معدي
23 / 03 / 2008, 46 : 09 PM
[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واسعد الله جميع اوقاتكم بكل خير
قرأت للاستاذ سهيل دراج الخبير الاقتصادي والمحلل المالي في الاسواق العالمية هذا التحليل الشيق المبهر في مجلة الاقتصادية واحببت ان اورده ضمن هذا المنتدى الرائع للفائدة وحتى يعلم الجميع في اي اتجاه يذهب العالم برمته في زمن اصبح فيه الحليم حيران[]
الحرب القادمة .. اقتصادية لا عسكرية] سهيل الدراج - - - 09/03/1429هـ
قد يكون من المفيد أن تسترجع ذاكرتنا القنابل النووية على هيروشيما ونجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية عندما نتحدث عن الحروب التقليدية، لكن عندما نتحدث عن الحروب القادمة فيجب علينا أن نستحضر الدولار الأمريكي لا القنابل والدبابات وطائرات F16 والبوارج الأمريكية .. ا لحرب القادمة قد تكون اقتصادية لا عسكرية .. وأدواتها هي الدولار الأمريكي والسياسات المالية والنقدية العالمية، وأطرافها هي الولايات المتحدة الأمريكية في مقابل الصين والهند والاقتصادات الناشئة والاتحاد الأوروبي الجديد.
إذا ما سلمنا أن الاقتصاد والنمو الاقتصادي هو المحرك الرئيس للقوة السياسية والعسكرية، فإنه يجب علينا بادئ ذي بدء فهم ما يجري حولنا من منظور اقتصادي .. فانهيار الاتحاد السوفياتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي كان بأسباب اقتصادية، وعودة روسيا الجديدة إلى الساحة الدولية من جديد كانت أيضا لأسباب اقتصادية .. وبروز الصين والهند والبرازيل كقوى اقتصادية ناشئة قد يؤدي إلى تعاظم دورها السياسي وربما العسكري في المستقبل القريب.
النظريات الاقتصادية هي نفسها قابلة للتغير، فقد تحول العالم بعد الكساد الكبير عام 1929م عن نظريات آدم سميث في الاقتصاد إلى نظرية كينز .. وتغيرت فكرة الدولار القوي لدى المخططيين الاستراتيجيين في واشنطن، ولم تعر الصين أي اهتمام للتضخم كعامل من عوامل الضغط على النمو الاقتصادي .. كذلك فإن اليابان أبطلت مفعول السياسة النقدية من خلال إبقاء الفائدة على ا لين الياباني عند مستويات تقترب من الصفر.
الولايات المتحدة تدرك حقيقتين مهمتين هما: توافر مصادر الطاقة بأسعار مناسبة سيكون كفيلاً باستمرار الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على العالم، فلا فائدة للأف 16 أو حاملات الطائرات أو الغواصات النووية إذا لم تجد الوقود الذي يحركها .. أما الحقيقة الأخرى فهي أن استمرار النمو الاقتصادي سيؤدي إلى استمرار الإنفاق على البحث والتطوير واستمرار الهيمنة العسكرية والاقتصادية على العالم في زمن القطب الواحد .. وللانطلاق من هاتين الحقيقتين كان لا بد للولايات المتحدة أن تقترب أكثر من منابع النفط في بحر قزوين وفي منطقة الخليج .. وفعلاً تحقق لها ما أرادت فقد اقتربت أكثر من أي وقت مضى من بحر قزوين من خلال تواجدها في أفغانستان بحجة مكافحة الإرهاب، لتصبح على مرمى حجر من الأعداء المفترضين أو المتوقعين مستقبلاً وهم الصين وربما روسيا أو الهند ... كما أنها اقتربت من منابع النفط في الخليج من خلال تواجدها في العراق بحجة محاربة صدام وإعادة الديموقراطية ومحاربة الإرهاب .. وهي بذلك تقترب من إيران العدو المفترض أيضا .. وأصبحت الولايات المتحدة تلعب دور شرطي المرور الذ ي سيعمل على انسياب النفط دون أي عوائق من الدول المنتجة إلى الدول المستهلكة ... ومن جهة أخرى عملت الولايات المتحدة على زيادة مخزونها الاستراتيجي من النفط خلال فترة الرئيس بوش الابن عندما كانت الأسعار مرتفعه وتراوح بين 70 و90 دولارا للبرميل منذ منتصف 2007م، في إشارة إلى أن أسعار المخزون التي كانت تعتبر مرتفعة في ذلك الوقت ستصبح رخيصة الثمن إذا ما وصل سعر النفط إلى 200 دولار.
النظريات الاقتصادية القديمة كانت تتحدث عن أن كل ارتفاع مقداره 4 أو 5 دولارا في سعر النفط يؤدي إلى إضعاف النمو الاقتصادي العالمي بمقدار 1 في المائة .. لكن هذه النظرية أصبحت في بطون الكتب التاريخية فقط، فالتجربة العملية أثبتت عدم صحة تلك النظريات، فارتفاع أسعار النفط من 25 دولارا للبرميل إلى مستويات 109 دولارات الحالية لم يؤثر في النمو العالمي قيد أنملة خلال سنوات الصعود هذه .. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد فشلت في كبح جماح نمو الاقتصادات العالمية بعد تعمدها رفع أسعار النفط .. فالفكرة الأمريكية تركز على رفع أسعار النفط العالمية على جميع دول العالم مما يضعف اقتصاداتها ويدخلها في دوامة الركود والمشاكل الاقتصادية، في حين أن الولايات المتحدة ستنجو من الأخطار نظرا لحصولها على النفط بأسعار تفضيلية أقل بكثير من السعر السوقي، فضلاً عن عقود الامتياز التي تتمتع بها سبع شركات نفطية أمريكية تسيطر على أغلب عقود استخراج النفط في العالم.
الولايات المتحدة خلال فترة الجمهوريين بقيادة بوش عملت على إثارة المشاكل التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، بدءا من بيانات مخزونات النفط الأمريكي التي لعبت وما زالت تلعب دورا رئيسياً في الارتفاع، مرورا بتشجيع المضاربين على رفع الأسعار من خلال إمدادهم بالرؤى والتصريحات التي يفهم منها أن الارتفاعات ستكون إلى ما لا نهاية، ولا ننسى القلاقل والمشاكل في نيجيريا ومن يقف وراءها، وتعمد إثارة المشاكل والتصريحات الإعلامية المستمرة ضد الدول النفطية المنتجة للنفط كفنزويلا وإيران، إلى غير ذلك مما يصعب حصره .. لكن أسعار النفط المرتفعة لم تمنع الاقتصادات الحديثة والناشئة من استمرار نموها ليصعد نجم الصين بقوة، وتتقدم متجاوزة أهم النماذج الاقتصادية الناجحة التي بنتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فلقد تمكنت الصين من تجاوز ثالث أكبر اقتصاد في العالم، الاقتصاد الألماني، ولم تجد صعوبة في تجاوز ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهو الاقتصاد الياباني، لتقف على مسافة ليست بعيدة عن أكبر اقتصاد في العالم الاقتصاد الأمريكي .. إذا 15 سنة فقط هي الفترة التقديرية التي سيستغرقها الصينيون ذوو التعداد 1.3 مليار نسمة لتجاوز الاقتصاد الأمريكي لتصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى في العالم .. أما الهند فقد تجاوزت ألمانيا وتقف في المركز الرابع خلف اليابان، وتحتاج إلى حوالي من 6 إلى 8 سنوات لتتجاوز اليابان.
ما الذي يحدث؟ .. وكيف استطاعت هذه الدول الفقيرة من الصعود بقوة لتنافس سادتها مجموعة دول السبع ودول الثمانية ومجلس الأمن والدول صاحبة حق الفيتو، أين هي من صندوق النقد والبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي ..؟!! انه انقلاب على المفاهيم الاقتصادية السائدة، إنها ثورة الفقر اء.
في الوقت الذي تفرغت فيه هذه الدول الناشئة للتنمية الاقتصادية والإصلاحات الاقتصادية، انشغلت الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، انشغلت بالحروب مع الأعداء المفترضين، وأعادت إلى الأذهان المفاهيم العسكرية التي عفا عليها الزمان، المتمثلة في الاجتياحات العسكرية والتدخل المباشر في شؤون الدول، مما كلفها استنزافاً لمقدراتها الوطنية، وخسارة لسمعة أعرق الديموقراطيات على وجه الأرض، وانهياراً لمبادئها في العدل والإحسان.
وعلى الرغم من وجود هذه الترسانة المتطورة من السلاح والعتاد لدى الولايات المتحدة، إلا انها فشلت في إخضاع كثير من الدول والشعوب، بل نستطيع أن نقول إنها خسرت المعركة في العراق، وربما أفغانستان .. وفى الوقت نفسه فإن هذا الفشل العسكري أدى إلى تنامي العداء وموجة الغضب ضد الولايات المتحدة، بدءا من إيران ومنطقة الشرق الأوسط، مروراً بدول أمريكا الجنوبية بقيادة كوبا وفنزويلاً، وانتهاء بشرق وجنوب القارة الآسيوية .. ومع فشل أمريكا سياسياً وعسكرياً، فشلت اقتصادياً حيث استطاع الاقتصاد الأمريكي أن ينمو خلال فترة حكم الجمهوريين حوالي 6 سنوات بمعدلات ضعيفة، لكن هذا النمو لم يكن حقيقياً، إذ إن معدلات التضخم كانت مقاربة لمستويات النمو نفسها مما يجعل هذا النمو ورقياً، إضافة إلى أن النمو في الاقتصاد صاحبته إنفاقات خيالية على القطاع العسكري والأمن الداخلي مما استنزف خزائن الدولة حيث يتوقع أن يصل عجز الميزانية في عام 2008م مبلغ 410 مليارات دولار .. أما العجز في الميزان التجاري الذي ينتج من الفرق بين الصادرات والواردات فقد وصل في عام 2006م إلى 758 مليار دولار بسبب زيادة الواردات عن الصادرات، وتتحمل الصين الجزء الأكبر من هذه المشكلة إذ إن الصين تصدر لأمريكا أكثر بكثير مما تستورد من الولايات المتحدة، وهذا ما جعل الصين تحقق فوائض مستمرة في ميزانها التجاري في حين أن الولايات المتحدة تحقق عجزاً مستمراً .. وقد طالب المسؤولون في البيت البيض وفي الكونجرس وفي المحافل الدولية أكثر من مرة الصين برفع قيمة عملتها أمام الدولار حتى تتمكن الولايات المتحدة من بيع منتجاتها داخل الصين، ولم يصل الأمر إلى حد المطالبة فحسب، بل تجاوز ذلك إلى التهديد العلني بحرب تجارية مع الصين، وأحيانا إلى التهديد بفرض رسوم على الواردات الصينية على الرغم من تعارض ذلك مع مبادئ منظمة التجارة العالمية.
إذا الحرب القادمة ستكون اقتصادية وسيكون أقطابها هم أقطاب الاقتصاد العالمي الجديد، وقد بدأت ملامحها تلوح في الأفق، وأن ما يحدث الآن هو تحول أساسي في الفكر الاستراتيجي الاقتصادي للخمسين سنة القادمة على أقل تقدير، ومحاور هذا الفكر الجديد ترتكز على التالي:
تبني سياسة الدولار الضعيف وبقوة حتى تخسر الصين وروسيا (أكبر دولتين تحتفظان باحتياطي نقدي من الدولار) القيمة الحقيقية لموجوداتهما النقدية الدولارية، وفى الوقت نفسه دفع معدلات التضخم العالمية إلى مستويات خيالية وغير مسبوقة، من خلال ارتفاع النفط والغاز والذهب والفضة والمعادن والسلع الأساسية كالقمح والشعير والذرة وفول الصويا والكاكو وغير ذلك، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في جميع دول العالم بما فيها الدول الناشئة ذات الاقتصادات المتسارعة في النمو، مما سيؤدي إلى ارتفاع أجور الأيدي العاملة بدرجة كبيرة في الصين والهند الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج لديها وارتفاع قيمة منتجاتها إلى مستويات يفقدها قدرتها التنافسية العالمية .. وبذلك تنخفض الفجوة السعرية بين المنتجات الآسيوية والمنتجات الأمريكية فتصبح الولايات المتحدة قادرة على بيع منتجاتها بسهولة والمنافسة عالمياً، إذ إن ارتفاع تكاليف الأيدي العاملة في أمريكا وأوروبا واليابان كان سبباً رئيساً في محدودية تلك الاقتصادات عن النمو الكبير والمتسارع.
قرأت للاستاذ سهيل دراج الخبير الاقتصادي والمحلل المالي في الاسواق العالمية هذا التحليل الشيق المبهر في مجلة الاقتصادية واحببت ان اورده ضمن هذا المنتدى الرائع للفائدة وحتى يعلم الجميع في اي اتجاه يذهب العالم برمته في زمن اصبح فيه الحليم حيران[]
الحرب القادمة .. اقتصادية لا عسكرية] سهيل الدراج - - - 09/03/1429هـ
قد يكون من المفيد أن تسترجع ذاكرتنا القنابل النووية على هيروشيما ونجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية عندما نتحدث عن الحروب التقليدية، لكن عندما نتحدث عن الحروب القادمة فيجب علينا أن نستحضر الدولار الأمريكي لا القنابل والدبابات وطائرات F16 والبوارج الأمريكية .. ا لحرب القادمة قد تكون اقتصادية لا عسكرية .. وأدواتها هي الدولار الأمريكي والسياسات المالية والنقدية العالمية، وأطرافها هي الولايات المتحدة الأمريكية في مقابل الصين والهند والاقتصادات الناشئة والاتحاد الأوروبي الجديد.
إذا ما سلمنا أن الاقتصاد والنمو الاقتصادي هو المحرك الرئيس للقوة السياسية والعسكرية، فإنه يجب علينا بادئ ذي بدء فهم ما يجري حولنا من منظور اقتصادي .. فانهيار الاتحاد السوفياتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي كان بأسباب اقتصادية، وعودة روسيا الجديدة إلى الساحة الدولية من جديد كانت أيضا لأسباب اقتصادية .. وبروز الصين والهند والبرازيل كقوى اقتصادية ناشئة قد يؤدي إلى تعاظم دورها السياسي وربما العسكري في المستقبل القريب.
النظريات الاقتصادية هي نفسها قابلة للتغير، فقد تحول العالم بعد الكساد الكبير عام 1929م عن نظريات آدم سميث في الاقتصاد إلى نظرية كينز .. وتغيرت فكرة الدولار القوي لدى المخططيين الاستراتيجيين في واشنطن، ولم تعر الصين أي اهتمام للتضخم كعامل من عوامل الضغط على النمو الاقتصادي .. كذلك فإن اليابان أبطلت مفعول السياسة النقدية من خلال إبقاء الفائدة على ا لين الياباني عند مستويات تقترب من الصفر.
الولايات المتحدة تدرك حقيقتين مهمتين هما: توافر مصادر الطاقة بأسعار مناسبة سيكون كفيلاً باستمرار الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على العالم، فلا فائدة للأف 16 أو حاملات الطائرات أو الغواصات النووية إذا لم تجد الوقود الذي يحركها .. أما الحقيقة الأخرى فهي أن استمرار النمو الاقتصادي سيؤدي إلى استمرار الإنفاق على البحث والتطوير واستمرار الهيمنة العسكرية والاقتصادية على العالم في زمن القطب الواحد .. وللانطلاق من هاتين الحقيقتين كان لا بد للولايات المتحدة أن تقترب أكثر من منابع النفط في بحر قزوين وفي منطقة الخليج .. وفعلاً تحقق لها ما أرادت فقد اقتربت أكثر من أي وقت مضى من بحر قزوين من خلال تواجدها في أفغانستان بحجة مكافحة الإرهاب، لتصبح على مرمى حجر من الأعداء المفترضين أو المتوقعين مستقبلاً وهم الصين وربما روسيا أو الهند ... كما أنها اقتربت من منابع النفط في الخليج من خلال تواجدها في العراق بحجة محاربة صدام وإعادة الديموقراطية ومحاربة الإرهاب .. وهي بذلك تقترب من إيران العدو المفترض أيضا .. وأصبحت الولايات المتحدة تلعب دور شرطي المرور الذ ي سيعمل على انسياب النفط دون أي عوائق من الدول المنتجة إلى الدول المستهلكة ... ومن جهة أخرى عملت الولايات المتحدة على زيادة مخزونها الاستراتيجي من النفط خلال فترة الرئيس بوش الابن عندما كانت الأسعار مرتفعه وتراوح بين 70 و90 دولارا للبرميل منذ منتصف 2007م، في إشارة إلى أن أسعار المخزون التي كانت تعتبر مرتفعة في ذلك الوقت ستصبح رخيصة الثمن إذا ما وصل سعر النفط إلى 200 دولار.
النظريات الاقتصادية القديمة كانت تتحدث عن أن كل ارتفاع مقداره 4 أو 5 دولارا في سعر النفط يؤدي إلى إضعاف النمو الاقتصادي العالمي بمقدار 1 في المائة .. لكن هذه النظرية أصبحت في بطون الكتب التاريخية فقط، فالتجربة العملية أثبتت عدم صحة تلك النظريات، فارتفاع أسعار النفط من 25 دولارا للبرميل إلى مستويات 109 دولارات الحالية لم يؤثر في النمو العالمي قيد أنملة خلال سنوات الصعود هذه .. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد فشلت في كبح جماح نمو الاقتصادات العالمية بعد تعمدها رفع أسعار النفط .. فالفكرة الأمريكية تركز على رفع أسعار النفط العالمية على جميع دول العالم مما يضعف اقتصاداتها ويدخلها في دوامة الركود والمشاكل الاقتصادية، في حين أن الولايات المتحدة ستنجو من الأخطار نظرا لحصولها على النفط بأسعار تفضيلية أقل بكثير من السعر السوقي، فضلاً عن عقود الامتياز التي تتمتع بها سبع شركات نفطية أمريكية تسيطر على أغلب عقود استخراج النفط في العالم.
الولايات المتحدة خلال فترة الجمهوريين بقيادة بوش عملت على إثارة المشاكل التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، بدءا من بيانات مخزونات النفط الأمريكي التي لعبت وما زالت تلعب دورا رئيسياً في الارتفاع، مرورا بتشجيع المضاربين على رفع الأسعار من خلال إمدادهم بالرؤى والتصريحات التي يفهم منها أن الارتفاعات ستكون إلى ما لا نهاية، ولا ننسى القلاقل والمشاكل في نيجيريا ومن يقف وراءها، وتعمد إثارة المشاكل والتصريحات الإعلامية المستمرة ضد الدول النفطية المنتجة للنفط كفنزويلا وإيران، إلى غير ذلك مما يصعب حصره .. لكن أسعار النفط المرتفعة لم تمنع الاقتصادات الحديثة والناشئة من استمرار نموها ليصعد نجم الصين بقوة، وتتقدم متجاوزة أهم النماذج الاقتصادية الناجحة التي بنتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فلقد تمكنت الصين من تجاوز ثالث أكبر اقتصاد في العالم، الاقتصاد الألماني، ولم تجد صعوبة في تجاوز ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهو الاقتصاد الياباني، لتقف على مسافة ليست بعيدة عن أكبر اقتصاد في العالم الاقتصاد الأمريكي .. إذا 15 سنة فقط هي الفترة التقديرية التي سيستغرقها الصينيون ذوو التعداد 1.3 مليار نسمة لتجاوز الاقتصاد الأمريكي لتصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى في العالم .. أما الهند فقد تجاوزت ألمانيا وتقف في المركز الرابع خلف اليابان، وتحتاج إلى حوالي من 6 إلى 8 سنوات لتتجاوز اليابان.
ما الذي يحدث؟ .. وكيف استطاعت هذه الدول الفقيرة من الصعود بقوة لتنافس سادتها مجموعة دول السبع ودول الثمانية ومجلس الأمن والدول صاحبة حق الفيتو، أين هي من صندوق النقد والبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي ..؟!! انه انقلاب على المفاهيم الاقتصادية السائدة، إنها ثورة الفقر اء.
في الوقت الذي تفرغت فيه هذه الدول الناشئة للتنمية الاقتصادية والإصلاحات الاقتصادية، انشغلت الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، انشغلت بالحروب مع الأعداء المفترضين، وأعادت إلى الأذهان المفاهيم العسكرية التي عفا عليها الزمان، المتمثلة في الاجتياحات العسكرية والتدخل المباشر في شؤون الدول، مما كلفها استنزافاً لمقدراتها الوطنية، وخسارة لسمعة أعرق الديموقراطيات على وجه الأرض، وانهياراً لمبادئها في العدل والإحسان.
وعلى الرغم من وجود هذه الترسانة المتطورة من السلاح والعتاد لدى الولايات المتحدة، إلا انها فشلت في إخضاع كثير من الدول والشعوب، بل نستطيع أن نقول إنها خسرت المعركة في العراق، وربما أفغانستان .. وفى الوقت نفسه فإن هذا الفشل العسكري أدى إلى تنامي العداء وموجة الغضب ضد الولايات المتحدة، بدءا من إيران ومنطقة الشرق الأوسط، مروراً بدول أمريكا الجنوبية بقيادة كوبا وفنزويلاً، وانتهاء بشرق وجنوب القارة الآسيوية .. ومع فشل أمريكا سياسياً وعسكرياً، فشلت اقتصادياً حيث استطاع الاقتصاد الأمريكي أن ينمو خلال فترة حكم الجمهوريين حوالي 6 سنوات بمعدلات ضعيفة، لكن هذا النمو لم يكن حقيقياً، إذ إن معدلات التضخم كانت مقاربة لمستويات النمو نفسها مما يجعل هذا النمو ورقياً، إضافة إلى أن النمو في الاقتصاد صاحبته إنفاقات خيالية على القطاع العسكري والأمن الداخلي مما استنزف خزائن الدولة حيث يتوقع أن يصل عجز الميزانية في عام 2008م مبلغ 410 مليارات دولار .. أما العجز في الميزان التجاري الذي ينتج من الفرق بين الصادرات والواردات فقد وصل في عام 2006م إلى 758 مليار دولار بسبب زيادة الواردات عن الصادرات، وتتحمل الصين الجزء الأكبر من هذه المشكلة إذ إن الصين تصدر لأمريكا أكثر بكثير مما تستورد من الولايات المتحدة، وهذا ما جعل الصين تحقق فوائض مستمرة في ميزانها التجاري في حين أن الولايات المتحدة تحقق عجزاً مستمراً .. وقد طالب المسؤولون في البيت البيض وفي الكونجرس وفي المحافل الدولية أكثر من مرة الصين برفع قيمة عملتها أمام الدولار حتى تتمكن الولايات المتحدة من بيع منتجاتها داخل الصين، ولم يصل الأمر إلى حد المطالبة فحسب، بل تجاوز ذلك إلى التهديد العلني بحرب تجارية مع الصين، وأحيانا إلى التهديد بفرض رسوم على الواردات الصينية على الرغم من تعارض ذلك مع مبادئ منظمة التجارة العالمية.
إذا الحرب القادمة ستكون اقتصادية وسيكون أقطابها هم أقطاب الاقتصاد العالمي الجديد، وقد بدأت ملامحها تلوح في الأفق، وأن ما يحدث الآن هو تحول أساسي في الفكر الاستراتيجي الاقتصادي للخمسين سنة القادمة على أقل تقدير، ومحاور هذا الفكر الجديد ترتكز على التالي:
تبني سياسة الدولار الضعيف وبقوة حتى تخسر الصين وروسيا (أكبر دولتين تحتفظان باحتياطي نقدي من الدولار) القيمة الحقيقية لموجوداتهما النقدية الدولارية، وفى الوقت نفسه دفع معدلات التضخم العالمية إلى مستويات خيالية وغير مسبوقة، من خلال ارتفاع النفط والغاز والذهب والفضة والمعادن والسلع الأساسية كالقمح والشعير والذرة وفول الصويا والكاكو وغير ذلك، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في جميع دول العالم بما فيها الدول الناشئة ذات الاقتصادات المتسارعة في النمو، مما سيؤدي إلى ارتفاع أجور الأيدي العاملة بدرجة كبيرة في الصين والهند الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج لديها وارتفاع قيمة منتجاتها إلى مستويات يفقدها قدرتها التنافسية العالمية .. وبذلك تنخفض الفجوة السعرية بين المنتجات الآسيوية والمنتجات الأمريكية فتصبح الولايات المتحدة قادرة على بيع منتجاتها بسهولة والمنافسة عالمياً، إذ إن ارتفاع تكاليف الأيدي العاملة في أمريكا وأوروبا واليابان كان سبباً رئيساً في محدودية تلك الاقتصادات عن النمو الكبير والمتسارع.