المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هذا الشبل من ذاك الاسد


ناصر بن هذال
05 / 03 / 2006, 55 : 02 PM
الامير تركي يتحدث العربيه في هارفارد (خاص جريدة الوطن السعوديه 28\1\2006)
تركي الثنيان*
ربما لأول مرة في تاريخ جامعة هارفارد الأمريكية أن يبتدئ الضيف محاضرته بقوله "بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين"، بلكنة فصيحة لا تحاول إخفاء أو طمس الحاء، أو ترقيق العين. ويزيد من خصوصية الموقف أن جامعة هارفارد، وكلية كندي للدراسات الحكومية تحديدا، لها رهبة، فهي غنية بتاريخ عريق مؤثر في الأجواء الأكاديمية والسياسية، أضف إلى هذا، أن حضور المحاضرة من نوعية خاصة ممتدة من أساتذة عمالقة من مختلف التخصصات، وسفراء ووجهاء المجتمع، وكوكبة طلاب من مختلف أنحاء العالم، كما أن المحاضرات على الهواء مباشرة، ويستحيل انتقاء وفلترة الحضور أو أسئلتهم، ولا ننسى أن قانون حرية التعبير، يعطي الحضور الحق في مقاطعة الملقي، بل والتشويش عليه مادام الأمر في حدود "معقولة". كل هذه العوامل، تجر المتحدث، وتجبره، شعر بهذا أو كان في اللاشعور، لأن يحاول أن يظهر وكأنه ينتمي لهذه البيئة، وأنه لا يقل عنها بشيء، عبر مجاراته للغة بل واللكنة الأمريكية، وعبر تناغم المواضيع، والأطروحات مع هذا المكان الأنيق...
,
هذا إن كان المتحدث متمكنا ومتميزا، أما إن كان المتحدث استثنائيا، قياديا... نسخة أصلية لا تُكرر الآخرين، أو بمعنى أدق، إن كان المتحدث هو تركي الفيصل، فنحن نتحدث عن قصة أخرى. هو إنسان يفرض شخصيته على الحضور، ويسيطر على المكان، ويوجه مسار المواضيع، وليس العكس. سفيرنا أثبت أنه أكثر ثقة بنفسه وبخلفيته الحضارية من أن يهزمه بريق المكان ونخبوية الحضور وفوقية الرتم. حقيقة، لم يكن يجرؤ على فعل هذا إلا شخص استثنائي بحجم صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، سفير خادم الحرمين الشريفين في أمريكا. كان يعرف كيف يتحدث مع الأمريكان مهما كانت خلفياتهم، وبشكل متقن بالأرقام والأمثلة المستمدة من بطون أمهات كتبهم ومخزوناتهم التراثية... واجه الحضور بذهنية متقدة وسرعة بديهة، وبذكاء استثنائي... هو موروث جيني يستحيل تدريسه في أرقى الجامعات... ما يلي لمحات مختصرة لمحاضرته في جامعة هارفارد: "مواجهة التحديات العالمية معا".
,
كان لباسه مدروسا بدقة، يعلو عليه اللون الأحمر بشكل واضح، وهو شعار الجامعة، وشعار المدينة، ولون فريق بوسطن الشهير في البيسبول. مداعبته للحضور كانت مستوحاة من تراث بوسطن، وبعض الأمثلة، التي استقاها في حديثه، كانت مستوردة من بوسطن، ليكسر الحواجز ويقترب من ذهنية الحضور، فذكر معلومات تخص أول مدرسة افتتحت في بوسطن، وذكر أول كلية افتتحت في بوسطن في أوائل 1600 ميلادي، مقارناً هذا بأول كلية افتتحت في المملكة قبل 50 سنة في لفتة حادة الذكاء إلى وعورة المقارنة بين مجتمعين بينهما فارق زمني يمتد مئات السنين. وهذه كانت إحدى خطوات الأمير في الانتقال من التعرف على الحضور، بإيراد أمثلة من بيئتهم إلى الإمساك بقبضة أذهانهم، ونقلهم إلى حيث يريد، هو شخصيا، وهو تصور التطور الحادث في المملكة والمقارنة باستخدام عدسات زمنية خاصة أحضرها معه الأمير، حتى يتهيأ للحضور استيعاب المقاربة بلغة يفهمونها.
,
كان هادئا، واثقا، غنيا بالمعلومات...حتى عندما سألهم أحد الأسئلة المستفزة، كان مسيطراً على لغته، واضحا، ومفندا للسؤال الاستفزازي بكل تمكن ورقي، في الإجابة عن معنى وحقيقة مفردة "الحرية". لم تكن المعلومات أو الأرقام مكتوبة من قبل، بل كانت الأرقام تتوارد على لسانه بسرعة عجيبة أثناء الإجابة عن الأسئلة، وهي أرقام متنوعة من نسبة الأميين في المملكة قبل أربعين سنة ونسبتهم اليوم، وعدد المبتعثين السعوديين، أو المتقدمين لوزارة التعليم العالي حاليا، إلى عدد عناصر الخطة التطويرية الاقتصادية التي أقرت في عهد الملك فهد رحمه الله، إلى عدد الإرهابيين المقبوض عليهم، وإلى تعداد نقاط البيان الرسمي الصادر من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس الباكستاني إثر فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية. وبدون احتقان، كان يعترف بالنقص، ففي معرض إجابته عن سؤال أثارته إحدى الطالبات، وفحواه عدم تقارب الشعب السعودي مع الأجانب الموجودين في المملكة، أقر الأمير بالخلل، وتمنى لو أننا نعيش في مجتمع مثالي، وبلفتة ذكية، أشار إلى أن مقارنة المملكة بغيرها من المجتمعات، سيعطي حكما أفضل من مقارنة المملكة بالمجتمع الملائكي. كان بكل اقتدار يعرف لغة الحضور، وخلفيته الثقافية، فتمكن من إدارة مكامن القوة والضعف بكل ذكاء. حتى أطرف الأسئلة وأبعدها عن التوقع، سؤال إحدى الطالبات عن رأي الأمير في أحد الأفلام الذي للتو تم عرضه في قاعات السينما، استغله الأمير لإيصال رسائل تخدم موضوعه الأساسي.
باعتزاز وصدق كان يتحدث ويجيب عن الأسئلة...كان من بينها قوله إن أي تغيير في المملكة لا بد أن يأتي من داخل المملكة، ولا يمكن أن يفرض على الشعب. وبسهولة ممتنعة، أشار - عرضا- إلى أن المرأة تأخذ دورها بتدرج يتناسب مع البيئة السعودية، وتطرق للانتخابات البلدية (بالتاريخ) التي يراها بداية لخطوات قادمة أثقل في الموازين السياسية. كان يسأل ويقول هل السعوديون "متحفظون أو تقليديون" ويجيب عن أسئلته بقوله "نعم، هم كذلك، ولكنهم حتما ليسوا إرهابيين". كما دافع عن الوهابية، وعن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، باعتداد فريد، ختمه بتذكير الحاضرين بأن الشيخ هو أحد أجداده... بلمحات منثورة في حديثه، كان يصلي ويسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام إثر كل ذكر بلا وجل، وبعفوية، يقول للحضور، أنتم منظرو "حرية التعبير" ولكن رسوم الدنمارك الكاريكاتيرية مؤذية لمشاعرنا، مهينة لعقيدتنا، وغير مقبولة على الإطلاق، وكانت مشاعر وجهه تنبئ عن ألم أكبر، ولم ينس الإشارة إلى أن عداء السامية جريمة لا تُبرر بحرية التعبير على الإطلاق. وضمن المصادفات التي لا تحدث في العمر إلا مرة واحدة، دخل وقت صلاة العشاء، وكان جوال الأمير مبرمجاً على تذكير الأمير بوقت الصلاة عبر ترديد "الله أكبر" لمرتين، بصوت مسموع، سمعه كل الحضور، بشكل جعل جميع من في القاعة يتلفت، يتساءل عن هذا الصوت الرخيم...
,
بعد المحاضرة، قال لي أستاذ أمريكي، "شخص بهذا الذكاء، بإمكانه تغيير الكثير. عنده قدرة رائعة على السيطرة على الجمهور مهما كانت نخبوية هذا الحضور". أمريكي لم أميز من حديثه إلا عبارات "هذا السعودي ذكي ومثقف.." باحث من الأرجنتين يقول لي أتمنى أنهم - أي الأمريكان- استوعبوا الرسالة الأهم وهي "اختلافنا يجب أن يُحترم فهو لا يتناقض مع صداقتنا". هاتفني صديق قائلا: "ليتنا نستنسخه". وقبيل نهاية المحاضرة المنقولة على الهواء مباشرة عبر الإنترنت، وصلتني هذه الرسالة من زوجتي: "رجاء، قبل رأس من حلق بهامتنا عاليا.... أقسم إنه ابن الملك فيصل...".
,

*كاتب سعودي

ابوخالد
05 / 03 / 2006, 47 : 09 PM
نشاط واضح الله يعطيك العافيه..

أبو ضويحــــي
07 / 03 / 2006, 20 : 12 PM
الله لايهينك ابو يزيد و جود لا تزعل

ناصر بن هذال
07 / 03 / 2006, 17 : 08 PM
الحمد لله عالسلامه اخي المؤشر.

وين الغيبات.؟

راعي وناسة
08 / 03 / 2006, 42 : 05 AM
الحقيقة أنه الرجل المناسب في المكان المناسب

كثيرون يرون أن الأمير تركي مشابه إلى حد كبير بشخصية أبيه الملك فيصل

حقا... انه ابن الفيصل.........!

أبو فـلاح
08 / 03 / 2006, 25 : 11 AM
هي مدرسة الفيصل رحمه الله وهو أحد نوابغها
أطال الله عمره وثبته على الحق .

شكرا أبو جود على نقل هذه المقالة الرائعة

ناصر بن هذال
10 / 03 / 2006, 43 : 04 PM
شكرا عالمرور ياشباب.

سلطان آل حيدان
13 / 03 / 2006, 08 : 01 AM
والله إنه شي يبهج الصدر
يعطيك العافية
أخوي ناصر
آآآآآآآآآآآآآآآآآسف على التأخير