المسردي
14 / 11 / 2002, 22 : 09 PM
أبها: سعد السويلم
بعد أن بثت قناة "الجزيرة" القطرية شريطاً صوتياً لأسامة بن لادن، تباينت الآراء حول صحة الشريط، ولكن هناك مؤشرات قوية من الاستخبارات الأمريكية التي ما تزال تدرس محتوى الشريط إلى أن الصوت الذي على الشريط هو فعلاً صوت أسامة بن لادن. ويرى الكثير من لمحللين أن الشريط يحمل أيضاً رسائل مشفرة لأتباع بن لادن لحثهم على القيام بأعمال إرهابية لا تعرف أهدافها.
شريط بن لادن هذا لا يختلف عن معظم أشرطته السابقة (الصوتية والمرئية) التي يحاول من خلالها تجنيد أبناء المسلمين للقيام بأعمال عنف وإرهاب من خلال إيقاد حماسهم بذكر القضايا العربية والإسلامية. ولكن هذا الشريط يختلف أيضاً عما سبقه في تعديده للعمليات الإرهابية التي تمت حديثاً، وفي تزامنه مع صدور قرار مجلس الأمن 1441 ضد العراق. وحيث إن العمليات الإرهابية التي يذكرها بن لادن في شريطه قد حدثت فبإمكاننا القول إنه علم عنها عبر وسائل الإعلام، وقد لا يكون له يد في التخطيط لها أو في الأمر بتنفيذها، خاصة وأن شبكته قد تفككت وأصبحت اتصالات عملائه مع بعضهم البعض صعبة، إن لم تكن مستحيلة. بالتأكيد إن هذا لا يعني أن خلايا "القاعدة" لم تكن وراء العمليات تلك؛ ربما أن دور بن لادن فيها لا يتعدى الأيديولوجية الموروثة فقط، حيث ينفذ عملاؤه ما يعلموا أنه سيسره وسيكون على نهجه.
أما تزامن شريط بن لادن مع صدور قرار مجلس الأمن 1441، فإنه بالتأكيد محاولة استغلال غضب العرب والمسلمين من أمريكا (ليس فقط بسبب تهديدها للعراق، بل وبسبب دعمها شبه المطلق لإسرائيل) لتجنيد شباب المسلمين في صفوف "القاعدة" وصبغ أي عملية احتجاج يقومون بها - خاصة إذا تم غزو العراق - بصبغة "الجهاد" الذي حركته فيهم "القاعدة".
بطبيعة الحال ستكون هناك موجات من الاحتجاج في العالمين العربي والإسلامي إذا قامت الولايات المتحدة بغزو العراق (سبق وأن نظم الأمريكيون والأوروبيون مظاهرات احتجاج على الغزو المتوقع للعراق)، فهل لنا أن نقول إن ذلك تلبية لدعوة بن لادن أو انخراط في صفوف تنظيمه؟ المقلق في الأمر أن يبدأ البعض - بسبب احتجاجهم - يرون أن ليس هناك فرق بين قضيتهم وقضية بن لادن. فقضية بن لادن هي عدم التسامح مع الأديان الأخرى - وهذه مخالفة صريحة للدين الحنيف - كما أنها تعتمد على قتل الأبرياء وترويع الآمنين - وهذا أيضاً انتهاك لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
تعتمد أسطورة بن لادن التي استطاع أن يوظف من خلالها الكثير من شباب المسلمين، على هزيمة الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان؛ حيث أدت هزيمة السوفييت إلى نوع من الغرور لدى الكثير من المسلمين، ورفعت الأصوات التي تنادي بـ "الجهاد"، على الرغم من تحذير علماء المسلمين من أن ليس لأحد الحق في الأمر بالجهاد إلا أولياء أمور المسلمين. بعد هزيمة السوفييت في أفغانستان بدأ بن لادن بتبني القضايا الإسلامية الأخرى مثل قضية الشيشان (ويجب أن نلاحظ أنه هو ومرشده الدكتور عبدالله عزام لم يذكرا القضية الفلسطينية ولم يحاولا التعامل معها)، ويستخدم هذه القضايا - بالإضافة إلى هزيمة الروس - كوسائل تجنيد وتوظيف. ونرى أنه حريص جداً على عدم الإشارة للدور الأمريكي في هزيمة السوفييت في أفغانستان. فكما أصبح معروف لدى الكثير خاصة المطلعين من العرب وغيرهم، فإن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي ضخت بأكثر من 3 مليارات دولار في الحرب الأفغانية وزودت المجاهدين بالأسلحة المتطورة ودربتهم عليها حتى تمت هزيمة الروس وخروجهم عام 1989م. بالإضافة إلى ذلك، فإن وكالة المخابرات المركزية، وليس بن لادن، هي التي قامت بتجنيد عشرات الآلاف من أبناء المسلمين - من خلال المنشورات والدعايات والإعلان عن الكرامات المزعومة (التي تفوق المعجزات في غرابتها) للالتحاق بالجهاد في أفغانستان. كما أنها هي التي بنت المخابئ للمجاهدين، وكانت تصلح بين فصائلهم المتناحرة، كل ذلك من أجل كبح المد الشيوعي في آسيا الوسطى. وخلال كل هذا، لم يكن بن لادن إلا أحد جنود الـ "سي آي أيه". (المخابرات المركزية الأمريكية).
من المؤكد أن محاولة بن لادن لتجنيد الرأي العام العربي وتجنيد أبناء المسلمين في تنظيمات إرهابية عن طريق استغلال القضية الفلسطينية أو غيرها لن ينجح لأن الآلة التي كانت تضمن نجاح دعايته أصبحت تعمل ضده. ولكن الأهم من ذلك، هو وعي الإنسان العربي والمسلم بأن الدين الإسلامي يرفض العنف والإرهاب، وكذلك إدراكه بأن ما فعله بن لادن وأتباعه في 11 سبتمبر وقبل ذلك وبعده قد ألحق الضرر بالإسلام والمسلمين واستعدى الآخرين عليهم. كما أن وعينا جميعاً بأن قضايانا لن تحل إلا عن طريق الدبلوماسية والحوار سيفشل محاولة بن لادن وأمثاله لاستغلال غضبنا وتذمرنا والتوجه إلى طريق لن يخدم قضايانا، بل سيفسد كل ما بنيناه.
واترك لكم التعليق ؟؟
منقول من شبكة الفجر
بعد أن بثت قناة "الجزيرة" القطرية شريطاً صوتياً لأسامة بن لادن، تباينت الآراء حول صحة الشريط، ولكن هناك مؤشرات قوية من الاستخبارات الأمريكية التي ما تزال تدرس محتوى الشريط إلى أن الصوت الذي على الشريط هو فعلاً صوت أسامة بن لادن. ويرى الكثير من لمحللين أن الشريط يحمل أيضاً رسائل مشفرة لأتباع بن لادن لحثهم على القيام بأعمال إرهابية لا تعرف أهدافها.
شريط بن لادن هذا لا يختلف عن معظم أشرطته السابقة (الصوتية والمرئية) التي يحاول من خلالها تجنيد أبناء المسلمين للقيام بأعمال عنف وإرهاب من خلال إيقاد حماسهم بذكر القضايا العربية والإسلامية. ولكن هذا الشريط يختلف أيضاً عما سبقه في تعديده للعمليات الإرهابية التي تمت حديثاً، وفي تزامنه مع صدور قرار مجلس الأمن 1441 ضد العراق. وحيث إن العمليات الإرهابية التي يذكرها بن لادن في شريطه قد حدثت فبإمكاننا القول إنه علم عنها عبر وسائل الإعلام، وقد لا يكون له يد في التخطيط لها أو في الأمر بتنفيذها، خاصة وأن شبكته قد تفككت وأصبحت اتصالات عملائه مع بعضهم البعض صعبة، إن لم تكن مستحيلة. بالتأكيد إن هذا لا يعني أن خلايا "القاعدة" لم تكن وراء العمليات تلك؛ ربما أن دور بن لادن فيها لا يتعدى الأيديولوجية الموروثة فقط، حيث ينفذ عملاؤه ما يعلموا أنه سيسره وسيكون على نهجه.
أما تزامن شريط بن لادن مع صدور قرار مجلس الأمن 1441، فإنه بالتأكيد محاولة استغلال غضب العرب والمسلمين من أمريكا (ليس فقط بسبب تهديدها للعراق، بل وبسبب دعمها شبه المطلق لإسرائيل) لتجنيد شباب المسلمين في صفوف "القاعدة" وصبغ أي عملية احتجاج يقومون بها - خاصة إذا تم غزو العراق - بصبغة "الجهاد" الذي حركته فيهم "القاعدة".
بطبيعة الحال ستكون هناك موجات من الاحتجاج في العالمين العربي والإسلامي إذا قامت الولايات المتحدة بغزو العراق (سبق وأن نظم الأمريكيون والأوروبيون مظاهرات احتجاج على الغزو المتوقع للعراق)، فهل لنا أن نقول إن ذلك تلبية لدعوة بن لادن أو انخراط في صفوف تنظيمه؟ المقلق في الأمر أن يبدأ البعض - بسبب احتجاجهم - يرون أن ليس هناك فرق بين قضيتهم وقضية بن لادن. فقضية بن لادن هي عدم التسامح مع الأديان الأخرى - وهذه مخالفة صريحة للدين الحنيف - كما أنها تعتمد على قتل الأبرياء وترويع الآمنين - وهذا أيضاً انتهاك لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
تعتمد أسطورة بن لادن التي استطاع أن يوظف من خلالها الكثير من شباب المسلمين، على هزيمة الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان؛ حيث أدت هزيمة السوفييت إلى نوع من الغرور لدى الكثير من المسلمين، ورفعت الأصوات التي تنادي بـ "الجهاد"، على الرغم من تحذير علماء المسلمين من أن ليس لأحد الحق في الأمر بالجهاد إلا أولياء أمور المسلمين. بعد هزيمة السوفييت في أفغانستان بدأ بن لادن بتبني القضايا الإسلامية الأخرى مثل قضية الشيشان (ويجب أن نلاحظ أنه هو ومرشده الدكتور عبدالله عزام لم يذكرا القضية الفلسطينية ولم يحاولا التعامل معها)، ويستخدم هذه القضايا - بالإضافة إلى هزيمة الروس - كوسائل تجنيد وتوظيف. ونرى أنه حريص جداً على عدم الإشارة للدور الأمريكي في هزيمة السوفييت في أفغانستان. فكما أصبح معروف لدى الكثير خاصة المطلعين من العرب وغيرهم، فإن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي ضخت بأكثر من 3 مليارات دولار في الحرب الأفغانية وزودت المجاهدين بالأسلحة المتطورة ودربتهم عليها حتى تمت هزيمة الروس وخروجهم عام 1989م. بالإضافة إلى ذلك، فإن وكالة المخابرات المركزية، وليس بن لادن، هي التي قامت بتجنيد عشرات الآلاف من أبناء المسلمين - من خلال المنشورات والدعايات والإعلان عن الكرامات المزعومة (التي تفوق المعجزات في غرابتها) للالتحاق بالجهاد في أفغانستان. كما أنها هي التي بنت المخابئ للمجاهدين، وكانت تصلح بين فصائلهم المتناحرة، كل ذلك من أجل كبح المد الشيوعي في آسيا الوسطى. وخلال كل هذا، لم يكن بن لادن إلا أحد جنود الـ "سي آي أيه". (المخابرات المركزية الأمريكية).
من المؤكد أن محاولة بن لادن لتجنيد الرأي العام العربي وتجنيد أبناء المسلمين في تنظيمات إرهابية عن طريق استغلال القضية الفلسطينية أو غيرها لن ينجح لأن الآلة التي كانت تضمن نجاح دعايته أصبحت تعمل ضده. ولكن الأهم من ذلك، هو وعي الإنسان العربي والمسلم بأن الدين الإسلامي يرفض العنف والإرهاب، وكذلك إدراكه بأن ما فعله بن لادن وأتباعه في 11 سبتمبر وقبل ذلك وبعده قد ألحق الضرر بالإسلام والمسلمين واستعدى الآخرين عليهم. كما أن وعينا جميعاً بأن قضايانا لن تحل إلا عن طريق الدبلوماسية والحوار سيفشل محاولة بن لادن وأمثاله لاستغلال غضبنا وتذمرنا والتوجه إلى طريق لن يخدم قضايانا، بل سيفسد كل ما بنيناه.
واترك لكم التعليق ؟؟
منقول من شبكة الفجر