أبو ياسر
03 / 03 / 2009, 03 : 06 PM
الإنصاف الذي أريده هنا ، هو الإقرار بالحق الصادر من الغير مهما كان هذا الغير قريباً من نفسك أو بعيداً، يسير في سكتك أو لا يسير ، فلا يمنعك الاختلاف معه في الرأي أو الأسلوب أن تقول له أنت محق فيما تقول ، و هذا الإنصاف ينعته بعض علماء الاجتماع بـ( الإنصاف الأدبي) ، و بما أن الضد يبين الشيء ، فضد الإنصاف هنا هو العناد و رد الرأي مع إقرار النفس بأنه حق، فرأيتم من هذا البيان أن الإنصاف الذي أريده أخص من الإنصاف الذي يراد به العدل و تروج كلمته في أروقة المحاكم ، فأقول مستمداً العناية من الله:
الإنصاف الأدبي من الخصال العلية التي تتحلى بها الجماعات الفاضلة ، و متى فقدت ثلمت ثلمه في كيان السعادة المتين، وسرى الوهن في جسد الجماعة سريان النار في الحطيم ، و لا ترسخ هذه الصفة في نفس إلا أورثتها الكمال ، و لا تكون شعار أمة إلا بؤتها سدة الريادة و التمام ؛ و المتأمل المنصف لسير الأمم المتحضرة التي صالة و جالت في دفتر التاريخ، و خطت في باح العظمة التليد أجزل المواقف و أعظم التضحيات، ليجد خلة الإنصاف للعلماء و المصلحين و القادة المخلصين و الرعاع الصادقين هو المتقرر في أنفس زعاماتها و مجالسها الشورية أو البرلمانية مع غض الطرف عن ألوانهم و عاداتهم بله دياناتهم ، و أعظم حضارة طرقت أبواب العظمة و تربعت على عرش السيادة هي حضارة الإسلام ، لترى جلياً كم كان قائدها المعظم / صلى الله عليه و سلم ، ينصف أصحابه و أعدائه على حد سواء و لا يمنعه من ذلك شيء ، و لما تخلت الأمة عن نهج نبيها – صلى الله عليه و سلم – وتبعت الغرب في كل جحر إلا جحر المساواة و الإنصاف / ضلت الطريق و أضحت أسيرت المفازاة البيد و المهامه السود ، وغدت أمتنا ذنباً لرأس الغرب المنيف لأنه ينصف أتباعه و يقول لمحقهم أنت محق فكان الأسود زعيماً للبيت الأبيض ، أرأيتم كم هو الإنصاف عزيز!!
إن رد الحق – يا سادة - و عدم الإذعان له هو نتيجة لمقدمات تنفخ أكثرها في كير الحسد البغيض ، والغلو في حب الذات المقيت ، إما للاستئثار بالفخار أو لتباع الهوى المضل، فالغالي في حب ذاته يريد أن يكون الحق من بنات أفكاره ، و نتاج تأملاته ، فإن سبقه إليه أحد أنكره و لم يعترف به ، لأنه باختصار يتمنى لو كان منه ، ويعتقد أن الفخر سلعة يتملكها واحد فيبغي أن يكون هو!!
ومن اتبع هواه فيكفي في هوانه أن ما علقت هذه اللفظة في قواميس الإنسانية إلا وذيلت بالخزي و البوار ، و ما تبع أحد الهوى إلا هوى في دركات التباب و الدنائة ، فصاحب الهوى لا يعقل و لا يسمع إلا إملائات هواه و من أصدق وصفاً من الله إذ يقول:( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ..
فإذا رأيت من يرد الحق الواضح فتحسس هاتين السوءتين فإن بدت لك ، فاعلم أن جزاءه الأوفى نار البعاد الدنيا لا جنة القرب العليا، فإن كان في محلة تقيم وجب على ولي الأمر عزله ،وإن كان صاحباً فكن على حذر من رأيه ، واحرص على نصحه و الإنكار عليه، فإن كانت سوءته حسداً فأعلمه أن النعم توهب من علام الغيوب لا إدارة فيها للخلق إلا طرق باب السبب فمن اشتد طرقه حري بأن يسمع صوته و تجاب زيارته ، و أن للإنسان إلا ما قدر في سجل الغيب فإن كان خير فليحمد الله عليه و إن كانت الأخرى فلا يلومن إلا نفسه،وإن كانت حباً لنيل الفخارأو استئثاراً بالانفراد ، فهذب هذه السجية بالحكمة و احرص أن تصرفها في مصرفها الشريف بأن يجد صاحبه لظفر بالرتب السامقة و يجهد طاقاته في الركض في مضمار المنافسة دون الإضرار بالغير أو غمط فضلهم ، فإن حاز بذا الجهد الرتبة العلية فالليخر لله شاكراً ، و إن زلت همته و فاقه من كان أعلم منه و أقدر ، فعليه أن ينسب الفضل لمن يستحقه و يسحق بشكره بطر نفسه و جنوحها ..
واعلموا – رحمني الله و إياكم – أن من يتحلى بالإنصاف الأدبي سيد في قومه ، قريب من قلوب الناس أجمعين ، وبآرائه الغر يستنير من اهتدى به ،ومن بلي بقلة الإنصاف باعد بينه و بين أقاربه و أصحابه، و كم من جفوة نشأت بين صديقين حميمين أو أخوين شقيقين كان منشأها من جحود أحدهما فضائل الآخر و ما يميزه، أو فند رأياً يعلم انه أصاب فيه الرأي تلبية لهواه و نفسه و قال الحكيم الأول:
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة# بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم
ومتى شعر الرجل من عشيره أنه ينكر شيء من فضله، أو يتعسف القول لمعارضة رأي رآه كان الآخر غير موضع للصحبة و المخالطة، وربما تقرر في نفسه أن الراحة في عدم لقائه و مفارقة مجلسه ، فكانت قلة الإنصاف كما رأيتم مدعاة للتقاطع و التناحر، و الإنصاف مدعاة للتقارب و التآلف ..
وصور الإنصاف قائمة شاهرة في سيرة الحضارة الإسلامية، و لكي أقتصد في الأمثلة سأكتفي بواحد ، خذه يرعاك الله و اعلم بأنه شعار و دثار تلك الأمة التي تقرأ عن عظمتها في طيات الكتب و الأسفار :
أراد ابن الخطاب عمر – رضي الله عنه – أن يضع للمهور حدا، فخطب في الناس قائلاً:( لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، فمن زاد ألقيت زيادته في بيت المال)، فقامت امرأة من صفوف النساء ، فقالت: ماذاك لك! ، قال: ولم ؟ قالت لأن الله – عز وجل – قال:( وإن آتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئا) فقال عمر :(امراة أصابت ، ورجل أخطأ ) !
فحري بنا يا أعضاء جاش البررة أن نعمل هذه السجية في أنفسنا، و أن لا نتوانى عن إحقاق الحق معتمرين عمامة الإنصاف و مؤتزرين بإزار الصبر ، فمن الإنصاف ما يكون مجهداً لنفس ، مفارقاً حينا لسعادتها الحانية ، و لكنه بذلك يسعدها في الآخرة و ينال بها درجة علية في درجات السالكين لرب العالمين ..
أسأل الله لي و لكم الهداية و السداد و آخر مقالي أن الحمد لله رب العالمين ..
الإنصاف الأدبي من الخصال العلية التي تتحلى بها الجماعات الفاضلة ، و متى فقدت ثلمت ثلمه في كيان السعادة المتين، وسرى الوهن في جسد الجماعة سريان النار في الحطيم ، و لا ترسخ هذه الصفة في نفس إلا أورثتها الكمال ، و لا تكون شعار أمة إلا بؤتها سدة الريادة و التمام ؛ و المتأمل المنصف لسير الأمم المتحضرة التي صالة و جالت في دفتر التاريخ، و خطت في باح العظمة التليد أجزل المواقف و أعظم التضحيات، ليجد خلة الإنصاف للعلماء و المصلحين و القادة المخلصين و الرعاع الصادقين هو المتقرر في أنفس زعاماتها و مجالسها الشورية أو البرلمانية مع غض الطرف عن ألوانهم و عاداتهم بله دياناتهم ، و أعظم حضارة طرقت أبواب العظمة و تربعت على عرش السيادة هي حضارة الإسلام ، لترى جلياً كم كان قائدها المعظم / صلى الله عليه و سلم ، ينصف أصحابه و أعدائه على حد سواء و لا يمنعه من ذلك شيء ، و لما تخلت الأمة عن نهج نبيها – صلى الله عليه و سلم – وتبعت الغرب في كل جحر إلا جحر المساواة و الإنصاف / ضلت الطريق و أضحت أسيرت المفازاة البيد و المهامه السود ، وغدت أمتنا ذنباً لرأس الغرب المنيف لأنه ينصف أتباعه و يقول لمحقهم أنت محق فكان الأسود زعيماً للبيت الأبيض ، أرأيتم كم هو الإنصاف عزيز!!
إن رد الحق – يا سادة - و عدم الإذعان له هو نتيجة لمقدمات تنفخ أكثرها في كير الحسد البغيض ، والغلو في حب الذات المقيت ، إما للاستئثار بالفخار أو لتباع الهوى المضل، فالغالي في حب ذاته يريد أن يكون الحق من بنات أفكاره ، و نتاج تأملاته ، فإن سبقه إليه أحد أنكره و لم يعترف به ، لأنه باختصار يتمنى لو كان منه ، ويعتقد أن الفخر سلعة يتملكها واحد فيبغي أن يكون هو!!
ومن اتبع هواه فيكفي في هوانه أن ما علقت هذه اللفظة في قواميس الإنسانية إلا وذيلت بالخزي و البوار ، و ما تبع أحد الهوى إلا هوى في دركات التباب و الدنائة ، فصاحب الهوى لا يعقل و لا يسمع إلا إملائات هواه و من أصدق وصفاً من الله إذ يقول:( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ..
فإذا رأيت من يرد الحق الواضح فتحسس هاتين السوءتين فإن بدت لك ، فاعلم أن جزاءه الأوفى نار البعاد الدنيا لا جنة القرب العليا، فإن كان في محلة تقيم وجب على ولي الأمر عزله ،وإن كان صاحباً فكن على حذر من رأيه ، واحرص على نصحه و الإنكار عليه، فإن كانت سوءته حسداً فأعلمه أن النعم توهب من علام الغيوب لا إدارة فيها للخلق إلا طرق باب السبب فمن اشتد طرقه حري بأن يسمع صوته و تجاب زيارته ، و أن للإنسان إلا ما قدر في سجل الغيب فإن كان خير فليحمد الله عليه و إن كانت الأخرى فلا يلومن إلا نفسه،وإن كانت حباً لنيل الفخارأو استئثاراً بالانفراد ، فهذب هذه السجية بالحكمة و احرص أن تصرفها في مصرفها الشريف بأن يجد صاحبه لظفر بالرتب السامقة و يجهد طاقاته في الركض في مضمار المنافسة دون الإضرار بالغير أو غمط فضلهم ، فإن حاز بذا الجهد الرتبة العلية فالليخر لله شاكراً ، و إن زلت همته و فاقه من كان أعلم منه و أقدر ، فعليه أن ينسب الفضل لمن يستحقه و يسحق بشكره بطر نفسه و جنوحها ..
واعلموا – رحمني الله و إياكم – أن من يتحلى بالإنصاف الأدبي سيد في قومه ، قريب من قلوب الناس أجمعين ، وبآرائه الغر يستنير من اهتدى به ،ومن بلي بقلة الإنصاف باعد بينه و بين أقاربه و أصحابه، و كم من جفوة نشأت بين صديقين حميمين أو أخوين شقيقين كان منشأها من جحود أحدهما فضائل الآخر و ما يميزه، أو فند رأياً يعلم انه أصاب فيه الرأي تلبية لهواه و نفسه و قال الحكيم الأول:
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة# بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم
ومتى شعر الرجل من عشيره أنه ينكر شيء من فضله، أو يتعسف القول لمعارضة رأي رآه كان الآخر غير موضع للصحبة و المخالطة، وربما تقرر في نفسه أن الراحة في عدم لقائه و مفارقة مجلسه ، فكانت قلة الإنصاف كما رأيتم مدعاة للتقاطع و التناحر، و الإنصاف مدعاة للتقارب و التآلف ..
وصور الإنصاف قائمة شاهرة في سيرة الحضارة الإسلامية، و لكي أقتصد في الأمثلة سأكتفي بواحد ، خذه يرعاك الله و اعلم بأنه شعار و دثار تلك الأمة التي تقرأ عن عظمتها في طيات الكتب و الأسفار :
أراد ابن الخطاب عمر – رضي الله عنه – أن يضع للمهور حدا، فخطب في الناس قائلاً:( لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، فمن زاد ألقيت زيادته في بيت المال)، فقامت امرأة من صفوف النساء ، فقالت: ماذاك لك! ، قال: ولم ؟ قالت لأن الله – عز وجل – قال:( وإن آتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئا) فقال عمر :(امراة أصابت ، ورجل أخطأ ) !
فحري بنا يا أعضاء جاش البررة أن نعمل هذه السجية في أنفسنا، و أن لا نتوانى عن إحقاق الحق معتمرين عمامة الإنصاف و مؤتزرين بإزار الصبر ، فمن الإنصاف ما يكون مجهداً لنفس ، مفارقاً حينا لسعادتها الحانية ، و لكنه بذلك يسعدها في الآخرة و ينال بها درجة علية في درجات السالكين لرب العالمين ..
أسأل الله لي و لكم الهداية و السداد و آخر مقالي أن الحمد لله رب العالمين ..