المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهوية .. وإدوارد سعيد في التمنع والتعجب والتعرف


أبو فايز
28 / 09 / 2008, 06 : 01 AM
كتب إدوارد سعيد الكاتب والمفكر الفلسطيني الأمريكي ، مقالا طويلا عنوانه -التمنع والتعجب والتعرف - طرح فيه بعض الرؤى والأفكار حول قضية مهمة كانت هي محور المقال ، ألا وهي العلاقة السطحية التي تميزة بها المواجهة بين الشرق العربي والغرب ، وما نتج عنها من مشكلات نتيجة عدم التكافؤ بين الطرفين في القوة ، إذ أن أحدهما لا يملك هوية محددة والآخر يملك هوية الهيمنة أو - الإمبريالية - في النظرة الحديثة ..
وتناول المقال أيضا قضية الإستشراق إقتباسا من كتاب المؤلف - الإستشراق ولكن لم يتكلم عنه بشكل رئيسي ، ولهذا فلن نناقشه هنا ..
يحاول إدوارد سعيد بداية أن يبين طرق تحديد أي مجتمع إنساني لنفسه ، ويجمل هذه المحاولات في طريقين رئيسيين هما :
الأول / تحديد الفارق بينه وبين غيره من المجتمعات .
ثانيا / تحديد ميزاته الخاصة .
ثم يفسر هاذين العنصرين تفسيرا نفسيا نوعا ما فيقول = ولهذا فإن وصفي سيكون بالضرورة عاما . ومع ذلك فإن ما يبقى صحيحا دوما هو أن المجتمع يكون نفسه أو يحتل مكانه تبعا لفعلين أساسيين من أفعال إدراك الذات ، الأول خارجي أو موجه من الخارج . والثاني : داخلي أو موجه من الداخل ، ويمكننا أن نسمي الحركة في اتجاه الخارج تفاعلا بين المجتمع كوحدة ثقافية وبين العالم الخارجي . وفي الحالة الثانية يكون التفاعل بين الوحدة الثقافية ككل وبين العناصر التي تتكون منها = .
ويعرض الكاتب في كلامه المشكلات التي تواجه الهوية فيقول = إن عالمنا الذي بات اليوم عالما واحدا لا يتجزأ ، يبدوا في أحسن صورة له .. شبكة متداخلة من الأنظمة حيث حل الإتصال الكهربائي محل أساليب الطباعة الحديثة وحيث تطغى مشكلات التخطيط النووي والتكامل الإقتصادي وتحديد النسل على المشكلات الفردية . ومع ذلك فإن الصراع مستمر وسط هذه الشبكة حتى وإن كان يأخذ أحيانا أشكالا جديدة ، وفي أغلب الأحيان غير واضحة . وكل ما يتعلق بالهوية الفردية أو الثقافية يصبح موضع جدل لكي لا نقول موضع شك . إذ ما مدى وجود هوية ما ، فردية أو ثقافية ، عندما يكون الجنس البشري نفسه أمرا قليل الشأن إزاء الظواهر الكونية .... أو بإزاء القضاء على الجنس البشري في المحرقة الذرية أو بنتيجة إختفاء الموارد الطبيعية =
بمعنى أنه يرى أن الهموم العالمية المشتركة وسعي العالم كلة للبقاء وتحدي المشكلات التي تواجهه سواء الطبيعية أو الإقتصادية أو نحوها قد تزيل تلك الفوارق بين الثقافات مما ينتج عنه تلاشي الهوية الفردية أو الثقافية للمجتمعات ، وهذا في نظري فية شئ من المبالغة والتشائمية ، أو القلق الغير مبرر ، لأنه متى ما نشأ الفرد داخل مجتمعه على أهمية المبادئ والقيم والثوتابت التي تحدد هويته ، سهل عليه فيما بعد الإنفتاح - المنضبط - على أي ثقافة لأي مجتمع كان ، وسهل علية التعاون مع الجنس البشري أجمع لتحدي المشكلات التي تهدد البشرية . وإنما ينجم الخلل هنا من البحث عن الحلول البعيدة كل البعد عن النطاق الثقافي والتاريخي للمجتمع نفسه ..
ثم بعد كلام طويل واستطرادات حول ما يسميه بمظاهر اليقظة العربية التي حملت الطابع الغربي وضرورة عمل دراسة واقعية حول تلك المظاهر - والتي أرى من وجهة نظري أنها - أي تلك المظاهر - هي المنعطف الكبير الذي أدى إلى تدهور الأوضاع العربية فكريا وسياسيا .
يقوم الكاتب بتلخيص للواقع العربي اليوم تلخيصا ربما كان السبب في تشكله هي تلك المظاهر التي أشرنا إليها آنفا فيقول = إن نظرة سريعة إلى العرب اليوم تبين أن ثقافتهم فشلت في تحديد ذاتها تحديدا كاملا . فالمجتمع لم يكبح الصراع داخل الجماعة ولم يدفعها إلى التماسك ولم يجعلها كيانا مختلفا تمام الإختلاف أو يطلقها ضد الكيانات الأخرى = ..
لينتقل الكاتب بعد ذلك للكلام عن أهم محاور القضية وهي الأسباب التي أدت إلى تسطيح العلاقة بين الثقافة العربية والثقافة الغربية ويجملها في ثلاثة أسباب :
1-المبدأ الأساسي في النزعة الإنسانية لعصر النهضة .
2- نمط التقليد أو مبدأ المحاكات .
3-هيمنة الكلمة على الثقافة العربية أو الإسلامية .
وهذا الأخير لن نتكلم عنه هنا لأنه يحتاج إلى بحث طويل ومستقل .
يحاول الكاتب هنا أن يشخص أسباب العلاقة الهشة بين الثقافتين .. ويرى في السبب الأول أن النزعة الإنسانية للإنسان الغربي تحاول أن تجعل من الآخر صورة عن نفسها عبر حلقات متصلة كان الإستعمار أحدها وهي ما يشر إليه الكاتب بأيديولوجية الهيمنة - الإمبريالية - ، واجه هذا السبب إنبهار من الجانب الضعيف والذي إنعدمت عنده الثقة في كل مقوماته الشخصية والتي هي عوامل تحديد الهوية ، ليأدي ذلك إلى نشوء السبب الثاني وهو التقليد العربي للغرب في الشكل دون المضمون ، أو ما يسمية التقليد للنموذج الإقتصادي الإستهلاكي ، ليخرج بإستنتاج جديد وهو أن الثقافة العربية لم توفق لفهم المضمون الحقيقي أو المحاور الرئيسية التي كانت وراء تقدم وتطور الحضارة الغربية ، وإنما اكتفت بتقليدهم في المظاهر الشكلية المحضة .. هذا مع تأكيد الكاتب على أهمية المحافظة على الهوية الثقافية .
وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة ما ذكره إلا أنه يبدوا واضحا أن الكاتب تأثر تأثرا شديدا بالواقع الذي يعيشه وبتلك الترسبات الفكرية التي خلفتها النزعات المادية - أو ما يسميها بالخطوات العلمية الكبرى التي حققتها الثقافة الغربية وهي الكوبرنيكية (1) والداروينية (2) والفرويدية (3) .
يحاول إدوارد سعيد في هذا المقال أن يؤكد عل أهمية الهوية لأي مجتمع يحاول التقدم والنهوض والتطور ، وأنها هي المحور الأساسي لبناء الحضارة وتكوين أشكال القوة المادية والمعنوية .
ربما كان في محاولاته تلك شئ من التناقض في بعض الجزئيات أو آليات العمل - وهذا استقيته من مصادر أخرى لإدوارد سعيد غير هذة المقالة - ، وربما جعل قضية اللغة والمواطنة هي الحاضن الرئيسي لتكوين الهوية ، مع أنه - وأنا أعني ما أقول جيدا - كان يؤكد عل الجانب الكبير للإنتماء الديني وخاصة الإسلامي لبناء الهوية ، لكن الذي يهمني أن إدوارد سعيد ومع أنه علماني الفكر والتوجة ومع أنه عاش في الغرب أكثر حياته وكان يجيد اللغة الإنجليزية أكثر من العربية وتخصص في أدبها ، كان وما زال حتى موته ومن واقع المعايشة والإطلاع على تاريخ النهضة الغربية والتي يسميها في بعض الأحيان بالأمبريالية ، يؤكد على أن السبب الرئيس في هيمنة الثقافة الغربية على العالم وخاصة في الجوانب المادية ، هو نضالها لإثبات هويتها ، وهو محق وبلا أدنى شك .
بينما تنطلق أصوات من الداخل العربي تنادي بالتحرر من الهوية الإسلامية والعربية ، وترى أنها هي سبب تخلف المجتمعات العربية على حد قولها ..
- الذي يهمنا هنا هو أن نقول أننا في المجتمع الإسلامي والعربي لم ولن نستطيع أن نصنع حضارة وتقدما بغير أدواتنا الخاصة وبغير التمسك بهويتنا الإسلامية والعربية ، والتي تمثل الدعم الثقافي والنفسي والمادي أيضا ، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك . لأن من يحمل عقيدة وإيمانا أقوى وأكثر إصرارا وصمودا ممن يفقدهما .
أعلم أن التخلف المادي في عالمنا العربي والإسلامي ساهم مساهمة كبيرة في تشكل ملامح النظرة الإنهزامية في عقول كثير من الناس في مجتمعاتنا ، ساعد على ذلك تردي الأوضاع السياسية والإقتصادية ، والضغوط التي تمارس من بعض الحكومات ومؤسسات الدول بشكل عام ..
ولكن هذه العقبات والمعوقات كانت موجودة في تاريخ بعض الأمم والشعوب ، لكنها بالإصرار والعزيمة تغلبت على تلك المشكلات ، بل وخلقت منها عوامل كثيرة للنجاح والتقدم ، وكان السر الأكبر في تلك النقلة المصيرية هي ورح التفائل ، والثقة في النفس والإعتداد بالهوية الفردية والثقافية ، ليفرز ذلك كله نهضة علمية مادية حضارية .. ولن أقول أخلاقية .. وهذا ما يميز أدواتنا الخاصة ..
يختم إدوارد سعيد مقاله الطويل بقوله = إن تجنبنا التعرف على ذاتنا وتمنعنا عن رؤية هويتنا وتاريخنا وشعبنا مستقبلا سيمنح الآخرين فرصة العثور علينا وللمرة الثانية . وآنذاك سيبدو شعار مثل - الإمبريالية - عقبة تافهة بالقياس إلى انقراضنا القومي = ، ليعلق محمد شاهين قائلا - ألم يعثر علينا الآخرون فعلا في إبريل عام 2003 ؟
أقول أنتم تعرفون ماذا حصل في ذلك العام ..

( 1 ، 2 ، 3) راجع هذه المصطلحات ومعانيها في الموسوعة الإلكترنية الحرة ، وفي كتاب مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب .


هذا مقال حاولت أن أناقش فيه إدوارد سعيد فوافقته تارة وخالفته تارة أخرى ، وأنا بإنتظار مشاركاتكم التي أتمنى أن لا تقتصر على الشكر بل نريد النقاش وتبادل الآراء .

الكاظم
28 / 09 / 2008, 48 : 02 AM
شكرا مشرفنا القدير على الموضوع ولي عوده بأذن الله المقال يبيله وقت ...

ناصر بن هذال
28 / 09 / 2008, 45 : 08 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعطيك العافيه ابو فايز
أنا من متابعيك وبانتظار المزيد من طرحك "الشامل".
‏_‏_
اخي ابو فايز
لا أحد ينكر انبهار الكل ومنهم العرب بالحظاره الغربيه .
وهي لم تكتفي بذلك الأنبهار وتحاول الهيمنه من خلال أذرعتها الاقتصاديه والتكنولوجيه والصناعيه والإعلاميه.
،،
أخي ابو فايز
سررت بهذا الموضوع لانه في نظري استكمال وتوضيح لمداخلتي مع"البحر البحيط"حول الثقافه والهويه.
فهو يعتد بثقافته الاسلاميه العريقه واللتي يعتبرها وأعتبرها الأولى ولكنه يشعر أنها الأخيره ،أي تغنيه عن اي ثقافة أخرى وخصوصا المحليه !
وانا أخالفه _حفظه الله _في ذلك. فنعم كلنا "والحمد لله"مسلمين ولكن قبل ذلك لدى كل منا ثقافته الخاصه وعاداته منها ماهو قبل الاسلام واقرها الاسلام ومنها ماهو حديث.
فلكل منا بلاده ولبسه ولغته ونسبه ومهنته وعاداته وتقاليده واقتصاده ...بعدها نتحد جميعا بشكل لا يلغينا كافراد لنكون ذلك الوطن الاسلامي الكبير والامه الاسلاميه العظيمه واللتي لها أيضا مبدأها ودينها وعاداتها وتقاليدها ومنشأها وتاريخها واللتي بدورها(أي الأمه) يجب أن تحافظ على كل ذلك لدحر هيمنة الثقافات الأقوى الأخرى في ظل اتجاه العالم ليكون قرية صغيره تطغى فيه الثقافه القويه على الظعيفه كما اورد الكاتب والناقل.
لذلك أرى أن السبيل لتعزيز الثقافه العربيه هو تعزيز ثقافة الفرد كجزء ثم الإتجاه للكل.
وهناك عدة تجارب دول عربيه لاحياء التراث والثقافه تدعم قولي .
وانا أؤمن دائما بالمثل الشعبي القائل "اللي ماله أول ماله آخر "وأيضا "اللي ماله خير باهله وبلده لن يكون فيه خير لغيرهم سواء كان امه او غيره"
وكم أحزن عندما أرى من يهمش مجتمعه وعاداته وتقاليده بحجة ان انسان متحظر .
وان رقي فكره واتساع مداركه تجعل من حوله شي "مقرف"ولايحتمل.
فنعم لاخذ النافع من الحظارات والثقافات الأخرى مع الأحتفاظ بقيمتك كانسان لديه ثقافه لها قيمه.
وأجمل مثال اولئك الجاليات متعددة الجنسيات اللذين يقيمون بيننا عشرات السنين محتفظين وفخوريين بزيهم الوطني وخلفيتهم الثقافيه وانتماءاتهم.
هذا والله أعلم

أبو فايز
29 / 09 / 2008, 52 : 01 AM
أخي الغالي المبدع / أبو يزيد حياك الله ، ومشكور على المداخلة القيمة .

أستطيع أن أقول أن بينك وبين إدوارد سعيد شبة توافق فيما يتعلق بآلية العمل لتكوين الهوية ، هو يتكلم عن المواطنة واللغة ، وأنت تتكلم عن العادات والتقاليد وأهميتها كبداية في تكوين الهوية ، لكن الأمر الذي تختلفان فيه هو أن إدوارد سعيد ربما اكتفى بتلك المبادئ في تكوين الهوية ، أما أنت فتجعل العادات والتقاليد جزء من المنظومة المتكاملة لبناء الهوية ، وهذة الفكرة يتبناها كثير من المثقفين في العصور الحديثة ، وهي فكرة منهجية تحمل أبعاد مستقبلية جيدة ولها دلالات معرفية كثيرة ... وأنا أتفق معك في أهمية العادات والتقاليد لبناء الهوية إذا أخذت على أنها تكميلية إن صح التعبير وليست قيمة أساسية ، بمعنى أن لا تكون هي الأصل أو الحاكم الأول في تحديد ملامح الهوية ، هذا في جانبها الحسن والمشرق ، أما الجانب الآخر السئ فليس الكلام عنه هنا - وأعني بالجانب السئ إستغلال تلك المبادئ لبث روح العنصرية والتعصب المقيت - ... إذا الخطوة الأساسية أو المبدأ الأول بلا خلاف بيننا مبدأ الإسلام عقيدة وشريعة وحضارة وتاريخ ، وهو المرجع الأساسي لتحديد الهوية وتهذيبها مما يشوبها ..

وأشكر لك أيها العزيز هذه المداخلة .

أبو فايز
06 / 10 / 2008, 01 : 01 AM
نقطة مهمة في الموضوع هو أن المحافظة على الهوية لا تعني الإنغلاق التام ، والإعتماد على المقومات الشخصية لا يعني عدم الإستفادة من خبرات وتجارب الآخرين والتقدم العلمي في شتى المجالات التي وصلوا إليها ...
لا انفتاحا مطلقا بمعنى الإنسلاخ ولا انغلاقا تاما ، ولكن بين بين .

البرنس
06 / 10 / 2008, 39 : 02 PM
مشرفنا

يعطيك ألف عافية

أبو فايز
06 / 10 / 2008, 12 : 10 PM
الله يعافيك أخي البرنس وأشكرك على هذا المرور الجميل .