أبو ياسر
28 / 01 / 2008, 05 : 06 PM
شاء الله جل و علا أن يجمعني بأناسي كثر من مناحي كثر في مهمة عمل امتدت لأربعة أشهر كنت بتوفيق من الله أقف لتذكيرهم بعد صلاة المغرب من كل يوم تقريباً ، أحدثهم عن الله جلت قدرته و أروي لهم شيئاً من السيرة الزكية، و كانت ضريبة هذه الأحاديث القرب من الناس و مشاكلهم ، و أشد ما يؤلمني هو عندما يحدثني أحدهم عن مشكلته الخاصة و يسلم نفسه لي ثم لا أجد الحل لمعضلته، فأضيف إلى همومي هموم فتراني سارح البال مدهوش النظرات لا تستقر لي نفس.
انتهت هذه المهمة وعدت إلى الرياض محملاً بالكثير من القصص و الأحداث و من أشدها علوقاً في ذاكرتي قصة أخي عبد الله عندما كان ينظر إلي وأنا أتحدث بنظرات رقراقة و أراه يضم جسمه بين فخذيه و يرتعش، انتظرت حتى ساعة النوم لأتحدث إليه و أسأله عن حاله، لم يطل إنتظاري حتى أتاني المشرف علينا و طلبني فوراً أن أجلس إلى عبد الله فهو يرتعد و في فمه كلمات عالقة يريد أن يسمعني إياها، انطلقت من فوري إليه و ما إن جلست أمامه حتى نظر إلي و قال إني أخاف من الموت!!، فبعد أن نمضي أربعة أشهر – مازال الحديث له – أخشى أن أخرج ثم أموت أو تموت أمي و أخي الصغير.
توقف عبد الله عن الحديث فنظرت إليه فإذا به قد أغمي عليه، حملوه إلى الإسعاف و لم أره بعد ذلك و يالله لم أسطع أن أسمعه و لا كلمة، و بينا الناس يصرخون من حولي و يتساءلون عن الخبر، حلق بي خيالي إلى طفل صغير يعيش في قرية ( الروضة ) وبدأ الطفل يسرد علي حكايته مع الموت فما رأيكم أن تنظموا إلي ..
تبتدئ حكايتي من منز لنا الشعبي الواعد الواقع على منحدر جبلي سهل و تلفه بضع شجيرات متناثرة و يقع في غرته مسجد صغير، هناك في تلك القرية النائية حكا لي الوجود حكاية الموت ولي من السنين سبع حجج ، في صبيحة يوم مشرق وضبت حقيبتي المدرسية و شدت أمي خيوط حذائي الرياضي و تعاهدت كراريسي وانطلقت إلى المدرسة أسابق الريح فرحاً مستبشراً أترقب لقاء الأخوة و الزملاء، لما دخلت المدرسة ووضعت حقيبتي في الطابور المدرسي شعرت بأن أمراً ما يجري فلم يزاحمني على المحلة الأولى كالعادة أحد، التفت حولي إذ بي أرى زملائي ساكني الحركات و كأن مصاب وقع و رفعت رأسي لأرى مدرستنا شاحبة و كأن لم يخطر على باحتها بسمة طفل قبل اليوم و قد علت وجوه مرتاديها من طلاب و معلمين كآبة و حزن، رحت أنقل البصر في أوجه الزملاء بحثاً عن جواب لهذا السكون المهيب، اقتربت من زميلي العزيز ( سيف ) و سألته عن الحكاية و ما بال المدرسة حزينة، فاستعبر ثم قال: لقد سقط محمد عن السيارة و مات!!، انعقد لساني و أدركت الساعة أن الموت ألم و باعث على الأسى و يعني أني لن أرى الميت مرة أخرى، حزنت كثيراً لموت محمد – رحمه الله – و جمعنا و إياه في الفرِِدوس الأعلى، وبالكاد انتهينا من حصص اليوم الدراسي المجهد، و عدت إلى منزلنا مطأطأ الرأس أعالج دمع العين و خفقان مؤلم في قلبي الصغير، و ما إن رأتني أمي حتى ارتمت علي وحملتني بين يديها و ألحت علي بالسؤال أن بني ما أصابك؟ ، نظرت إليها فأجابها دمع العين و قلت لها أمي لقد مات محمد، تلعثمت أمي واكتفت بضمي إلى صدرها و هي تردد رحم الله محمد و الهم أهله الصبر و السلوان ، لم تزل صورة محمد تتردد علي بين الفينة و الأخرى فأتخيله وهو مستوي على كرسيه بجانبي يقرأ الكتاب الصفي و هو يطارد كرة القدم في حصة الرياضة و لازال أذكره عندما يصطف معنا عند المقصف لشراء وجبة الإفطار ، ولم أزل لا أصدق أني لن أره مرة أخرى، كهذا بدأت حكايتي مع الموت،و علمت أن الموت مصير الأحياء قاطبة، فتراني أنزوي في زاوية البيت القصية أتصور أن الموت سيحل بي و بجدتي – أطال الله في عمرها – و أخوتي و والدي فأبكي بكاء مراً أنام له، وأضحى هاجس الموت يتردد علي فأصحوا على ذكره و أنام على ذكره، ياه!! ما أبشعها من حكاية يصغي لها طفل صغير مثلي.
كهذا حدثني الوجود عن الموت و أنا أصغي دون حراك أو إدارة، و لما كبرت وعقلت فهمت أننا نحن المسلمون لنا حكاية مغايرة لحكاية الوجود وهي أجمل إيقاعاً و أحلى لحن، فالمسلم الحق يضيف إلى هذه الحقيقة المؤلمة مسوح الإيمان بأن سيرى ميته لا محالة في الآخرة فإن كانا على صلاح و هدى فالموعد جنة المأوى،و كما قال مجنون ليلى فيها:
فإن عز اللقاء في الدنيا ففي * موقف الحشر نلقاكم و يكفينا
و لا أدري ما مقصده من موقف الحشر و مثله تساء النية فيه ، ولكني أستأذن المجنون إن كان يعقل لأقول:
فإن عز اللقاء في الدنيا ففي* الجنات نلقاكم و يكفينا
أرجوا أني لم أكسر البيت ، و عليه سادتي و سيداتي فالمؤمن لا يحزن حزناً طويلاً على ميته و ليحاول ذلك جهده، فما هذه الدنيا إلا محطة على طريق طويل سرمدي لا نهاية له، فبعضنا ممن كان حجزه إلى المحطة الأخرى مؤكداً انتقل و إن لم تواتيه فرصة توديعنا، و نحن حجوزاتنا في قائمة الانتظار و لا ندري متى سينادى على أسمائنا، فلنستعد إذاً و نستشعر جميعاً أننا عن هذه الدنيا راحلون و ليرحم الله المستقدمين منا و المستأخرين ..
أرى أنك تتساءل عن صاحبي عبد الله و ماذا حل به، نبأت أنه غادر المشفى وانطلق إلى والدته في جبال الجنوب القصية و انقطع عنه الخبر بعدئذ ..
تحياتي لكم جميعاً
انتهت هذه المهمة وعدت إلى الرياض محملاً بالكثير من القصص و الأحداث و من أشدها علوقاً في ذاكرتي قصة أخي عبد الله عندما كان ينظر إلي وأنا أتحدث بنظرات رقراقة و أراه يضم جسمه بين فخذيه و يرتعش، انتظرت حتى ساعة النوم لأتحدث إليه و أسأله عن حاله، لم يطل إنتظاري حتى أتاني المشرف علينا و طلبني فوراً أن أجلس إلى عبد الله فهو يرتعد و في فمه كلمات عالقة يريد أن يسمعني إياها، انطلقت من فوري إليه و ما إن جلست أمامه حتى نظر إلي و قال إني أخاف من الموت!!، فبعد أن نمضي أربعة أشهر – مازال الحديث له – أخشى أن أخرج ثم أموت أو تموت أمي و أخي الصغير.
توقف عبد الله عن الحديث فنظرت إليه فإذا به قد أغمي عليه، حملوه إلى الإسعاف و لم أره بعد ذلك و يالله لم أسطع أن أسمعه و لا كلمة، و بينا الناس يصرخون من حولي و يتساءلون عن الخبر، حلق بي خيالي إلى طفل صغير يعيش في قرية ( الروضة ) وبدأ الطفل يسرد علي حكايته مع الموت فما رأيكم أن تنظموا إلي ..
تبتدئ حكايتي من منز لنا الشعبي الواعد الواقع على منحدر جبلي سهل و تلفه بضع شجيرات متناثرة و يقع في غرته مسجد صغير، هناك في تلك القرية النائية حكا لي الوجود حكاية الموت ولي من السنين سبع حجج ، في صبيحة يوم مشرق وضبت حقيبتي المدرسية و شدت أمي خيوط حذائي الرياضي و تعاهدت كراريسي وانطلقت إلى المدرسة أسابق الريح فرحاً مستبشراً أترقب لقاء الأخوة و الزملاء، لما دخلت المدرسة ووضعت حقيبتي في الطابور المدرسي شعرت بأن أمراً ما يجري فلم يزاحمني على المحلة الأولى كالعادة أحد، التفت حولي إذ بي أرى زملائي ساكني الحركات و كأن مصاب وقع و رفعت رأسي لأرى مدرستنا شاحبة و كأن لم يخطر على باحتها بسمة طفل قبل اليوم و قد علت وجوه مرتاديها من طلاب و معلمين كآبة و حزن، رحت أنقل البصر في أوجه الزملاء بحثاً عن جواب لهذا السكون المهيب، اقتربت من زميلي العزيز ( سيف ) و سألته عن الحكاية و ما بال المدرسة حزينة، فاستعبر ثم قال: لقد سقط محمد عن السيارة و مات!!، انعقد لساني و أدركت الساعة أن الموت ألم و باعث على الأسى و يعني أني لن أرى الميت مرة أخرى، حزنت كثيراً لموت محمد – رحمه الله – و جمعنا و إياه في الفرِِدوس الأعلى، وبالكاد انتهينا من حصص اليوم الدراسي المجهد، و عدت إلى منزلنا مطأطأ الرأس أعالج دمع العين و خفقان مؤلم في قلبي الصغير، و ما إن رأتني أمي حتى ارتمت علي وحملتني بين يديها و ألحت علي بالسؤال أن بني ما أصابك؟ ، نظرت إليها فأجابها دمع العين و قلت لها أمي لقد مات محمد، تلعثمت أمي واكتفت بضمي إلى صدرها و هي تردد رحم الله محمد و الهم أهله الصبر و السلوان ، لم تزل صورة محمد تتردد علي بين الفينة و الأخرى فأتخيله وهو مستوي على كرسيه بجانبي يقرأ الكتاب الصفي و هو يطارد كرة القدم في حصة الرياضة و لازال أذكره عندما يصطف معنا عند المقصف لشراء وجبة الإفطار ، ولم أزل لا أصدق أني لن أره مرة أخرى، كهذا بدأت حكايتي مع الموت،و علمت أن الموت مصير الأحياء قاطبة، فتراني أنزوي في زاوية البيت القصية أتصور أن الموت سيحل بي و بجدتي – أطال الله في عمرها – و أخوتي و والدي فأبكي بكاء مراً أنام له، وأضحى هاجس الموت يتردد علي فأصحوا على ذكره و أنام على ذكره، ياه!! ما أبشعها من حكاية يصغي لها طفل صغير مثلي.
كهذا حدثني الوجود عن الموت و أنا أصغي دون حراك أو إدارة، و لما كبرت وعقلت فهمت أننا نحن المسلمون لنا حكاية مغايرة لحكاية الوجود وهي أجمل إيقاعاً و أحلى لحن، فالمسلم الحق يضيف إلى هذه الحقيقة المؤلمة مسوح الإيمان بأن سيرى ميته لا محالة في الآخرة فإن كانا على صلاح و هدى فالموعد جنة المأوى،و كما قال مجنون ليلى فيها:
فإن عز اللقاء في الدنيا ففي * موقف الحشر نلقاكم و يكفينا
و لا أدري ما مقصده من موقف الحشر و مثله تساء النية فيه ، ولكني أستأذن المجنون إن كان يعقل لأقول:
فإن عز اللقاء في الدنيا ففي* الجنات نلقاكم و يكفينا
أرجوا أني لم أكسر البيت ، و عليه سادتي و سيداتي فالمؤمن لا يحزن حزناً طويلاً على ميته و ليحاول ذلك جهده، فما هذه الدنيا إلا محطة على طريق طويل سرمدي لا نهاية له، فبعضنا ممن كان حجزه إلى المحطة الأخرى مؤكداً انتقل و إن لم تواتيه فرصة توديعنا، و نحن حجوزاتنا في قائمة الانتظار و لا ندري متى سينادى على أسمائنا، فلنستعد إذاً و نستشعر جميعاً أننا عن هذه الدنيا راحلون و ليرحم الله المستقدمين منا و المستأخرين ..
أرى أنك تتساءل عن صاحبي عبد الله و ماذا حل به، نبأت أنه غادر المشفى وانطلق إلى والدته في جبال الجنوب القصية و انقطع عنه الخبر بعدئذ ..
تحياتي لكم جميعاً