المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المأزق الكبير !!


أبو ياسر
18 / 06 / 2007, 02 : 07 PM
مشرف باص !!
كنت أقلب مذكراتي الخاصة لعام ألف و أربع مائة و خمسة وعشرين للهجرة فوقفت على هذه الذكرى و أحببت أن تشاركوني قراءتها .. فإليكم أحداث المأزق الكبير ..
لما أن وجدت في قلبي قسوة و في روحي و حشة أزمعت أمري على السفر لبيت الله العتيق فحجزت مع حملة أذهب معها لأول مرة نعتت بحملة الأخيار و عزمت أن لا أتخذ صاحباً في هذه الرحلة سوى الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتابه البديع ( عدة الصابرين و ذخيرة الشاكرين ) لا أدري لما وقع الخيار على هذا العنوان من بين العناوين التي تحتويها مكتبتي ... على أي حال الرحلة في انتظاري و أدعوكم جميعاً لصحبتي ..
قصدت مكان الانطلاق قبل الموعد المقرر كي أتخذ لي مكاناً في الحافلة قصياً و بعيداً كل البعد عن قمرة القيادة و الباب إذ النية أن أنهي هذا الكتاب في ساعات الطريق القادمة .. ركنت السيارة بجوار المكتب بعد أن صرخ بي أرباب المحلات الملاصقة للمكتب و حذر غير واحد من العاملين بالانتقام من السيارة إذ هي قبعت على باب المحل ثلاث أيام بلياليهن .. ترجلت من السيارة و قصدت الحافلة التي ستقلنا .. حزت المكان الذي أرجيه ورحت أدعوا الله – عز وجل – أن يهيئ لنا مشرفاً غير مزعج ( مرجوج ) و أن يجلس بجانبي رجل صموت عقول..
توافد الركاب رجالاً و نسائاً ولفيفاً من الأطفال الصغار و توزعوا على مراتب الحافلة و كان حض المقعد الذي بجانبي لصبي في التاسعة من عمره يبدوا أن الله لم يستجب الدعوة الثانية فالرجاء منه سبحانه إجابة الأولى.. قاطع حديثي إلى نفسي والد الصبي محيياً فحييته بمثلها فأردف قائلاً: ما شاء الله ذاهب معنا لمكة .. قلت : أي نعم و إلا لم ترني هنا .. ضحك الأب الطريف فضحكت لضحكه .. أعلم بأنها سخيفة و لكنها نكت اللقاء الأول !!
و بينا أنا أنظر للطفل نظرة حذرة و هو يحاول فتح علبة ( سفن أب ) إذ بشاب بدين يدخل من باب الحافلة استوضحت وجهه فعرفته إنه زميل دراسة قديم .. ألقى السلام على جمعنا و تبسم قائلاً : ها اكتمل عددكم .. فأجابه من في المقدمة : أن نعم .. أخذ كشف الأسماء و بدا يلقيها .. فأتى على اسمي فأجبته بنعم فلما نظر إلي قصدني باحتفاء و ترحيب إذ مضى على آخر لقاء بيننا زمن طويل .. قمت إليه و تعانقنا على عجل و شكرته على ترحيبه و همس في إذني أن أمامنا وقت طويل سنمضي فيه معاً أمتع الأوقات أومأت برأسي مبتسماً: أن نعم .. و أنا أرمق كتاب ابن القيم بأسى أن عليك السلام !
بعد اكتمال العدد جدد المشرف بنا الترحيب و قصد قمرة القيادة مشيراً للسائق بأن تحرك .. و انشغل بهاتفه النقال الذي أشغله غير مرة و هو ينظم مقاعد الركاب فرفع صوته بالإجابة ثم بدا صوته خافتاً غير واضح .. وفجأة توقفت الحافلة و فتح الباب ... و نظر إلينا المشرف أن ما من مشكلة و لكنه سيضطر لتركنا لشغل طرأ .. و ثبت عينيه في عيني فقلت في نفسي : لا لا .. فقال: سيكون بندر هو المشرف فأنا أعرفه و سيمتعكم كثيراً .. رددت بابتسامة فاترة .. فأشار إلي بأن أأتيه .. قمت من مقعدي و نزلت بصحبته خارج الحافلة .. و قلت معاتباً: ماذا فعلت لتو! تعلم بأني أتهيب الوقوف أمام الناس .. فقال: بندر أنا مضطر لترككم و ما من أحد أثق فيه إلا أنت فسر بالحافلة و يمكن ان يكون هذا درس تستفيد منه في مستقبل أيامك .. قلت: إذاً لا خيار لدي .. قال: نعم .. و على فكرة هذا رقم صاحب الحملة إذا طرأ طارئ لا قدر الله اتصل به .. عانقني مودعاً .. و ركبت الحافلة سائلاً من المولى التوفيق و الإعانة .. وطلبت من السائق الاستمرار .. فلما أن جاوزنا تفتيش ( القديه ) استلمت المايكرفون ورحبت بهم و طلبت إليهم تلاوة دعاء السفر .. و كنت أفكر فيما سأشغل به وقتهم طيلة الرحلة ففيهم الشيخ الكبير و الرجل و المرأة و الشاب المشاكس و الطفل المشاغب خاصة صاحبي ذو التسع سنوات فقد سكب السفن أب على الكتاب و هذا ما كنت أخشاه .. بأي حال طلبت من السائق أن يشغل المسجل فقال مبتسما: ( معليش يا مشرف أصل المسجل خرب أولت مبارح ) تباً مالذي يجري ..
بدأ صوت الركاب يرتفع خاصة شيخ كبير في السن شغله الشاغل مكيف الحافلة .. إن رفعناه راح يحدث من بجانبه و بالنسبة لحديثه فالحافلة كلها تستمع إليه و يقول : الفريون هو مرض الركب بس ذا الشباب ما يدرون يطيح الواحد تحت المكيف أربعة و عشرين ساعة في السيارة و البيت و الله إن عندي عوال ما يمكن يفارقونه لحظة و الله يعين الشيبان على الفواتير .. و هو في غمرة حديثه يتذكر بأني مشرف فيصرخ بي يا ولدي خفف على المكيف شوي صرنا دجاج مثلج .. فأرد عليه : حاضر يا عم و أنا في حرج كبير منه .. رحت أقلب أوراقاً بين يدي فوجدت مسابقة لطيفة فبدا لي ان أضع لهم مسابقة و بها نتحدث قليلاً وبالمرة نشغل وقتهم بالنافع .. استلمت المايكرفون و حييتهم ثانية و قدمت بمقدمة صغيرة أستحثهم فيها على حفظ الوقت و استشعار بعض عبر السفر و فوائده .. و بعدها قلت بإسلوب حماسي مارأيكم بمسابقة .. فأجابوا متحمسين: أن نعم .. فقسمتهم إلى قسمين و بدأت المسابقة و كانت مسابقة رائعة تجرأنا فيها على بعض و استمرت قرابة الساعة و النصف .. فسألتهم هل نتوقف فلج الشباب أن لا.. أما عمي الشايب فيتأفف من صوت المكيرفون المزعج و من المكيف .. غضضت الطرف عنه و استمريت في الحديث إليهم ..
فجأة انطفأ المكيف و بدأت الحافلة تسير بتثاقل و تتمايل ذات اليمين و الشمال حتى كادت توقعني .. قصدت السائق سائلاً مالخبر .. فرد قائلاً يبدوا أننا مضطرون لتوقف قليلاً لأرى المشكلة .. انحرفنا عن الخط و نظرت إلى المنطقة إذ بها الخاصرة .. توقفت الحافلة و طلبت من الركاب النزول و طمأنتهم أن ما من مشكلة تستدعي القلل .. نزلنا و توزعت الأسر حول جانبي الحافلة .. وذهبت مع السائق المصري أشعل حماسته طالباً منه الإستعجال في العمل و أذكره بان علينا أن نصل إلى الميقات قبل الفجر .. فنظر إلي قائلاً : اتصل بصاحب الحملة و خليه يبعث لنا باص تاني !!
ماذا ؟!! أمن عقلك تتحدث ام ماذا نحن الآن في الخاصرة نبعد عن الرياض أكثر من 300 كيلو متر تقريباً .. قال: الباص مراح يصلح دا المكينة خبطت ..
عندها تذكرت صاحبي وهو يقول قد يكون درس تستفيد منه و عندها فهمت لماذا حملت معي كتاب ( عدة الصابرين ) لكني للأسف لم أقرأه ..
اتصلت بصاحب الحملة و اخبرته الخبر .. فرد : لا عليك و الآن سنرسل الحافلة .. و عليك تكرماً أن تطمأن الناس و تمتص غضبهم .. فرددت : حسناً حسناً و لكن رجائاً عجل فمعنا نساء و أطفال .. أقفلت الخط ..
وأذنت أذان المغرب و العشاء و بعد أدائهما قصراً و جمعا .. قمت في الناس و خبرتهم الخبر .. فحوقل الناس و تباينت عندها ردود الفعل فمن قائل : يا أخي المفروض أنكم تشيكون على الباص قبل الرحلة .. و آخر: ذولي همهم الدراهم يلهفونها و الركاب في ستين داهية .. فيتجرأ ثالثهم لما رئآني صامتاً لا أنبس ببنت شفه قائلاً : الشره ما هب عليك و لا على حملتك الشره على إلي يروح معكم .. في الحقيقة يا سادة ان هذا الأخير أغضبني كثيراً خاصة و أن بيننا للقاء أول فهو والد ذو التسع سنوات ..بأي حال استدرت ناحية القبلة و كبرت لأداء الوتر .. و لما سلمت تقدم إلي أحد العقلاء و طلب إلي الصبر على الناس ففيهم الجاهل و المريض فقلت : لا عليك لم أحفل بهم فحالي كحالكم تماماً و لعلك رأيت ما صار بيني و بين المشرف المعتذر .. قال: نعم .. و الآن ما رأيك ان نتصل على أمن الطرق فالأطفال و النساء ظمئا و الماء نفد من عندنا أضف إلى ذلك اننا في الليل و هذا خطر علينا .. إجبته بالقبول و قمت بالاتصال على أمن الطرق الذي أتى بعد ساعتين!! وكنا في هذه الأثناء قد تدبرنا امورنا و ذهب أحدنا مع أحد المسافرين و أحضر لنا الماء و العصائر ..
لا أخفيكم انها كانت لحظات حرجة علينا و احمد الله أن من تكلم بعد الصلاة قدم اعتذاره و أسفه فصفيت القلوب عندها ... و بعد ثلاث ساعات و نصف أتت الحافلة و ارتفع المأزق و تمت الرحلة على ما يرام .. وقررت عندها أن أذهب للغالي طالب الجنان في جدة لأقضي عنده بعض الوقت .. فلما أردت الرجوع يوم الجمعة لقيادة الحافلة من جديد طلب مني البقاء و لم أكن لأرده خاصة و انه وافق ما في النفس .. فعدت إلى الرياض بالطائرة .. و الحمد لله من قبل و بعد ..

كاشخ 24 ساعه
18 / 06 / 2007, 41 : 09 PM
ينطبق عليك المثل القائل

((يامن شرا له من حلاله عله))


ان شاء الله انك مأجور اخي بندر

بس مالك حق تخليهم وترجع بالطائره :biggrin:

أمين القلم
19 / 06 / 2007, 53 : 03 PM
أخي العزيز / مجمـــــــع الأدب و الفصاحة ...أدام الله قلمك ...
أسلوب سلس رشيق يأخذ بلب القارئ حتى آخر كلمة ...
حق لي أن أطلق عليك :
الطنطاوي الجديد ...!
لعل اتحافاتك الأدبية لا تنقطع عنا ، فننقطع عنا المتعة ...




لكن استوقفتني هذا العبارة :
أزمعت أمري..!

لماذا أرى أنها ليست في محلها ؟؟!!

تحية من أرق التحايا ...

الكاظم
19 / 06 / 2007, 20 : 09 PM
أخي العزيز/ مجمع البحرين ..
مقال أكثر من رائع يعيطيك ألف عافية عليه ...

أبو ياسر
20 / 06 / 2007, 13 : 11 AM
ينطبق عليك المثل القائل
((يامن شرا له من حلاله عله))
ان شاء الله انك مأجور اخي بندر
بس مالك حق تخليهم وترجع بالطائره :biggrin:
نعم هو كذلك ..:wink:
مرور كريم أخي الكريم / كاشخ24ساعة ...
تقبل أزكى التحايا

أبو ياسر
20 / 06 / 2007, 22 : 11 AM
أخي العزيز / مجمـــــــع الأدب و الفصاحة ...أدام الله قلمك ...
أسلوب سلس رشيق يأخذ بلب القارئ حتى آخر كلمة ...
حق لي أن أطلق عليك :
الطنطاوي الجديد ...!
لعل اتحافاتك الأدبية لا تنقطع عنا ، فننقطع عنا المتعة ...
لكن استوقفتني هذا العبارة :
لماذا أرى أنها ليست في محلها ؟؟!!
تحية من أرق التحايا ...
مرحباً بنقاد جاش المميز / أمين القلم ..
إطراء احتفيت به كثيراً فشكراً جزيلاً لك .. وكلي رجاء أن اكون عند حسن ظنك ..
أما عن ( أزمعت أمري ) فهي جملة دارجة على أقلام كتاب العربية و معناها لا يخفى عليك .. و لكن يبدو أنها - أزمعت - جافة قليلاً و تعلق لوهلة بين الشفتين .. بأي حال سررت بنقدك و هذا الذي نريده في منتديات جاش لنرتقي بطرحنا ..
أمين القلم .. لا حرمنا هذا التواصل

أبو ياسر
20 / 06 / 2007, 25 : 11 AM
أخي العزيز/ مجمع البحرين ..
مقال أكثر من رائع يعيطيك ألف عافية عليه ...
الرائع حقاً هو مرورك عزيزي / الكاظم ..
تقبل مني أزكى التحايا

ناصر بن هذال
20 / 06 / 2007, 42 : 10 PM
قصه ممتعه .

أبو ياسر
22 / 06 / 2007, 52 : 02 PM
الغالي /أبو يزيد
أشكرك على المرور و التعليق ...
تحياااااتي

وجــد
22 / 06 / 2007, 48 : 10 PM
اخي مجمع البحرين
قصة رائعه جداً
ماشاء الله عليك يامجمع البحرين
القصه في غاية الروعه
وكلماتها متألقه
اثابك الله يامجمع البحرين
ولاتحرمنا روعة قصصك
سلام

أبو ياسر
24 / 06 / 2007, 43 : 12 PM
اخي مجمع البحرين
قصة رائعه جداً
ماشاء الله عليك يامجمع البحرين
القصه في غاية الروعه
وكلماتها متألقه
اثابك الله يامجمع البحرين
ولاتحرمنا روعة قصصك
سلام
مرحباً بأختي العزيزة / وجد ...
كان لطفاً منك هذا المديح .. فشكراً جزيلاً لك ..