاد السياسية في المادة المطروحة والأهداف التي ترمي إليها أو المشكلات التي تسعى لحلها ، بل يمكن استشراف الرؤية المستقبلية للمؤلف حول بعض القضايا السياسية ، من خلال ربط الكتاب بكتب المؤلف السابقة مثل كتاب "الشيعة والدولة القومية" وإن كان يحارب فيه التمذهب وكتاب "دولة الإستعارة القومية" ..
بمعنى يمكن الخروج بمحصلة ابتدائية تقول أن المشروع القومي هو المظلة التي يرى المؤلف أنه يمكن تحتها خلق توافق بين السنة والشيعة على الأقل في العراق ، فخوفه من الدور الإقليمي الذي تلعبه إيران ، وخوفه مما سماه بتعجيم شيعة العراق ، وتعاطفه مع السنة في العهد الحالي وهو عهد الاحتلال الأمريكي ، كما كان متعاطفا مع الشيعة أيام الاستعمار البريطاني وما تلاه من أنظمة ، يمكن أن يؤكد صحة ما خرجنا به من استنتاج وإن كان بمقدورنا إدراكه ابتداء دون استحضار هذه المؤشرات .. أيضا تأليفه لهذا الكتاب هو محاولة للتأليف بين السنة والشيعة لبناء وطن موحد كما صرح بذلك قائلا ( إن عمر والكتابة في عمر وترويج تيار المشاركة بينه وبين علي هو الذي سيبني معمارية الوطن الموحد )
هذه كما أشرنا محصلة أولية تضاف إلى العديد من المحصلات التي يتوصل إليها بعد القراءة التحليلية للكتاب في جانب معين يقال في غيره من الجوانب كما قيل فيه ، لمن أراد البحث والاستقراء ..
وأقف عند هذا الحد من الحديث عن الكتاب الذي لا أجد حرجا في القول بأنه من أجمل مطالعاتي طيلة عام مضى ، بل لولا بعض الكتب التي تعن لي عناوينها ، لرميت التبعيضية في مكان سحيق .
بهذه العبارة يختم حسن العلوي فصلا من فصول كتابه "عمر والتشيع" ..
حسن العلوي : الكاتب والسياسي الشيعي الذي خالط حب عمر بن الخطاب شغاف قلبه وأذاب مهجته ، حتى جعله يسمي أحد أبناءه بعمر .. لم يمنعه تشيعه عن البوح بحبه وإعجابه بالفاروق ، الذي جعله يقتحم عقبة التأليف لكتاب من أروع ما حفلت به المكتبة العربية في السنوات الأخيرة ..
لست أزعم أن مقالا كهذا يمكنه أن يسلط الضوء على قيمة الكتاب فكريا وسياسيا وأدبيا ، فالمؤلف صاحب باع طويل في الفكر والسياسة وحتى الأدب ، وانتشار الكتاب وشهرته والأثر الذي خلفه وردود الفعل التي حصدها سواء المؤيدة منها أو المعارضة أكبر شاهد على نجاحه ..
لكن ثمرة القول ولبه ، هو الأثر العميق لكلمة الحق والإنصاف التي تملأ القلوب بنورها ، والشجاعة في مواجهة الخرافة والموروثات الزائفة التي تطمس الحقائق وتشوه الصورة المضيئة لعظماء التاريخ وسادات البشر ..
كما لا أزعم أنني سأقدم قراءة نقدية أو تحليلية للكتاب فهذا ما لا يحتمله الاختصار كما هو شأن المقالات التي لا مجال فيها للإطالة والاستقصاء ، وإنما القصد إشارة بسيطة إلى مكانة الكتاب لأخذ تصور ولو بسيط عنه ..
فهذا الشيعي المتحمس لشيعيته ، القومي المتحمس لقوميته العلماني المتحمس لعلمانيته ، والسياسي صاحب المواقف البارزة حينما كان يوما من الأيام قائدا من قادات المعارضة العراقية للنظام السابق اثناء إقامته في الرياض ، لم يستطع أن يخفي حبا عمرا ولد بين جوانحه طفلا وعاش معه وكبر يوما بعد يوم ، حتى شامم روح العلوي وعقله ومشاعره ..
أعلم أن البعض قد يأخذ على بعض المثقفين احتفاءهم بهذا الكتاب كون عمر بن الخطاب ليس بحاجة إلى شهادة أو تزكية من أحد بعد تزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأننا لسنا بحاجة لاهتبال مثل هذه الكتب التي لا تخلو عادة من ترويج لأيدلوجيات أصحابها ، وهذا ما قد كافنا المؤلف مؤونته في ما صدرنا به هذا المقال ، ثم لا مانع من اعتبار هذا العمل من الإعمال الفريدة المنصفة ، وقد أتجوز بقول الحكمة القائلة ( الحق ما شهدت به الأعداء )
هذا على ما في الكتاب من الأخطاء والمغالطات وإن كانت يسيرة ، يدركها من له علاقة بالجوانب العقدية ، والمؤلف في هذا الجانب مطالع إن صح التعبير وليس متخصص ..
وأعلم أن بعض المنطلقات التي ينطلق منها المؤلف لتحليل بعض الأحداث والمواقف قد لا تكون مستساغة عن البعض ، فكونه قومي يرى أن من أبرز جوانب التميز في شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه هي عروبيته ، وهذا ما قد يمكنه من استخدام هذا التأويل في دعم موقفه السياسي وخاصة في مواجهة ما أسماه بمشروع تعجيم الشيعة والذي أدى إلى بتر شيعة العراق من الجسد العربي .. إلا أن هذا لا يعني أنه من قبيل سياسة تغيير المواقف التي يدندن حولها الشاربون من كأس المؤامرة حتى الثمالة ..
العلوي حقا أحب عمر ورأى فيه من العظمة ما لم يره في كثير من عظماء وعباقرة التاريخ عند كثير من الأمم ، ويمكن معرفة ذلك بمجرد قراءة عناوين فصول الكتاب ، ويمكن معرفة ذلك حينما تقرؤ استماتته في الدفاع عن عمر حتى في جاهليته ومن ذلك أنه نفى أن يكون عمر قد وأد ابنته في الجاهلية واستدل على ذلك بشراء عمه عمرو بن نفيل لبعض البنات قبل وأدهن وكيف أنه لم يفعل ذلك مع أبن أخيه وهو الأولى كما أشار إلى ذلك العقاد من قبل ، واستدل بأن عمر لم يئد ابنته حفصة رضي الله عنها وهي التي ولدت في الجاهلية .. ونفيه لكثير من التهم التي اتهم بها الفاروق رضي الله عنه ، وتشكيكه بل طعنه في الرواية التي تقول أن عمر رضي الله عنه كسر ضلع الزهراء ، وحط من قدر رسالة محمد جميل محمود التي ترضى فيها على أبي لؤلؤة المجوسي وقال في معرض الكلام عنها ( لكن ما لم يكن في بال عربي ومسلم ومستشرق وقارئ سيرة أن يردف أحد القتلة بعبارة رضي الله عنه ، الخاصة بالصحابة الأوائل والأولياء والأطهار ) ومحاربته الشديدة في الكتاب لما اسماه بتيار القطيعة أي الزاعمين بوجود قطيعة بين عمر وعلي .. ثم إن للمؤلف كتابا اسمه "الفتوح السفيانية" رفض أن ينشر إلا بعد موته ويقول بأنه حصيلة سنوات طويلة من البحث والتأليف ، وكتاب عمر والتشيع ليس إلا جزءا منه ..
يقول العلوي في كتاب عمر والتشيع ( كان ظهور الإسلام في الجزيرة العربية استجابة متوقعة لتحقيق التوازن بين الحرية والقانون . إن شخصية الصحابي إلى ما بعد عصر الصحابة بقليل يتعاون على تشكيلها وصياغتها عنصرا الطبيعة والإسلام ، أي الحرية والقانون وإذا كان البشر مختلفين في الاستعداد الذهني والنفسي للانجذاب نحو أحد هذين القطبين ، فإن النفوس المقدر لها النهوض بأدوار في التأسيس الحضاري ستنزع نحو القانون بجدية قد تثير حفيظة المستقرات الطبيعية في المجتمعات البرية .. إن عمر بن الخطاب شاخص مادي وروحي لاجتماع الحرية والقانون ) ويقول أيضا ( يدفعني إلى عمر حاجة الأمة إلى شيء من بعض عمر )
على أن الكتاب الذي نحن بصدده كتاب يصعب تصنيفه تحت مجال معرفي معين ، فهو كتاب فكري وسياسي وتاريخي وفيه ملامح أدبية تطالعك بين سطر وآخر بل مقدمته عن الكرادة قطعة أدبية نادرة ..
والكلام عن مادة الكتاب يطول ، والكلام عن السياقات والظروف والدوافع والحالة السياسية التي ألف فيها الكتاب أطول ، فمثلا يمكن معرفة بعض الأبعاد السياسية في المادة المطروحة والأهداف التي ترمي إليها أو المشكلات التي تسعى لحلها ، بل يمكن استشراف الرؤية المستقبلية للمؤلف حول بعض القضايا السياسية ، من خلال ربط الكتاب بكتب المؤلف السابقة مثل كتاب "الشيعة والدولة القومية" وإن كان يحارب فيه التمذهب وكتاب "دولة الإستعارة القومية" ..
بمعنى يمكن الخروج بمحصلة ابتدائية تقول أن المشروع القومي هو المظلة التي يرى المؤلف أنه يمكن تحتها خلق توافق بين السنة والشيعة على الأقل في العراق ، فخوفه من الدور الإقليمي الذي تلعبه إيران ، وخوفه مما سماه بتعجيم شيعة العراق ، وتعاطفه مع السنة في العهد الحالي وهو عهد الاحتلال الأمريكي ، كما كان متعاطفا مع الشيعة أيام الاستعمار البريطاني وما تلاه من أنظمة ، يمكن أن يؤكد صحة ما خرجنا به من استنتاج وإن كان بمقدورنا إدراكه ابتداء دون استحضار هذه المؤشرات .. أيضا تأليفه لهذا الكتاب هو محاولة للتأليف بين السنة والشيعة لبناء وطن موحد كما صرح بذلك قائلا ( إن عمر والكتابة في عمر وترويج تيار المشاركة بينه وبين علي هو الذي سيبني معمارية الوطن الموحد )
هذه كما أشرنا محصلة أولية تضاف إلى العديد من المحصلات التي يتوصل إليها بعد القراءة التحليلية للكتاب في جانب معين يقال في غيره من الجوانب كما قيل فيه ، لمن أراد البحث والاستقراء ..
وأقف عند هذا الحد من الحديث عن الكتاب الذي لا أجد حرجا في القول بأنه من أجمل مطالعاتي طيلة عام مضى ، بل لولا بعض الكتب التي تعن لي عناوينها ، لرميت التبعيضية في مكان سحيق .