المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زراعة خلايا البنكرياس لعلاج داء السكري


altabeeb
02 / 01 / 2003, 02 : 04 AM
مقال خاص
الأمل المعقود يتحقق:
زراعة خلايا البنكرياس لعلاج داء السكري




بقلم الدكتور أوس بن عبدالله الزيــــــد

استشاري امراض السكري

مستشفى القوات المسلحة بالرياض


لا نحب نحن معشر الاطباء ما تروج له احيانا بعض الصحف ووسائل الاعلام المختلفة من التهويل والمبالغة ولو عن حسن نية في وصف آخر الصرعات الطبية واحدث الطرق الاكتشافية في علاج هذا المرض أو ذاك دون التدقيق العلمي والموضوعي عما ينشر أو بما قد يؤول له الامر على واقع المريض فيما بعد... والسبب في ذلك ليس لاننا كاطباء لا نريد ان نزف بشرى الخير والامل لمرضانا ولكن لأننا على عكس زملائنا في مجال الاعلام نواجه مباشرة خيبة الامل التي تعتري المريض بعد اطلاعه على الحقيقة كاملة وما يتركه ذلك من مرارة حقيقية لديه كما لو انه قد خسر معركة ما مع المرض .. فما الفائدة مثلا ان يكون العلاج المزعوم ناجحا ان لم يكن قابلا للتطبيق العملي في الحاضر او المستقبل؟ من هنا ارجو ان نوفق في طرح موضوع زراعة خلايا البنكرياس لعلاج داء السكري بأمانة وموضوعية مع التذكير بالنجاحات الباهرة والنقلة النوعية التي تحققت مؤخرا وما قد يعنيه ذلك بالفعل على مرضى السكري بجميع اطيافهم ..

هناك أيضا حقيقة اخرى لايدركها الكثير من الناس وهي ان مرض السكري يختلف عن الامراض المزمنة الاخرى بأنه بالاضافة الى المضاعفات الطبية الخطيرة التي يسببها مثل الفشل الكلوي والغرغرينة وانسداد الشرايين فهو كذلك يمس مباشرة الحياة اليومية للمريض مما يتطلب مواجهة دائمة بين المريض والمرض لحظة بلحظة ومع كل وجبة يتناولها المريض في صومه وافطاره وفي حله وترحاله وفي جميع المناسبات ليبقى الشغل الشاغل بارتفاعه وانخفاضه والهم الدائم للمريض واقربائه. لذلك فان اي علاج في نظري لا يأخذ في الحسبان اطلاق سراح المريض من معاناته اليومية تلك لا يمكن اعتباره حقا علاجا مثاليا او ناجحا بكل معنى الكلمة .. ومن هذا المنطلق بالذات تكمن أهمية زراعة خلايا البنكرياس لما توفره هذه من حل جذري ونهائي للمرض كما تبشر به أحدث الدراسات الطبية التي سنتطرق لها فيما بعد..



خلايا البنكرياس:



تحتوي غدة البنكرياس والموجودة خلف المعدة على خلايا هرمونية متناثرة يقارب عددها في الانسان االسليم حوالى المليون خلية تعرف طبيا باسم "جزر لانكرهان" Islets of Langerhans وهي الخلايا المسؤولة عن افراز هرمون الانسولين الضروري والذي بدوره يقوم بالحفاظ على نسبة السكر في الدم بتوازن دقيق ومحكم دون الارتفاع عن معدله الطبيعي بعد الاكل وان تنوع الاكل واختلف. ولكن عندما تصاب خلايا الانسولين هذه بأي عطب أو تلف كما هي الحال في مرض السكري ترتفع نسبة السكر في الدم دون رادع او رقيب مما يؤدي الى حرمان انسجة الجسم مما تحتاجه من الطاقة لاداء وظائفها العضوية بينما تنساب المواد السكرية والعضوية الاخرى هدرا في البول دون الاستفادة منها. فإذا كان العجز لخلايا الانسولين كليا ولم تبق منها الا الاشلاء المجردة كما هو الحال عند المصابين بالنوع الاول من داء السكري من الاطفال والشباب احتاج المريض لحقن الانسولين يوميا منذ الوهلة الاولى وعلى مدى الحياة في حين يؤدي الخلل الجزئي لخلايا البنكرياس الى افراز كمية محدودة ولكن غير كافية من الانسولين كما هو الحال مع معظم المصابين الكبار بالمرض حيث يتطلب العلاج ادوية منشطة لخلايا البنكرياس وقد ينتهي الامر عند البعض بالحاجة الى ابر الانسولين خصوصا ان تهاون المريض مثلا في الحفاظ على الوزن والانضباط بالحمية..



وكما يقال في المثل المعروف اذا عرف السبب بطل العجب، لذلك فان اية محاولة جادة للقضاء على مرض السكر واستئصاله علاجيا تكون مرهونة باصلاح العطب في خلايا البنكرياس (والتي للاسف لايمكن اصلاحها على الاطلاق نظرا لتلفها التام في الكثير من الاحيان) او باستبدالها بخلايا سليمة يتم زرعها لدى المريض لتؤدي الغرض المطلوب وتزيل عن المريض كابوس المرض نهائيا .. وبالفعل فقد راودت هذه الفكرة المعنيين بمرض السكر من علماء واطباء منذ اكثر من قرن من الزمان وتمت بالفعل اول محاولة زراعة جزر البنكرياس في 2 اغسطس 1974 في الولايات المتحدة الامريكية وتبعها منذ ذلك الحين المئات من المحاولات الاخرى في مراكز متقدمة من مختلف انحاء العالم .. وببساطة تتم عملية الزراعة بعدة خطوات:

اولا الحصول على غدة البنكرياس من شخص متوفى دماغيا حيث تنقل الغدة على وجه السرعة الى المختبر ليتم عزل خلايا الانسولين عن بقية الانسجة في غدة البنكرياس. ثم تحفظ تلك الخلايا في محلول طبي مناسب حتى يتم حقنها في الوريد الكبدي للمريض من خلال عملية بسيطة تستغرق اقل من ساعة والمريض بكامل وعيه ودون الحاجة الى تخدير كامل.. ويبقى على المريض فيما بعد تناول ادوية يومية ضد المناعة حتى لا يرفض الجسم الخلايا الجديدة المزروعة..

النتائج الاولية:

للاسف ومنذ البداية فقد باءت معظم محاولات زراعة خلايا البنكرياس بالفشل أو على الاقل بالنجاح المحدود جدا اذ لم تنعم غالبية المرضى الذين تمت زراعتهم بالحرية من ابر الانسولين الا لفترة وجيزة لاتتجاوز البضعة شهور.. والسبب في هذا الاخفاق عاملان رئيسيان: (1): ان ادوية المناعة والتي تستعمل في هذا المجال منذ سنوات طويلة تضر مباشرة بخلايا البنكرياس المزروعة بل وتسبب بحد ذاتها مرض السكر احيانا حتى لمن ليس اصلا عرضة لهذا المرض ، (2) منذ البداية كانت عملية استخلاص خلايا الانسولين وفرزها عن بقية خلايا البنكرياس في المختبر تعاني من مشاكل تقنية مختلفة وكانت دائما مرهونة بعامل العفوية والحظ وبالتالي تكون الخلايا المستخرجة في معظم الاحيان دون المطلوب في النقاوة والعدد لضمان نجاح زراعتها. اذن باختصار كانت الخلايا المزروعة متواضعة في الجودة والعدد وفي نفس الوقت كان العلاج المستعمل ضد المناعة يعرقل عملها وربما يتسبب ايضا في موتها المباشر . لذلك لا غرابة ان تكون نتائج زراعة خلايا البنكرياس الى حد قريب مخيبة للآمال رغم قناعة الجميع بسلامة المبدأ وحتمية النجاح يوما ما..


ألانطلاقة الكبرى عام 2000:

في السنوات الاخيرة حصلت تطورات مختبرية هامة في الطرق المتبعة لانتشال اكبر عدد ممكن ومعافى من خلايا الانسولين من غدة البنكرياس . ومن جهة اخرى حدث تطور هام ومثير حين قام فريق طبي من جامعة ادمنتون بكندا العام الماضي باستبدال ادوية المناعة المستعملة سابقا بأدوية مناعة اخرى جديدة ولكن دون ان تتعرض هذه بالضرر على الخلايا المزروعة فكانت النتيجة مذهلة حقا اذ ادت الى استغناء جميع من تمت لهم الزراعة من المرضى تماما عن حقن ابر الانسولين بعدما كانت تلك لا تفارقهم ليوم واحد من قبل وبقيت نسبة السكر ثابتة وطبيعية لديهم جميعا لما يزيد الآن عن سنة واكثر... وهكذا وبعد طول انتظار فقد جسدت نتائج هذه الدراسة الانطلاقة الكبرى في عالم زراعة خلايا البنكرياس وانتعش الامل من جديد وعلى اكثر من صعيد ليكون واقعا ملموسا انتظره الجميع بفارغ الصبر.. وانطلقت منذ وقت قصير دراسات في مراكز متقدمة اخرى لتؤكد جدوى الطريقة الجديدة للعلاج ليقتنع الجميع بانه لم يبق الآن الا وضع اللمسات الاخيرة ليدخل العلاج فعلا حيز التنفيذ من بابه الاوسع ...



فوائد الزراعة الناجحة:

1- استئصال مرض السكري بطريقة جذرية او شبه جذرية
2- عملية الزراعة بحد ذاتها بسيطة جدا لاتستغرق اكثر من ساعة وليست "جراحية" بالمعنى المألوف

3- ينعم المريض بالحياة الطبيعية ومثله في ذلك مثل الآخرين

أما أهم العواقب فهي ما يلي:

1- يضطر المريض بعد زراعة الخلايا الانسولينية لاخذ اقراص المناعة بصورة يومية ودائمة. والمعروف عن ادوية المناعة طبيا انها قد تعرض المريض للاصابة بالالتهابات الجرثومية وأمراض السرطان. وواقع الامر كما يبدو ان نسبة الاصابة بمثل تلك المضاعفات محدودة جدا خصوصا اذا امتثل المريض للفحوصات الطبية ومراجعة الطبيب بصورة دورية. من جهة اخرى تبقى ادوية المناعة شرا لا بد منه في عالم زراعة الاعضاء وهي في الوقت نفسه في تطور مستمر وعلاج اليوم اخف وقعا واقل ضررا مما كانت عليه في السابق وهناك الكثير الواعد للمستقبل القريب حسبما نعلم ..

2- قد لا يدوم مفعول الخلايا المزروعة طويلا او ابديا ثم يعود المريض بعدها لحقن الابر من جديد كما حصل بالفعل مع بعض المرضى في اقل من سنة او اكثر في بعض الدراسات. وفي نظري كأجد أفراد الطاقم الطبي المعالج وبناء على مشاهداتي الشخصية لمثل هؤلاء المرضى لا يكمن اعتبار النتيجة سلبية تماما بل يجب اعتبارها على انها حالة "نصف نجاح" اذ لا يمنع ذلك من ان يتقدم المريض لزراعة ثانية او دورية (كل سنتين مثلا) في سبيل بقائه حرا من المرض خصوصا وان عملية زراعة الخلايا بحد ذاتها لا تنطوي على الكثير من المخاطر كما أسلفنا اعلاه. ..

الحاضر والمستقبل:

يبقى نجاح العلاج الجديد اليوم وبشكل واسع مرهونا بعامل لوجستي واحد ومهم وهو ما يلي: من اين لنا ان نأتي بغدد البنكرياس الكافية لسد احتياج الاعداد الهائلة من مرضى السكري ممن يستحقون العلاج؟ كما ذكرنا سابقا ان المصدر الرئيسي لغدة البنكرياس هو عن طريق الشخص المتوفى دماغيا عندما يتبرع اقرباؤه باعضائه لمرضى آخرين ليبقى هؤلاء على قيد الحياة او يتم لهم الشفاء التام من المرض. ولكن وللاسف لا يزال التبرع بالاعضاء في مجتمعنا متواضعا جدا وربما محيرا بعض الشيء رغم اقراره الواضح من قبل الجهات الدينية والرسمية ورغم ضرورته الطبية الملحة وما يعنيه ذلك من تضحية وايثار على المستوى الشخصي. وهنا أود ان اوجه دعوة انسانية للجميع بان الحياة يجب ان تقوم دائما على الاخذ والعطاء (وليس الاخذ فقط) ومن منا من ليس له قريب مصاب بالسكر اليوم ؟..

وهناك مصدر آخر مهم وهائل للخلايا الانسولينية في المستقبل المنظور الا وهو الخلايا الجذعية او مايسمى احيانا بخلايا المنشأ. وتتميز هذه الخلايا الموجودة في معظم انسجة الجسم البشري بميزتين رئسيتين وهما: (1) القابلية على التكاثر اللامحدود، (2) التحول في ظروف مختبرية مناسبة الى خلايا مختلفة عن الخلايا الاصل وحسب الطلب: فقد تم فعلا تحويل خلايا جذعية مصدرها الاساسي نخاع العظم مثلا الى خلايا شبيهة بخلايا البنكرياس بل وتفرز هرمون الانسولين مباشرة . وتمثل الخلايا الجذعية اليوم ثورة علمية حقيقية وتفتح آفاقا واسعة ليس فقط في علاج داء السكري بل يعول عليها ايضا ان تكون معينا لا ينضب لعلاج الكثير من الامراض المستعصية الاخرى. وبدت بالفعل طلائع الخير تلوح اليوم في الافق ...



حقوق المقال محفوظة للكاتب والمجموعة الاستشارية السعودية لمكافحة السكتة الدماغية

مجموعة انسان
02 / 01 / 2003, 08 : 04 AM
[align=center:69f219d030]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الله يبشرك بالخير يابو ريم



ويعطيك العافيه



تحيااااااتي[/align:69f219d030]