أبو ياسر
14 / 12 / 2008, 01 : 02 PM
كتبه/د. وائل مرزا
كيف كان حال العرب والمسلمين لو أن كل قادرٍ منهم ركَّز على قضيةٍ تهمُّ عامة الناس، مهما كانت صغيرةً، وجعلها مشروع حياته؟ ما هو نوع الانقلاب الذي كان سيجري في الواقع لو نظر كل إنسانٍ إلى ما يقوم به على أنه (ثغرةٌ) يقف عليها؟
وأي تحولٍ كان سيحصل في مجتمعات العرب والمسلمين لو أن أفراده اقتنعوا بمبدأ الإتقان وعملوا به في حياتهم الخاصة والعامة؟ ولماذا تفتقر الثقافة السائدة في أغلب الحالات إلى القدرة على توليد نماذج تعيش تلك المعاني؟ بل لماذا تفتقر تلك الثقافة في بعض الأحيان لمجرد القدرة على دعم مشاريع يتصدى لبنائها أفرادٌ متميزون يعيشون في قلب تلك المجتمعات؟
تلك هي بعض الأسئلة التي طرحَت نفسها على الذهن عند سماع قصة الأمريكية التي تعمل على مشروعها بعيدًا عن الصخب والدعاية والضجيج في مدينة جدة.
فعلى مدى سنتين.. وبينما كان الكثيرون منهمكين بمتابعة أسواق الأسهم، أو أحدث الموضات العالمية، أو آخر المسلسلات العربية والتركية.. كانت (أَمَةُ الله بانتلي) القادمة إلى مدينة جدة من بلاد العم سام مهمومةً بأمرٍ آخر: كيف يمكن إنقاذ أعرق مكتبة تُصدر كتبًا متنوعة عن الإسلام باللغات الأجنبية في المدينة. لم يكن المشروع بحدِّ ذاته جديدًا على المرأة التي انفتح قلبها للدين الحنيف منذ عشرين عامًا.
فقد ظلَّت تتعاون مع صاحبه خلال الأعوام الستة عشر الماضية، كتابةً وتحريرًا وتصحيحًا وتوزيعًا.حصل هذا لأن من الواضح أنه لا يوجد، حتى الآن للأسف، من يعرف قيمة المشروع مثل هذه المرأة التي أسَرَتها عبارةُ (إن شاء الله)، وكانت مع صوت الأذان الدافع وراء إسلامها. ففي لقاءٍ لها مع ملحق (الرسالة) في هذه الصحيفة منذ أسابيع قالت: «الدعوة عن طريق الكتب من أنجح الأساليب وأخطرها في نفس الوقت.
عندما نهدي كتابًا لأي شخص علينا أن نهديه الكتاب الذي يناسبه ويتناسب مع خلفيته العلمية والثقافية والدينية. هذا الجانب غالبًا ما نهمله. قد ينفع أحد الكتب لشخصٍ ما ولا ينفع لسواه رغم أن مضمون الكتاب هو الإسلام. لكن العقليات التي تستقبلها تختلف..».
استمرَّ اهتمام أمة الله بالمشروع وبالعمل لخدمته بشتى الطرق على مدى عقد ونصف. لكنها وجدت نفسها فجأةً في موقع المسؤولية عندما مرض صاحب (دار أبو القاسم) مرضًا أعجزهُ عن متابعة المشروع وقرر إغلاقه. لم تتصور المرأة أن يغيب مثل هذا المشروع الحسَّاس ففعلت المستحيل لاستمراره، وقررت في النهاية أن تشتريه بنفسها. وبما أنها لم تكن تملك المال الكافي فقد أقنعت الرجل بشرائه بالتقسيط. وفعلاً حصل الأمر وأنفقت المرأة كل ما لديها من وقتٍ وجهدٍ ومال على مدى شهور لإعادة بناء المكتبة من الداخل حتى وصلت إلى الصورة التي تريدها وأعادت فتحها منذ بضعة شهور.
من السهل طبعًا على القارئ أن يقرأ الفقرة السابقة في دقيقةٍ أو اثنتين، لكن تلك الكلمات لا تُعبِّر إطلاقًا عن حجم الجهد والعمل الذي قامت به هذه الإنسانة المثابرة. ويمكن لكل من يعيش في جدة على الأقل أن يمرَّ بالمكتبة ليرى كيف كانت قبل إصلاحها وكيف أصبحت الآن. ذلك أن أمة الله تحتفظ بملفٍ يُظهر هذا التغيير انسجامًا مع شخصيتها التي تؤمن بالإتقان في العمل بشكلٍ يلفت النظر. وقد تحدَّثت عن الموضوع في اللقاء المذكور مع (الرسالة) حين قالت: «لم تكن لدي أي نيةٍ لدخول هذا العالم. الأمر بدأ مصادفة. لكنني عندما أُقدمُ على أي شيء أفعلهُ بشكلٍ كاملٍ ومُتقن. الكتب يجب أن تُكتب بطريقة صحيحة. قرأت كتبًا عن الإسلام ليست مكتوبةً بطريقةٍ سليمة أو لغةٍ جيدة أو تكون ركيكةً والترجمة ضعيفة.. الكتب الإنجليزية هي المتوفرة بدرجة أكبر من زميلاتها لأن الإنجليزية هي لغتي فأنا أقرأ كل الكتب المكتوبة بها لأن تلك أمانة. لهذا السبب لا نُكثر من الكتب غير الإنجليزية. كذلك أشرف على مراجعة الكتب بنفسي. لو وجدتُ جملةً واحدةً خطأ أرفض بيع الكتاب أو عرضه، وقد أرفض طبع كتاب بسبب جملة واحدة»..
ما يلفت النظر أيضًا هو منهج أمة الله في كيفية القيام بعملها والخلفية الفكرية التي تجعلها تطبِّق هذا المنهج. فهي تقول: «نوفر كتبًا للعمالة الأجنبية التي تعمل في الشركات. نحن لا نتحدث عن مواطن الخلاف بل نهتمُّ بالكتب التي تتحدث عن الأساسيات العامة والمشتركة في الإسلام ويطبِّقها الجميع... كل إنسان مسلم في أي مكان يجب أن يعرف أن المسلم يُحاسب على تصرفاته. كيف انتشر الإسلام في بداياته؟ انتشر عن طريق التجار المسلمين وتعاملهم وأخلاقهم... لذلك ينبغي أن نرفض ازدراء غير المسلمين بسبب دينهم أو معتقدهم..».
اغتنمتُ فرصة زيارةٍ سريعة إلى جدة مؤخرًا وقمت بزيارة المكتبة شخصيًا لأتأكد أنني لن أكتب عن موضوعٍ قد أكون قرأت عنه بشكلٍ مجتزأ، فوجدت على أرض الواقع جوانب تدعو إلى الإعجاب أكثر مما قرأت. لكنني خرجت من لقائي أيضًا بحقائق مؤلمة لم تشأ أمة الله أن تشير إليها في مقابلتها مع (الرسالة) واستخرجتُها منها بفضولٍ وإلحاحٍ تختلط فيه الخلفية الإعلامية بالأكاديمية.
إذ تبيَّن لي أن المكتبة الراقية الجميلة تحتاج إلى الكثير من الدعم، سواء تعلق الأمر بالديون التي يجب دفعها لإنهاء شراء المكتبة أو لتنفيذ مشاريع التطوير العديدة التي وضعتها أمة الله، لكنها لازالت موجودةً على الورق لافتقاد التمويل.
وحين سألتُ عن التفاصيل سمعتُ منها ومن زميلتها الأمريكية الأخرى التي تساعدها ما معناه: «أنا لا أبتغي من وراء تنفيذ هذا المشروع أي ربح وإنما عملتُ على استمراره لشعوري بالمسؤولية. فالله سبحانه هو صاحب الملك في النهاية. لقد رأيت أثناء العمل عليه كيف جاءتني المساعدة من حيث لا أحتسب. وإذا بقيت أعمل ما أستطيع فسيأتي العون لمواجهة كل ما لدينا من تحديات إن شاء الله».
غادرتُ المكتبة وأنا أتساءل عما ستفعله هذه المرأة إذا استمرَّ زهدُ القادرين في دعم مشروعها.. لكنني شعرت بأن عبارة (إن شاء الله) التي كانت سببًا في إسلامها لا تزال تُولِّد في قلبها نوعًا غريبًا من اليقين، وبأن يقينًا مثل هذا اليقين قد يأتي بالمعجزات..
كيف كان حال العرب والمسلمين لو أن كل قادرٍ منهم ركَّز على قضيةٍ تهمُّ عامة الناس، مهما كانت صغيرةً، وجعلها مشروع حياته؟ ما هو نوع الانقلاب الذي كان سيجري في الواقع لو نظر كل إنسانٍ إلى ما يقوم به على أنه (ثغرةٌ) يقف عليها؟
وأي تحولٍ كان سيحصل في مجتمعات العرب والمسلمين لو أن أفراده اقتنعوا بمبدأ الإتقان وعملوا به في حياتهم الخاصة والعامة؟ ولماذا تفتقر الثقافة السائدة في أغلب الحالات إلى القدرة على توليد نماذج تعيش تلك المعاني؟ بل لماذا تفتقر تلك الثقافة في بعض الأحيان لمجرد القدرة على دعم مشاريع يتصدى لبنائها أفرادٌ متميزون يعيشون في قلب تلك المجتمعات؟
تلك هي بعض الأسئلة التي طرحَت نفسها على الذهن عند سماع قصة الأمريكية التي تعمل على مشروعها بعيدًا عن الصخب والدعاية والضجيج في مدينة جدة.
فعلى مدى سنتين.. وبينما كان الكثيرون منهمكين بمتابعة أسواق الأسهم، أو أحدث الموضات العالمية، أو آخر المسلسلات العربية والتركية.. كانت (أَمَةُ الله بانتلي) القادمة إلى مدينة جدة من بلاد العم سام مهمومةً بأمرٍ آخر: كيف يمكن إنقاذ أعرق مكتبة تُصدر كتبًا متنوعة عن الإسلام باللغات الأجنبية في المدينة. لم يكن المشروع بحدِّ ذاته جديدًا على المرأة التي انفتح قلبها للدين الحنيف منذ عشرين عامًا.
فقد ظلَّت تتعاون مع صاحبه خلال الأعوام الستة عشر الماضية، كتابةً وتحريرًا وتصحيحًا وتوزيعًا.حصل هذا لأن من الواضح أنه لا يوجد، حتى الآن للأسف، من يعرف قيمة المشروع مثل هذه المرأة التي أسَرَتها عبارةُ (إن شاء الله)، وكانت مع صوت الأذان الدافع وراء إسلامها. ففي لقاءٍ لها مع ملحق (الرسالة) في هذه الصحيفة منذ أسابيع قالت: «الدعوة عن طريق الكتب من أنجح الأساليب وأخطرها في نفس الوقت.
عندما نهدي كتابًا لأي شخص علينا أن نهديه الكتاب الذي يناسبه ويتناسب مع خلفيته العلمية والثقافية والدينية. هذا الجانب غالبًا ما نهمله. قد ينفع أحد الكتب لشخصٍ ما ولا ينفع لسواه رغم أن مضمون الكتاب هو الإسلام. لكن العقليات التي تستقبلها تختلف..».
استمرَّ اهتمام أمة الله بالمشروع وبالعمل لخدمته بشتى الطرق على مدى عقد ونصف. لكنها وجدت نفسها فجأةً في موقع المسؤولية عندما مرض صاحب (دار أبو القاسم) مرضًا أعجزهُ عن متابعة المشروع وقرر إغلاقه. لم تتصور المرأة أن يغيب مثل هذا المشروع الحسَّاس ففعلت المستحيل لاستمراره، وقررت في النهاية أن تشتريه بنفسها. وبما أنها لم تكن تملك المال الكافي فقد أقنعت الرجل بشرائه بالتقسيط. وفعلاً حصل الأمر وأنفقت المرأة كل ما لديها من وقتٍ وجهدٍ ومال على مدى شهور لإعادة بناء المكتبة من الداخل حتى وصلت إلى الصورة التي تريدها وأعادت فتحها منذ بضعة شهور.
من السهل طبعًا على القارئ أن يقرأ الفقرة السابقة في دقيقةٍ أو اثنتين، لكن تلك الكلمات لا تُعبِّر إطلاقًا عن حجم الجهد والعمل الذي قامت به هذه الإنسانة المثابرة. ويمكن لكل من يعيش في جدة على الأقل أن يمرَّ بالمكتبة ليرى كيف كانت قبل إصلاحها وكيف أصبحت الآن. ذلك أن أمة الله تحتفظ بملفٍ يُظهر هذا التغيير انسجامًا مع شخصيتها التي تؤمن بالإتقان في العمل بشكلٍ يلفت النظر. وقد تحدَّثت عن الموضوع في اللقاء المذكور مع (الرسالة) حين قالت: «لم تكن لدي أي نيةٍ لدخول هذا العالم. الأمر بدأ مصادفة. لكنني عندما أُقدمُ على أي شيء أفعلهُ بشكلٍ كاملٍ ومُتقن. الكتب يجب أن تُكتب بطريقة صحيحة. قرأت كتبًا عن الإسلام ليست مكتوبةً بطريقةٍ سليمة أو لغةٍ جيدة أو تكون ركيكةً والترجمة ضعيفة.. الكتب الإنجليزية هي المتوفرة بدرجة أكبر من زميلاتها لأن الإنجليزية هي لغتي فأنا أقرأ كل الكتب المكتوبة بها لأن تلك أمانة. لهذا السبب لا نُكثر من الكتب غير الإنجليزية. كذلك أشرف على مراجعة الكتب بنفسي. لو وجدتُ جملةً واحدةً خطأ أرفض بيع الكتاب أو عرضه، وقد أرفض طبع كتاب بسبب جملة واحدة»..
ما يلفت النظر أيضًا هو منهج أمة الله في كيفية القيام بعملها والخلفية الفكرية التي تجعلها تطبِّق هذا المنهج. فهي تقول: «نوفر كتبًا للعمالة الأجنبية التي تعمل في الشركات. نحن لا نتحدث عن مواطن الخلاف بل نهتمُّ بالكتب التي تتحدث عن الأساسيات العامة والمشتركة في الإسلام ويطبِّقها الجميع... كل إنسان مسلم في أي مكان يجب أن يعرف أن المسلم يُحاسب على تصرفاته. كيف انتشر الإسلام في بداياته؟ انتشر عن طريق التجار المسلمين وتعاملهم وأخلاقهم... لذلك ينبغي أن نرفض ازدراء غير المسلمين بسبب دينهم أو معتقدهم..».
اغتنمتُ فرصة زيارةٍ سريعة إلى جدة مؤخرًا وقمت بزيارة المكتبة شخصيًا لأتأكد أنني لن أكتب عن موضوعٍ قد أكون قرأت عنه بشكلٍ مجتزأ، فوجدت على أرض الواقع جوانب تدعو إلى الإعجاب أكثر مما قرأت. لكنني خرجت من لقائي أيضًا بحقائق مؤلمة لم تشأ أمة الله أن تشير إليها في مقابلتها مع (الرسالة) واستخرجتُها منها بفضولٍ وإلحاحٍ تختلط فيه الخلفية الإعلامية بالأكاديمية.
إذ تبيَّن لي أن المكتبة الراقية الجميلة تحتاج إلى الكثير من الدعم، سواء تعلق الأمر بالديون التي يجب دفعها لإنهاء شراء المكتبة أو لتنفيذ مشاريع التطوير العديدة التي وضعتها أمة الله، لكنها لازالت موجودةً على الورق لافتقاد التمويل.
وحين سألتُ عن التفاصيل سمعتُ منها ومن زميلتها الأمريكية الأخرى التي تساعدها ما معناه: «أنا لا أبتغي من وراء تنفيذ هذا المشروع أي ربح وإنما عملتُ على استمراره لشعوري بالمسؤولية. فالله سبحانه هو صاحب الملك في النهاية. لقد رأيت أثناء العمل عليه كيف جاءتني المساعدة من حيث لا أحتسب. وإذا بقيت أعمل ما أستطيع فسيأتي العون لمواجهة كل ما لدينا من تحديات إن شاء الله».
غادرتُ المكتبة وأنا أتساءل عما ستفعله هذه المرأة إذا استمرَّ زهدُ القادرين في دعم مشروعها.. لكنني شعرت بأن عبارة (إن شاء الله) التي كانت سببًا في إسلامها لا تزال تُولِّد في قلبها نوعًا غريبًا من اليقين، وبأن يقينًا مثل هذا اليقين قد يأتي بالمعجزات..