الأســـتاذ
05 / 10 / 2008, 03 : 03 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :
فإنّ من أقوى المخاطر التي تواجه الإسلام والمسلمين في هذا الزمان خطر الاتجاه التغريبي ويعود ذلك إلى قوّة السيطرة العالمية للدول الصناعية الغربية في العالم.
فاليوم يسيطر العالم الغربي على العالم الإسلامي وغيره سيطرة عسكرية وسياسية واقتصادية وفكرية , وهذا أمر لا تكاد تخطئوه العين ولا يرتاب فيه المتابع.
وهذا الخطر الداهم يقدح في أصل الدين وأساسه , ولهذا فإن اهتمام العلماء به يجب أن يكون كبيراً لما يترتب عليه من أضرار على عقائد الناس وأخلاقهم , وهو يهدد وجود المجتمع الإسلامي في عقيدته وأخلاقه , ويقف رأس حربة لكافة أعداء الأمة وخصومها . وعند ترتيب الأعداء بحسب الخطورة وقوّة التأثير نجد أن هذا الاتجاه أبرزها وأشدها خطورة وأكثرها تأثيراً في المجتمع .
ومن هنا جاءت هذه الورقة لتناقش تأثير هذا الاتجاه من حيث مظاهره وأسبابه وبعض التوصيات في المعالجة.
لمحة موجزة :
بدأت حركة التغريب من خلال العلاقات التجارية والثقافية والخاصة مع بعض الدول العربية المجاورة (لاسيما مصر والخليج)(1) التي كانت تعيش صراعاً فكرياً قوّياً بين " أنصار القديم والحديث " أو " التراث والمعاصرة "(2) أو نحو ذلك من العناوين التي ظهرت في تلك الفترة لبيان الصراع بين الأمة الإسلامية ودعاة التغريب واللحاق بالحضارة الغربية فكراً وسلوكاً.
وقد كان للعوائل التجارية والصحف والمجلات أثر بارز في تبني بعض الشباب لآراء وأفكار المذاهب الفكرية السائدة في تلك الفترة.
فقد كانت لمؤلفات طه حسين (197م), وأحمد أمين (1954م), والعقاد (1964م), وأدباء المهجر مثل جبران خليل جبران (1931م), وميخائيل نعيمة (1982م) وغيرهم وكذلك مجلة الهلال والمقتطف والأهرام وغيرها دور مؤثر في إقناع الشباب بالاتجاه التغريبي.
ثم جاءت حركة الابتعاث وقد كانت على مرحلتين :
المرحلة الأولى:
بعثات إلى مصر عام 1927م للدراسة في المدارس والكليات, وقد نشأت الحركة الثقافية والأدبية (رسمياً وشعبياً) متأثرة بالتجربة المصرية بصورة كبيرة ,فقد اتبعت المدارس السعودية المناهج المصرية في التعليم, واستقدم عدد كبير من المدرسين العرب (مصريين, فلسطينيين ... ) وكان لهذه المرحلة تأثير على الطلاب والشباب بدرجات متفاوتة,
أما المرحلة الثانية:
فكانت في السبعينيات وهي من أخطر المراحل وهذه المرحلة هي: البعثات للدول الغربية, وجاءت في وقت حراك فكري كبير لاسيما من طرف الفكر الشيوعي والاشتراكي حتى على المستوى الغربي. وقد تكونت في هذه الفترة أحزاب ومنظمات تبنت التغريب سواءً بالفكر الليبرالي أو الشيوعي و منها : الأمراء الأحرار أو ما يعرف أحياناً "بالأمراء الدستوريين"(3), و" نجد الفتاة "(4), و" جبهة التحرير العربية السعودية ", و " حركة القوميين العرب / فرع السعودية " , و" حزب البعث / فرع السعودية (1955م)"(5), و" شباب الطليعة " وهو تجمع من البعثيين والناصريين (عام 1964م), وقد قدّموا عريضة للملك فيصل يطالبونه فيها " بالحرية والاشتراكية ودعم المد القومي الثوري التحرري ".
وقد ظهرت الأحزاب القومية في الخمسينات وهي فترة نشاطها على المستوى العربي.
وكانت هذه التنظيمات تتلقى دعماً مادياً ومعنوياً من الرئيس جمال عبد الناصر, وقد تعددت التنظيمات الناصرية والقومية في العقدين الخامس والسادس الميلاديين لكنها زالت وجمدت بعد موت عبد الناصر. وقد ظهرت في هذه الفترة تنظيمات ماركسيّة مثل" جبهة التحرير الوطني" (1953م), و"الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير الجزيرة العربية"(196م), و"منظمة الشيوعيين السعوديين"(1961م), و"الجبهة الاشتراكية لتحرير الجزيرة العربية"(1963م), و"رابطة أبناء الجزيرة العربية السعودية في الخارج"(1969م)(6).
كانت فترة السبعينات هي القمة في صعود التيار التغريبي ولكن بعد نكسة حزيران عام 1967م تراجع وضعف وانقرضت أغلب منظماته. ثم بدأ مرحلة جديدة وهي العمل على تغريب المجتمع من داخل بعض مؤسسات الدولة ذاتها, فتنازل عن فكرته القديمة وهي ضرورة تغيير السلطة والكلام في الديمقراطية كبديل للنظام الملكي واتجه للحديث عن تحرر المجتمع اقتصادياً واجتماعياً.
و قد كانت فترة الثمانينات تتميز بالتغلغل في بعض المؤسسات الرسمية والمنظمات الإقليمية وتوظيفها في خدمة التغريب فكراً وسلوكاً , أما فترة التسعينات فقد تميزت باجتماع كافة التيارات التغريبية على مذهب الليبرالية فالقوميون الاشتراكيون وكذلك الماركسيون تراجعوا عن أفكارهم الثورية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي واتجهوا للفكر الليبرالي وتخلوا عن كل آرائهم السابقة(7).
وبعد أحداث 11 أيلول 21م زادت قوّة هذا التيار وزاد تأثيره يسنده في ذلك الانفتاح الإعلامي الهائل, والتقارب الكبير مع الدول العربية والغربية , وهذه الانفتاح والتقارب لابد أن يكون له آثار فكرية وسلوكية على المجتمع , وهو يعد داعماً قوياً لبرامج التغريب المحلي ومشاريعه.
كما أنّ للوجود الأمريكي في المنطقة ورعايته لهذا التيار ودعمه المباشر له دوره في شعور التغريبيين بأن هذه المرحلة استثنائية قد لا تتكرر ولهذا حرصوا على الاستفادة منها فقاموا بالهجوم الشامل على كل مظاهر الدين ومؤسساته والمطالبة بفك الارتباط بين الدولة والتزامها الديني من خلال المطالبة "بالدولة المدنيّة " وزادت قوّة تأثير هذا الاتجاه بعد انضمام بعض المنتكسين إلى صفّه , وقد صرح "القصيـبي" في مقابلة له في إحدى المنتديات أن هؤلاء هم الذين يعرفون التطرف على حقيقته, وأشاد برواية " الإرهابي2 " لعبد الله ثابت, وهي رواية تحكي أوضاع الشباب المتدين من الداخل تحمل كثيراً من المغالطات والتأويل الفاسد. ولعل من أبرز ما يميّز المرحلة الحالية للاتجاه التغريبي أنه لم يعد ذا تأثير فردي أو ممارسة جزئية بل تعدى ذلك إلى قيامه على مؤسسات تعمل على صياغة المجتمع فكرياً واجتماعياً, ومن الناحية الفكرية المجردة يعتبر الاتجاه التغريبي ضعيفاً من حيث القوة العلميّة ، وسطحياً في طرحة ومناقشته , ورواده مابين كاتب صحفي أو مفكر ينقل من الفكر الغربي فيترجم اتجاهاته(8).
وقد أشار الدكتور سعد البازعي إلى أنه لا توجد حركة فكرية في السعودية, وأن التنوير سطحي فيها, وأن الموجود مجرد مثقفون يتبنون آراء في العالم العربي والغربي(9).(الوطن3ربيع الأول1426هـ(1656)). وهذا يدل على أن هذا الاتجاه هزيل من حيث العمق الفكري, ولكنه خطير من حيث القوة الإعلامية والنفوذ الحكومي
مظاهره :
مظاهر التغريب كثيرة, وليس المقصود هنا إحصاؤها, لذا فسأكتفي بذكر أبرزها :
أولاً :
تغلغل هذا الاتجاه في بعض مؤسسات الدولة, وصياغة أنظمتها وفق النموذج الغربي, والعمل من خلال السلك الحكومي على تغريب المجتمع, والوصول إلى مناصب قوية التأثير, والقرب من أصحاب القرار (وزراء , مستشارون ,حاشية وبطانة ... ) لهذا الغرض. والعمل على التأثير على أصحاب القرار و المسئولين وذلك بتبني قرارات أو مواقف أو أنظمة تدعم التوجه التغريبي وحركته في المجتمع مثل قرارات العمل الأخيرة, وتغيير المناهج, والانفتاح الإعلامي السلبي, وتطبيق أوجه من الفكر الرأسمالي في الاقتصاد الوطني, وإضعاف دعم الدولة للدعوة الإسلامية في الداخل والخارج ... ونحو ذلك.
وكلّ ذلك بدعم من بعض المسئولين تحت ذريعة أن القوّة العالمية اليوم هي للغرب وحلفائه, والاتجاه التغريبي سوف يحمى الدولة من كيد الغربيين وتربصهم لكنه لم يلبث أن أصبح استمتاعاً حقيقياً بين الجميع. ولا ريب أن المسؤولية تقع على الذين مكنوا لهذه الفئة المنحرفة مع علمهم بها, وانكشاف أمرها, ونصح العلماء وتحذيرهم من خطرها على الدولة والمجتمع.
ثانياً :
صياغة جوانب من الاقتصاد الوطني على أسس الفكر الليبرالي الحر تناغماً مع التوجه العالمي نحو الرأسمالية , ومن ذلك جعل (الربا) من أسس التعامل الاقتصادي محلياً مع الشركات والأفراد, وعالمياً مع مؤسسات المال والشركات الدولية الكبرى, فالبنك المركزي (مؤسسة النقد) والبنوك المرتبطة به لا تزال تمارس الربا ليس ممارسة عملية فقط بل هي نظام معتمد وقانون نافذ .
وكذلك التوسع في الخصخصة, وعدم وضع القوانين الصارمة على سوق الأسهم مما سبّب كوارث مالية كبرى لها آثار اجتماعية خطيرة, فالطريقة التي تّم التعامل بها مع سوق المال هي ذات الطريقة الغربية في عدم تنظيم الدولة للاقتصاد, وأصبح سوق المال لدينا لا يختلف عن أيّ سوق مال عالمي لا ينضبط بضوابط الشريعة ويقوم على الاحتيال لأكل أموال الناس بالباطل.
وهذه قضية يجدر بالعلماء الاهتمام بها, فقد أصبح الاقتصاد المحلي في مجمله اقتصاد رأسمالياً مبنى على الفلسفة الليبرالية المتوحشة.
ويدخل في ذلك رعاية المعارض الدولية والمنتديات الاقتصادية مثل منتدى جدة الاقتصادي ومن يطلع على البرنامج الفكري للمنتدى لا يشك في كونه ترويجاً وترسيخاً للفكر التغريبي ولهذا تّم مناقشة موضوع الحريات وقضايا المرأة وحقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية وغيرها مما ليس له علاقة مباشرة في الاقتصاد.
ثالثاً :
العمل على إخراج المرأة وتغريبها من بوابة " العمل ", واستغلال حاجة الناس والرغبة في المال لإخراج المرأة من بيتها بحجة العمل, وتوسيع مجالات العمل دون مراعاة لخصوصية المرأة, وتقنين ذلك ليشمل المجتمع بأكمله, وقوانين وزارة العمل الأخيرة وعمل مكاتبه في توظيف الفتيات في كافة الشركات والمؤسسات شاهدة على ذلك.
رابعاً:
السيطرة على وسائل الإعلام المحلية سيطرة محكمة, وتوجيهها لخدمة أفكارهم والتأثير على المجتمع.
خامساً:
امتلاك مؤسسات إعلامية مستقلة ممولة بملايين الريالات ومن أبرزها : مجموعة "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" ويصدر عنها : صحيفة "الشرق الأوسط", وصحيفة " الاقتصادية " و"عرب نيوز", ومجلة " المجلة ", ومجلة " سيدتي ", وكذلك مجموعة " الإم بي سي " وهي مجموعة قنوات فضائية ذات برامج متنوعة مثل: قناة "العربية الإخبارية ", و" إم بي سي(1-2-3-4)", ومجموعة"روتانا" (وهي قنوات فضائية غنائية وسينمائية), ومجموعة " آي آر تي " (وهي قنوات فضائية منوّعة), ومجموعة " إل بي سي, وصحيفة الحياة وغيرها, وكل هذه الإمبراطوريات الإعلامية لها مواقع على الانترنت. ومن مواقعهم على الانترنت : جريدة "إيلاف الإلكترونية" (عثمان العمير), وموقع "التجديد العربي" (يوسف مكي), وموقع "جدل" (سعود السرحان, يوسف الديني) , ومجموعة من منتديات الحوار منها: "الليبراليون السعوديون", و"الشبكة الليبرالية السعودية", و"جسد الثقافة", و"منتدى طومار", و"منتدى الإقلاع" و"منتدى الحرية"(1) وغيرها.
سادساَ:
السيطرة على النوادي الأدبية والثقافية وتوظيفها لنشر التغريب من خلال الأمسيات الشعرية, والندوات النقدية, بهدف كسب الشباب المحبين للأدب والثقافة(11).
فإنّ من أقوى المخاطر التي تواجه الإسلام والمسلمين في هذا الزمان خطر الاتجاه التغريبي ويعود ذلك إلى قوّة السيطرة العالمية للدول الصناعية الغربية في العالم.
فاليوم يسيطر العالم الغربي على العالم الإسلامي وغيره سيطرة عسكرية وسياسية واقتصادية وفكرية , وهذا أمر لا تكاد تخطئوه العين ولا يرتاب فيه المتابع.
وهذا الخطر الداهم يقدح في أصل الدين وأساسه , ولهذا فإن اهتمام العلماء به يجب أن يكون كبيراً لما يترتب عليه من أضرار على عقائد الناس وأخلاقهم , وهو يهدد وجود المجتمع الإسلامي في عقيدته وأخلاقه , ويقف رأس حربة لكافة أعداء الأمة وخصومها . وعند ترتيب الأعداء بحسب الخطورة وقوّة التأثير نجد أن هذا الاتجاه أبرزها وأشدها خطورة وأكثرها تأثيراً في المجتمع .
ومن هنا جاءت هذه الورقة لتناقش تأثير هذا الاتجاه من حيث مظاهره وأسبابه وبعض التوصيات في المعالجة.
لمحة موجزة :
بدأت حركة التغريب من خلال العلاقات التجارية والثقافية والخاصة مع بعض الدول العربية المجاورة (لاسيما مصر والخليج)(1) التي كانت تعيش صراعاً فكرياً قوّياً بين " أنصار القديم والحديث " أو " التراث والمعاصرة "(2) أو نحو ذلك من العناوين التي ظهرت في تلك الفترة لبيان الصراع بين الأمة الإسلامية ودعاة التغريب واللحاق بالحضارة الغربية فكراً وسلوكاً.
وقد كان للعوائل التجارية والصحف والمجلات أثر بارز في تبني بعض الشباب لآراء وأفكار المذاهب الفكرية السائدة في تلك الفترة.
فقد كانت لمؤلفات طه حسين (197م), وأحمد أمين (1954م), والعقاد (1964م), وأدباء المهجر مثل جبران خليل جبران (1931م), وميخائيل نعيمة (1982م) وغيرهم وكذلك مجلة الهلال والمقتطف والأهرام وغيرها دور مؤثر في إقناع الشباب بالاتجاه التغريبي.
ثم جاءت حركة الابتعاث وقد كانت على مرحلتين :
المرحلة الأولى:
بعثات إلى مصر عام 1927م للدراسة في المدارس والكليات, وقد نشأت الحركة الثقافية والأدبية (رسمياً وشعبياً) متأثرة بالتجربة المصرية بصورة كبيرة ,فقد اتبعت المدارس السعودية المناهج المصرية في التعليم, واستقدم عدد كبير من المدرسين العرب (مصريين, فلسطينيين ... ) وكان لهذه المرحلة تأثير على الطلاب والشباب بدرجات متفاوتة,
أما المرحلة الثانية:
فكانت في السبعينيات وهي من أخطر المراحل وهذه المرحلة هي: البعثات للدول الغربية, وجاءت في وقت حراك فكري كبير لاسيما من طرف الفكر الشيوعي والاشتراكي حتى على المستوى الغربي. وقد تكونت في هذه الفترة أحزاب ومنظمات تبنت التغريب سواءً بالفكر الليبرالي أو الشيوعي و منها : الأمراء الأحرار أو ما يعرف أحياناً "بالأمراء الدستوريين"(3), و" نجد الفتاة "(4), و" جبهة التحرير العربية السعودية ", و " حركة القوميين العرب / فرع السعودية " , و" حزب البعث / فرع السعودية (1955م)"(5), و" شباب الطليعة " وهو تجمع من البعثيين والناصريين (عام 1964م), وقد قدّموا عريضة للملك فيصل يطالبونه فيها " بالحرية والاشتراكية ودعم المد القومي الثوري التحرري ".
وقد ظهرت الأحزاب القومية في الخمسينات وهي فترة نشاطها على المستوى العربي.
وكانت هذه التنظيمات تتلقى دعماً مادياً ومعنوياً من الرئيس جمال عبد الناصر, وقد تعددت التنظيمات الناصرية والقومية في العقدين الخامس والسادس الميلاديين لكنها زالت وجمدت بعد موت عبد الناصر. وقد ظهرت في هذه الفترة تنظيمات ماركسيّة مثل" جبهة التحرير الوطني" (1953م), و"الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير الجزيرة العربية"(196م), و"منظمة الشيوعيين السعوديين"(1961م), و"الجبهة الاشتراكية لتحرير الجزيرة العربية"(1963م), و"رابطة أبناء الجزيرة العربية السعودية في الخارج"(1969م)(6).
كانت فترة السبعينات هي القمة في صعود التيار التغريبي ولكن بعد نكسة حزيران عام 1967م تراجع وضعف وانقرضت أغلب منظماته. ثم بدأ مرحلة جديدة وهي العمل على تغريب المجتمع من داخل بعض مؤسسات الدولة ذاتها, فتنازل عن فكرته القديمة وهي ضرورة تغيير السلطة والكلام في الديمقراطية كبديل للنظام الملكي واتجه للحديث عن تحرر المجتمع اقتصادياً واجتماعياً.
و قد كانت فترة الثمانينات تتميز بالتغلغل في بعض المؤسسات الرسمية والمنظمات الإقليمية وتوظيفها في خدمة التغريب فكراً وسلوكاً , أما فترة التسعينات فقد تميزت باجتماع كافة التيارات التغريبية على مذهب الليبرالية فالقوميون الاشتراكيون وكذلك الماركسيون تراجعوا عن أفكارهم الثورية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي واتجهوا للفكر الليبرالي وتخلوا عن كل آرائهم السابقة(7).
وبعد أحداث 11 أيلول 21م زادت قوّة هذا التيار وزاد تأثيره يسنده في ذلك الانفتاح الإعلامي الهائل, والتقارب الكبير مع الدول العربية والغربية , وهذه الانفتاح والتقارب لابد أن يكون له آثار فكرية وسلوكية على المجتمع , وهو يعد داعماً قوياً لبرامج التغريب المحلي ومشاريعه.
كما أنّ للوجود الأمريكي في المنطقة ورعايته لهذا التيار ودعمه المباشر له دوره في شعور التغريبيين بأن هذه المرحلة استثنائية قد لا تتكرر ولهذا حرصوا على الاستفادة منها فقاموا بالهجوم الشامل على كل مظاهر الدين ومؤسساته والمطالبة بفك الارتباط بين الدولة والتزامها الديني من خلال المطالبة "بالدولة المدنيّة " وزادت قوّة تأثير هذا الاتجاه بعد انضمام بعض المنتكسين إلى صفّه , وقد صرح "القصيـبي" في مقابلة له في إحدى المنتديات أن هؤلاء هم الذين يعرفون التطرف على حقيقته, وأشاد برواية " الإرهابي2 " لعبد الله ثابت, وهي رواية تحكي أوضاع الشباب المتدين من الداخل تحمل كثيراً من المغالطات والتأويل الفاسد. ولعل من أبرز ما يميّز المرحلة الحالية للاتجاه التغريبي أنه لم يعد ذا تأثير فردي أو ممارسة جزئية بل تعدى ذلك إلى قيامه على مؤسسات تعمل على صياغة المجتمع فكرياً واجتماعياً, ومن الناحية الفكرية المجردة يعتبر الاتجاه التغريبي ضعيفاً من حيث القوة العلميّة ، وسطحياً في طرحة ومناقشته , ورواده مابين كاتب صحفي أو مفكر ينقل من الفكر الغربي فيترجم اتجاهاته(8).
وقد أشار الدكتور سعد البازعي إلى أنه لا توجد حركة فكرية في السعودية, وأن التنوير سطحي فيها, وأن الموجود مجرد مثقفون يتبنون آراء في العالم العربي والغربي(9).(الوطن3ربيع الأول1426هـ(1656)). وهذا يدل على أن هذا الاتجاه هزيل من حيث العمق الفكري, ولكنه خطير من حيث القوة الإعلامية والنفوذ الحكومي
مظاهره :
مظاهر التغريب كثيرة, وليس المقصود هنا إحصاؤها, لذا فسأكتفي بذكر أبرزها :
أولاً :
تغلغل هذا الاتجاه في بعض مؤسسات الدولة, وصياغة أنظمتها وفق النموذج الغربي, والعمل من خلال السلك الحكومي على تغريب المجتمع, والوصول إلى مناصب قوية التأثير, والقرب من أصحاب القرار (وزراء , مستشارون ,حاشية وبطانة ... ) لهذا الغرض. والعمل على التأثير على أصحاب القرار و المسئولين وذلك بتبني قرارات أو مواقف أو أنظمة تدعم التوجه التغريبي وحركته في المجتمع مثل قرارات العمل الأخيرة, وتغيير المناهج, والانفتاح الإعلامي السلبي, وتطبيق أوجه من الفكر الرأسمالي في الاقتصاد الوطني, وإضعاف دعم الدولة للدعوة الإسلامية في الداخل والخارج ... ونحو ذلك.
وكلّ ذلك بدعم من بعض المسئولين تحت ذريعة أن القوّة العالمية اليوم هي للغرب وحلفائه, والاتجاه التغريبي سوف يحمى الدولة من كيد الغربيين وتربصهم لكنه لم يلبث أن أصبح استمتاعاً حقيقياً بين الجميع. ولا ريب أن المسؤولية تقع على الذين مكنوا لهذه الفئة المنحرفة مع علمهم بها, وانكشاف أمرها, ونصح العلماء وتحذيرهم من خطرها على الدولة والمجتمع.
ثانياً :
صياغة جوانب من الاقتصاد الوطني على أسس الفكر الليبرالي الحر تناغماً مع التوجه العالمي نحو الرأسمالية , ومن ذلك جعل (الربا) من أسس التعامل الاقتصادي محلياً مع الشركات والأفراد, وعالمياً مع مؤسسات المال والشركات الدولية الكبرى, فالبنك المركزي (مؤسسة النقد) والبنوك المرتبطة به لا تزال تمارس الربا ليس ممارسة عملية فقط بل هي نظام معتمد وقانون نافذ .
وكذلك التوسع في الخصخصة, وعدم وضع القوانين الصارمة على سوق الأسهم مما سبّب كوارث مالية كبرى لها آثار اجتماعية خطيرة, فالطريقة التي تّم التعامل بها مع سوق المال هي ذات الطريقة الغربية في عدم تنظيم الدولة للاقتصاد, وأصبح سوق المال لدينا لا يختلف عن أيّ سوق مال عالمي لا ينضبط بضوابط الشريعة ويقوم على الاحتيال لأكل أموال الناس بالباطل.
وهذه قضية يجدر بالعلماء الاهتمام بها, فقد أصبح الاقتصاد المحلي في مجمله اقتصاد رأسمالياً مبنى على الفلسفة الليبرالية المتوحشة.
ويدخل في ذلك رعاية المعارض الدولية والمنتديات الاقتصادية مثل منتدى جدة الاقتصادي ومن يطلع على البرنامج الفكري للمنتدى لا يشك في كونه ترويجاً وترسيخاً للفكر التغريبي ولهذا تّم مناقشة موضوع الحريات وقضايا المرأة وحقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية وغيرها مما ليس له علاقة مباشرة في الاقتصاد.
ثالثاً :
العمل على إخراج المرأة وتغريبها من بوابة " العمل ", واستغلال حاجة الناس والرغبة في المال لإخراج المرأة من بيتها بحجة العمل, وتوسيع مجالات العمل دون مراعاة لخصوصية المرأة, وتقنين ذلك ليشمل المجتمع بأكمله, وقوانين وزارة العمل الأخيرة وعمل مكاتبه في توظيف الفتيات في كافة الشركات والمؤسسات شاهدة على ذلك.
رابعاً:
السيطرة على وسائل الإعلام المحلية سيطرة محكمة, وتوجيهها لخدمة أفكارهم والتأثير على المجتمع.
خامساً:
امتلاك مؤسسات إعلامية مستقلة ممولة بملايين الريالات ومن أبرزها : مجموعة "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" ويصدر عنها : صحيفة "الشرق الأوسط", وصحيفة " الاقتصادية " و"عرب نيوز", ومجلة " المجلة ", ومجلة " سيدتي ", وكذلك مجموعة " الإم بي سي " وهي مجموعة قنوات فضائية ذات برامج متنوعة مثل: قناة "العربية الإخبارية ", و" إم بي سي(1-2-3-4)", ومجموعة"روتانا" (وهي قنوات فضائية غنائية وسينمائية), ومجموعة " آي آر تي " (وهي قنوات فضائية منوّعة), ومجموعة " إل بي سي, وصحيفة الحياة وغيرها, وكل هذه الإمبراطوريات الإعلامية لها مواقع على الانترنت. ومن مواقعهم على الانترنت : جريدة "إيلاف الإلكترونية" (عثمان العمير), وموقع "التجديد العربي" (يوسف مكي), وموقع "جدل" (سعود السرحان, يوسف الديني) , ومجموعة من منتديات الحوار منها: "الليبراليون السعوديون", و"الشبكة الليبرالية السعودية", و"جسد الثقافة", و"منتدى طومار", و"منتدى الإقلاع" و"منتدى الحرية"(1) وغيرها.
سادساَ:
السيطرة على النوادي الأدبية والثقافية وتوظيفها لنشر التغريب من خلال الأمسيات الشعرية, والندوات النقدية, بهدف كسب الشباب المحبين للأدب والثقافة(11).