المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سباحة


الأســـتاذ
22 / 04 / 2009, 09 : 11 PM
أمسك القلم تارة ثم أنحيه تارة أخرى ، و أعظ عليه بأضراسي ، ثم أستجمع أناملي مرة أخرى و أمسك مؤخرته بأطرافها لأرفعه من أسفله أمام ناظري ، و أستجدي الكلمات حيناً بعد حين ، و الدقائق تمضي و كانت هذه المحصلة وليتها لم تكن :
* حكمة!
القافلة تسير و الكلاب تسير أيضاً ، هي تنبح و القافلة صامتة ، تمضي في دأب ، دون أن تعير هذه الكلاب بالاً ، و بعد مئات من الكيلو مترات أصخت القافلة لها ، ففرت الكلاب للأمام و القافلة ظلت واقفة لم تسر !
* ماركة!
عطر مَنشِمِ ماركة جاهلية ، كانت تهم الأموات أكثر من الأحياء ، فـ منشم هذه اسم امرأة كانت تدق العطر ، و تهيئه لتضميخ القتلى ، فأي تفاؤل تبعثه هذه المرأة في نفوس الأحياء ، و أي وظيفة كانت تشغلها، يعود الحاكم العربي لعرشه المذهب ، فيتذكر أن غداً سيلتقي بمنشم العرب ، و يتذكر مشنقة صدام ، و اغتيال السادات ، و مطاردة البشير ، ووطأة التطبيع مع اسرائيل ، فيظل يتحسس رقبته و هو يردد قول زهير : تداركتما عبساً و ذبيان بعدما / تفانوا ، و دقوا بينهم "عطر منشمِ" !!
* توبة مستقيم فاشل!
كان في شبابه متشدداً أصولياً من الدرجة الأولى لدرجة استعداده للفتك بكل من يرفع رأسه و هو يمشي ظناً منه أنه يغمز للفتيات في الطرقات، صنف حينها مذكرة أسماها "فصل الخطاب في كفر جميع الكتاب " ، ثم نحى إلى العلمانية بعد معاناة طويلة في السجون المركزية ، و بدأ بتأليف كتاب أسماه " هداية العلمانية " ثم تخلى عن علمانيته و انغمس في وحل الليبرالية ، و بعدها بأيام اعتنق أفكار الاشتراكية ، ثم الحداثة المعاصرة ، و بدأ باصدار ديوانه الشعري " حمَّام القمر " ، و في منتصف عمره هجر كل هذا و بدأ ينحو للتيارات العقلانية و أعجب بها كثيراً ، و عندما أقبل على العقد الخامس من عمره ، خلف كل هذه التيارات وراء ظهره ، واعترف أخيرا أن كل مؤلفاته ليس له فيها حرفا واحدا و إنما كانت تكتب له و فضَّل العيش كمسلم زنديق مسالم!
*قُبلة!
كانت لحظة حاسمة ، حينما أقدمت تلك الحسناء لترسم على قلة ذلك الكهل قبل حارة ، في محفل مشهود ، تلقفتها بعد ذلك كاميرات المصورين ، و أقلام الصحافة ، كانت تظن أنه لن يكون حدثاً عابراً ، لذا بادرت بالتصدي لكل الحملات التي ستغمز في شرفها و أخلاقها ، و أستهجنت تلك الحساسية المفرطة من قبل مجتمع كهوفي مظلم يرى من قبلة شيخ عجوز خدشا للأعراف النبيلة ، ووعدت الناس بقبلة أخرى لشيخ آخر في مكان ما، كان ذلك الكهل يترقب الفرصة المواتية ليرد للفتاة ما أسدت إليه من معروفها العظيم الذي أيقظ في بدنه خلاياه النائمة ، و بدأ يعد العدة لقبلة حارة يضعها بمكان أعزل من جسد هذه الفتاة ، لايحول بينه و بينها شماغ و طاقية فالرجل لايقبل بتقبيل رأس المرأة المحترمة!
* المتثائبون "
يذهب لدوامه متأخراً بعض الشيء ، ليلقي بجسده المنهك من النوم الطويل على طاولة مكتبه ، يقلب بعض أوراقه ثم يلملمها بسرعة ليلقي بها بأحد الأدراج ، ليتفرغ بعدها لمناقشة أحداث فيلم البارحة أو كيف ستسير مباراة اليوم ، يعود بعد ذلك مبكراً قبل انتهاء الدوام مهتبلاً غفلة مديره ليوقع على دفتر الخروج ، هكذا هي حياة الأكثرين منا ، خالية من الجدية ، مليئة بالرتابة ، أكثر ما نجيد فعله هو التثاؤب ، يستقطع معظم وقتنا ، صناعة الأفكار لا يكلف الكثير لكنه لم يفعل في حياتنا ، فرضته علينا لأنظمتنا العقيمة ، و أحوالنا الاجتماعية ، حاول أن تجلس مع نفسك ، و استلهم أفكارك بطريقة و أخرى واجعلها تنعكس على واقع عملك و مجتمعك و انعم بالتغيير بعد ذلك.
دمتم:12:

زائر الليل
23 / 04 / 2009, 50 : 10 AM
محصلة جميلة تلك التي عصرتها من قلمك عصراً لتنثرها هنا بأسلوب أدبي جميل
شكراً أستاذنا ..

سلطان آل حيدان
23 / 04 / 2009, 36 : 03 PM
أخي الأستاذ
كتبت فأبعدت وليس لغير الإبداع قلم غير قلمك
مقال رائع وأسلوب جميل

دمتـ بحفظ الرحمنـ

أبو فـلاح
25 / 04 / 2009, 11 : 10 AM
* حكمة!
القافلة تسير و الكلاب تسير أيضاً ، هي تنبح و القافلة صامتة ، تمضي في دأب ، دون أن تعير هذه الكلاب بالاً ، و بعد مئات من الكيلو مترات أصخت القافلة لها ، ففرت الكلاب للأمام و القافلة ظلت واقفة لم تسر !

أخي الأسـتاذ ...يبدو لي أننا بحاجة إلى تطوير هذا المثل وفق رؤيتك فالناس قديما تعودت على أن الكلاب تنبح واقفة لكنها هذه الأيام باتت تسير كما وصفتها ...وواقعنا المعاصر يؤكد ذلك ...هذه الكلاب لاتزال تسير وتنبح بل زادت على ذلك بالنهش ....


سأعود للتثاؤب :175: فقد تعبت من عصر عقلي مع هذا المقال الراقي ..

دام قلمك

برق الحيا
26 / 04 / 2009, 51 : 03 AM
رساله مبطنه تحمل الكثير الكثير ..!


فلم تكتفي بالسباحه فقد غصت في أعماقها ..!

وأنت لاتدري.. مابين طرفة عين وإنتباهتها يبدل الله من حال الى حال ..

تحيااتي .